الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

المبادرات... إلى أين؟!

نشر بتاريخ: 28/12/2015 ( آخر تحديث: 28/12/2015 الساعة: 10:09 )

الكاتب: د. سهير قاسم

تحمل في مضامينها لبّ التربية وعمق الأداء والتميزكما تحمل عنوان التغيير ليس على المستوى النظريّ بل على أرض الواقع وفي السياق الحياتي وتتسم بالاستدامة، هي المبادرة التي باتت تسيطر على مساحات واسعة من مهماتنا وإنجازاتنا فنشهد لها التسويق وتتجسد على الخطط وفي مراحل التنفيذلتزداد أعداد المبادَرات والمبادرين على اختلاف أنواعها وأشكالها في المجالات العديدة وعلى المستويات كافة.

إن فكرة المبادرات ومأسستها وتفعليها دون شك ظاهرة إيجابية ولا يعني التوجه إليها بعين النقد أن الفكرة سلبية، فقدتُصبح إضاءات جديرة بالاهتمام إذا ما استُثمرت بصورة صحيحة وربما تصل إلى توفير نظام متطور يقودنا إلى التغيير الإيجابي شريطة أن تنطلق من أسس فعالة بمعايير وبمنهجية علمية بعيدة عن العشوائية أو مجرد الوقوف عند مجرد الظهور الذاتي أو الشخصي لأفراد أو حتى لمؤسسات ومراكز رسمية وغير رسمية!
والاهتمام بالمبادرات مؤشر التحول والترجمة الفعلية للنوعية وحسن الأداء من أجل النهوض بالمجتمع الفلسطيني خاصة إذا وُجهت لشرائح مهمة في مجتمعنا ليكون بمقدورهاالتشارك والإنجاز بما يصبّ في الصالح العام مما يتطلب الاهتمام بالإنجازات الفردية أو الجماعية في سياق البيئة الحياتية من خلال تعزيز مهارات التواصل والعمل التشاركي بالتأمل والتأمل الذاتي لتحقيق الاستدامة والقدرة على التنافسالفعال.

وتتطلب المبادرةوجود الرغبةالحقيقية لدى المبادرين الذين يسعون إلى التغيير كمحصلة لمبادراتهم لا مجرد الوقوف عند تحقيق نصرأو مكسب آني قد يفيد وقد لا يفيد إذ لم يتم الحفاظ عليه واستثماره بالصور الصحيحة مع تأكيدناأهمية التنافس الإيجابي، ولكن من الأهمية بمكان الحفاظ على ذلك الإنجاز.
ماذا لو تأملنا ما يجري على أرض الواقع وتساءلنا عن معايير هذه المبادرات، فهل المعايير المتوافرة تنسجم والإبداع؟ هل المبادرة ذات أهداف استراتيجية تشير إلى التميز بأهداف واضحة ومحددة ضمن منهجية علمية قادرة على إبراز دورها في إحداث التغيير البناء؟أم إنها مبادرة تقليدية تحقق أهدافا قصيرة المدى وربما تقليدية تتعدد مرجعياتها وأهدافها وغاياتها!

إن تعدد المرجعيات يقلل من شأن المبادرة ويجعلها عرضة للمخاطر في المؤسسة الواحدة وقد يؤدي إلى التشتت والابتعاد عن تحقيق الهدف وفق حاجات المجتمع؟ فلماذا لا تجتمع خيوط الاستراتيجية وتتوحد لتكوين مرجعية ثابتة ليس على المستوى العام فحسب بل على مستوى أصحاب القرار للخروج بوثيقة واضحة المعالم يكون بمقدورهاالنهوض بالنظام ومزيدا من المأسسة؟
ويقود العمل وفق معايير مشتتة المبادرين إلى اليأس أو الاحتراق سواء الذين يبذلون الجهود ثم لا يجدون لأنفسهم طريقا إلى النجاح أو ربما يحترق حتى أصحاب المبادرات الفائزة؛ إذ تموت مبادراتهم ولا تُستدام، فهل تتم رعايتها لاحقا أو متابعتها؟ هل تُستكمل وتتابع! أم تموت بمجرد الحصول على الجائزة؟ أليس من خصائص المبادرة الحقيقة أن تستمر لإحداث التغيير وفق بيئة هذه المبادرة؟

علينا التنبّه إلى هذه المخاطر فقد تكون العاقبة ذات مردود سلبي باعتبار أن التحفيز سلاح ذو حدين: الأول قد يقود إلى التطور، والثاني قد يؤدي للإحباط والتقوقع حول الذات إن كثرت نسبة الخطأ في التقييم أو ابتعدت عن المعايير الدقيقة.ومن الوجهة الأخرى، هل تقنين المبادرات يكون بكثرة العدد أو بتنوعها ...، أم الأهم التركيز على النوعية والتميزضمن خصائص المبادرة الحقيقية؟! فهل تحقق كثرة العدد التطور أو تقف عند الإنجاز الذاتي والمصلحة الخاصة؟ أم تقتصر على كونها مجرد مسابقة تحقق أهدافا ذاتية ثم تعاني الموات ولا تقوى على الحياة! ألا يتعارض ذلك مع عنوان المبادرة التي يتوقع أن تحدث تغييرا بغض النظر عن حجم ذلك التغيير!

من الضروري تأمل العلاقة بين المبادرة وتطوير النظام، فهل طبيعةالعلاقة تكاملية وتقود إلى المأسسة؟تساؤلات كثيرة تتطلب البحث والتفكير برويّة وعمق على مستويات عامة ومؤسساتية ولا تتطلب الإجابات العشوائية، وإن كنت أخص المبادرين الذينتقع على عاتقهم المسؤولية في تقديم التغذية الراجعة البناءة حيث إنهم من كتبوا وبرعوا وبحثوا فالفرص متاحة أمامهم للنقد الذاتي والتأمل في تجاربهم وإنجازاتهم خاصة.

إن الإرادة والرغبة متوافرة لدراسة الواقع وتجنيب المبادرات خطر أن تصبح مجرد فرقعات تنتهي بتحقيق نصر آني. الأمل كبير في نسج معايير نفاخر بها بعيدا عن الروتين الدوري العقيم الذي لا يتيح حتى مجرد التفكير بالإنجازات ليستمر السباق مع الزمن عاما بعد عام . إن الحاجة ماسةلتعريف المبادرة إجرائيا وبوضوح وبآليات تعزز مهارات التشارك الفعال الذي يتوافق مع السياسة العامة وحاجة المجتمع بغض النظر عن المرجعيات وبتكامل يستهدف الجميع دون استثناء لتصبح المبادرات مستدامة وأكثر ارتباطا وقدرة على الحياة.