الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأقصى... وغلاظ الرقبة

نشر بتاريخ: 26/12/2015 ( آخر تحديث: 26/12/2015 الساعة: 14:43 )

الكاتب: حسن صافي المسالمة

إن محاولة قادة الاحتلال الصهيوني التغاضي عن مكانة المسجد الأقصى المبارك، واستهتارهم بمشاعر مليار ونصف المليار مسلم وأكثر في العالم، والسماح بالاقتحامات المتكررة لحُرمة المسجد الأقصى وحرمه، لهو أسوأ أنواع اللعب بالنار، بل كما قال أحد قادة أجهزتهم الأمنية لنتنياهو محذراً: إنه أشبه باللعب بقنبلة نووية، على وشك الانفجار، وهذا يؤكد ما وصفهم به سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: بأنهم غلاظ الرقبة، أي: عنيدون إلى درجة عدم تقدير العواقب.

إنَّ المسجد الأقصى المبارك ركن من أركان عقيدة المسلمين، والعقيدة عند أي شعب هي من أخطر ما يُمكنُ التلاعب أو الاستهتار به ، ويُسجل لقادة الاحتلال المؤسسين بأنهم لم يُحاولوا المساس به، اتقاءً لما سيكون عليه ردة الفعل المتوقعة، حتى عندما تجرأ أحد الصهاينة على الإقدام على إحراقه ، تبرأ منه قادة الاحتلال، وأعلنوا بأنه مختل عقلياً، واستنكروا فعلته.

أما اليوم، فإننا نرى قوماً قد انتشوا بخمر النصر، وخبلتهم عزة الإثم، وغرتهم استكانة الجبناء، من القيادات التي هرمت على مستوى العالم العربي والإسلامي، وفقدت العزم والإقدام، وما عادت قادرة، لا على الفعل، ولا على رَدَّةِ الفعل، وغرتهم – أي قادة الاحتلال الجدد غلاظ الرقبة- كذلك المصائب التي تقع على الأمة، من الخلافات التي وصلت حدَّ الذبح والقتل والدمار والتدمير، والخراب الذي حل بأكبر حواضر العرب من بغداد إلى دمشق إلى صنعاء إلى القاهرة، أي الحواضر التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، لذلك فقد وصلت بهم جُرْأَتهم وغلظ رقابهم إلى اللعب بنيران الأقصى، والتي لن تخمد إلا بعد أنْ تحرق وساوسهم وأفكارهم العدائية والسيئة، والتي ستجر الخراب والدمار عليهم وعلى غيرهم.

أتُراهم لا يعلمون بأن المسجد الأقصى هو آيةٌ في كتاب الله عز وجل ، حيثُ يقول : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء ، أم لم يسمعوا بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : " لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " متفق عليه ؟؟! فالمسجد الأقصى المبارك هو أُولى القبلتين ، وثاني المسجدين ، وثالث الحرمين ، إليه أسري بالنبي ، ومنه عُرجَ به إلى السماواتِ العلا ، وبيديه عقد أول لواءٍ لتحريره من الروم ، وبجيشٍ فيه كرام الصحابة وكبرائهم فتحوه ، وتسلم مفاتيحه عمرٌ الفاروق ، وعندما قُدِّرَ له أن يُحتل مرة أُخرى ، حرره عظيمٌ من عظماء أمة الإسلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، صلاح الدين رحمه الله ورضي الله عنه.

للأسف الشديد نقول لكل غليظ رقبة: لقد تنازل أهل الأقصى عن معظم الأرض التي بارك الله فيها للعالمين ، وأورثها من عباده المتقين ، ولم يبق لأصحاب الحق الأصليين إلا القليل القليل، ومنها الأقصى الذي لا ندخله إلا بإذن منكم ، ولا نصلي فيه إلا بترتيبٍكم ، وكادت أن تطيب لكم الدنيا ، بأرضٍ بنيتم عليها دولة عظيمة وقوية تُرْهبُ مَنْ عاديتم، فلماذا تصنعون كل ذلك ؟! والذي لن يعود عليكم إلا بخسارة كل ما حصلتم عليه ، ولن تهدأ لكم حال ، ولن يستقر لكم قرار ، فالأقصى الذي وضعتموه في خطر أطماعكم وطموحاتكم القاتلة ، قد أحيا الموات في هذه الأمة ، وبعث مَنْ في القبور ، وسيرد الغاوين عن غيهم ، والضالين عن ضلالهم ، والمارقين من مروقهم ، والمتنازلين عن تنازلهم ، والجبناء عن جُبنهم، وسيمضي أمر الله لا أمركم ، وسيتحقق الوعد المكتوب ، ولكن ليس لكم ، بل للأقصى ووعد الآخرة . فشكراً لكم غلاظ الرقبة ، لقد أذهبتم سكرتنا ، وأعدتم لنا عقولنا ، ورددتم علينا عزتنا ، وبعثتم فينا كرامتنا.