الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
حدثني الرجل البسيط، صاحب الحجة المباشرة، والعبرة الحاسمة... ان شيخا صادف افعى مخيفة في جبل بعيد يدعى مرمرة، ولحق بها ليقتلها فدارت بينهما مفاوضات من نوع عجيب. اذ قالت الافعى للشيخ: يا شيخ انني اعلم كنزا مخبئا تحت صخرة، وانت حطّاب بسيط، وان قتلي لن يفيدك بشئ، أما ان عفوت عني فانني اقسم بالخالق انني سأعطيك كل شهر قطعة ذهب تعيش منها مثل الملوك ولا تحتاج احدا بعد ذلك.
الاداء التفاوضي للافعى أعجب الشيخ كثيرا، ونزل في عقله محط الاستحسان، فوافق على العهد وهو يتشكك بوفاء الافعى وظل فأسه في يده. ولكن الافعى زحفت الى تحت صخرة معتمة ودفعت بقطعة ذهب حقيقية نحوه، فالتقطها، وقال لنفسه ان قطعة ذهب كل شهر افضل عندي من قتل هذه الزاحفة المخيفة.
وتكتّم الشيخ على المفاوضات مع الافعى، لان احدا لن يصدّقه، كما انها قصة عجيبة لا يصدقّها عاقل.. وبعد شهر عاد الشيخ الى الجبل وفأسه في يمينه، ونادى على الافعى وهو لا يصدق انها ستوفي بوعدها، ولكنها وللشهر الثاني دفعت اليه بقطعة ذهب اخرى، وهكذا مضى الحال لسبع سنوات واكثر.
وفي تلك الاثناء كبر شلبي وهو ابن الشيخ وزادت قوته، وامام الحاح الابن، باح الشيخ لشلبي بالسرّ الدفين، فثار الولد غاضبا على صبر الشيخ وأراد ان يقتل الافعى بضربة واحدة ويأخذ كل الذهب ويرتاح. لكن الشيخ منع ابنه الشاب وزجره وقال ان مشيئة الله ان يكون ما كان، فكان ما كان، وان على الطرفين الالتزام بالاتفاق.
وذات يوم تسلل الولد الشاب شلبي الى الجبل وهجم على الافعى، وهو واثق من قدرته على قتلها. وهوى عليها بنصل الفأس فقطع ذنبها، لكن الافعى استدارت ولدغته فمات من السم الزعاف.
بعد أشهر من الحزن، عاد الشيخ الى الجبل وسأل الافعى اذا يعودان الى الاتفاق السابق ويمضيان في تنفيذ العهد بينهما، لكن الافعى رفضت وقالت للشيخ : ان اي عهد بيننا لن يصمد بعد اليوم، فقد وقع ما وقع ومهما طالت الايام، ( انا لن انسى ذنبي، وانت لن تنسى شلبي).