الأحد: 15/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

من أروع ما قرأت- قصيدة "عليا وعصام".. شعر: قيصر المعلوف

نشر بتاريخ: 29/12/2015 ( آخر تحديث: 29/12/2015 الساعة: 19:14 )

الكاتب: صادق الخضور

ومضة:
حدثنّي صديق عن مدى إعجابه بقصيدة لا يزال يحفظها عن ظهر قلب، وحينها – قبل عقود من الزمن- كان وضع القصيدة أمام مجموعة أطفال بعمر 9 سنوات، ووعد من يحفظها منهم خلال عشرة أيام بجائزة، فكانت المفاجأة أنهم جميعا حفظوها.
قصّ عليّ صديقي الحكاية؛ حكاية القصيدة؛ فزاد فضولي، وبحثت عنها، فإذا بها درّة من درر التراث الأدبي.

الحكاية ....
قصة تطرقت إلى بقاء صغار القبيلة في الخيام في حال خروج رجالها للحرب، وذكرت عليا وعصام الطفلين اللذين يرعيان المواشي معًا، وقد أحبا بعضهما البعض، ويمضي الزمن، ويكبر الفتى والفتاة. وهنا تبدأ أزمة القصة، فالأم تدخل مسرح الأحداث، وتفاجئ ابنها بخبر مقتل أبيه. ومن القاتل؟ إنه أبو عليا بالذات. ثم ما تلبث أن تصف التقاليد القبلية ووجوب الثأر، وإلاّ فإن كل نكوص عن ذلك يؤدي إلى معرة بين القبائل، ويعجب عصام كيف يمكن أن يكون أبوه قد قُتلَ وهو البطل الهمام؟ 

إن الأم تعرف كذلك أن ابنها يعشق عليا، ولذا فهي تخشى ألّا يقدم على الثأر ، فتعمد إلى أن تحمّسه ليروي الأسَّنةَ من دماء والدها، فالشرف هو في أخذ الثأر، وعليه ألا يتردد بسبب غرامه وهواه. 

وتتطور الأحداث لتصل إلى المبارزة بين عصام وأبي عليا، وتنتهي بمصرع أبيها. وفيما كان يخبر أمه بأنه أخذ ثأره، وشفى غليله، وإذا بعليا تقبل وتناشد حبيبها أن ينتقم لأبيها، وما كانت تعلم أن حبيبها هو القاتل بعينه، وهنا تبدأ حلقة أخرى في الفاجعة، فها هو يغمد سيفه في أحشائه، حتى يكون بذلك الرجل الوفي لحبيبته المنتقم لها. 

وتأتي الحلقة الأخيرة لتجد عليا ، وهي تنتحر وتقول له: (( لا تمت قبلي عصام).

القصيدة حافلة بالصور الفنية والألفاظ الجزلة، وفيها تكنيك درامي يجعلها جديرة بالتداول.

القصيدة:
رولا عرب قصورهم الخيام ... ومنزلهم حماة والشآم
إذا ضاقت بهم أرجاء أرض ... يطيب بغيرها لهم المُقام
غزاة ينشدون الرزق دوما ... على صهوات خيل لا تُضام
غرامهم مطاردة الأعادي ... وعزهم الأسنة والسهام
إذا ركبت رجالهم لغزو...فما في رهطهم بطل كهام
ولا يبقى من الفرسان إلا ... عجايا الربع والولد الفطام
وكانت من عجايا الربع عليا ... ومن عجيانه النجبا عصام
لقد نشأآ رعاة للمواشي ... كما ينشأ من العرب الغلام
هناك على الورى عقدا الأيادي ... وعاقد حبل قلبهما الغرام
ولما أصبحت عليا فتاة ....... يليق بها التحجب واللثام
وصار عصام ذا زند شديد ... يهز به المهند والحسام
دعته أمه يوما إليها ... وقالت يا حسامي يا عصام!!
لقد أصبحت ذا رأي سديد ... به يستأنس الجيش الهمام
بثأر أبيك خذ من قاتليه ... وإلا عابك العرب الكرام
فصاح وهل أبي قد مات قتلا؟... وأنى يقتل البطل الهُمام؟!
بحق المصطفى ما ذقت عيشا ... إذا عاشت أعادينا اللئام
ألا سمّي لي الأعداء حالا .... فما للصبر في قلبي مقام
أبو عليا الغريم بني فانهض ... فهذا الدرع درعك والحسام
فحلَّ عصام مهرته سريعا .... وسار وسحب مدمعه سجام
هناك التقى الخصمان حتى ... على رأسيهما عقد القتام
عصام أرسل الطعنات تترى ... فقدت من مبارزه العظام
وعاد لأمه جذلا طروبا .... وقال لها ابشري قُضي المرام
وبين هما بضحك إذ بعليا ... وقد أدمى مباسمها اللطام
فصاحت!!عصام أبي قتيل ........ ألا فاثأر لعليا يا همام،
فقال لها: ابشري عليا فإني ........ لأهل العهد في الدنيا إمام
لسوف ترين قاتله قتيلا ....... وأصغت ما أتم لها كلام
ولما شاهدته عليا في هواها ....... قتيلا يستقي دمه الرغام
نضدت من صدره الهندي حالا ....... وقالت لا تمت قبلي عصام
وأغمدت الحسام في حشاها .......وقالت على الدنيا ومن فيها السلام