الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأمم المتحدة بعد سبعين عاماً على تأسيسها.... هل من سبيل للإصلاح؟

نشر بتاريخ: 30/12/2015 ( آخر تحديث: 30/12/2015 الساعة: 16:18 )

الكاتب: د. رويد ابو عمشة

احتفلت هيئة الأمم المتحدة قبل شهرين بمرور سبعين عاماً على تأسيسها، وثار السؤال مرة أخرى حول جدوى هذه المنظمة الأممية الأولى في العالم والخدمات التي قدمتها للبشرية جمعاء، وهل هي الهيئة الأممية الكبرى التي حلم المفكر الفرنسي "جان جاك روسو" ذات يوم بوجودها؟، وهل هي ذات الهيئة التي وقع على كاهلها منع الحروب بين الأمم ونشر السلام والعدل في العالم بعد أن فشلت سابقتها عصبة الأمم في منع إندلاع الحرب العالمية الثانية ؟.

وبنظرة فاحصة نجد أن هناك العديد من بؤر التوتر والنزاع في العالم وحجم الضحايا المترتب عليها والذي يكلف البشرية الكثير، لكنه ومن جانب آخر استطاعت الأمم المتحدة أن تنهي بعض هذه الصراعات أو تمنع توسعها وانتشارها، و نلاحظ البون الشاسع بين أداء المنظمة في القضايا والنزاعات السياسية التي تخضع بشكل مباشر للتوازنات والمواقف السياسية عنه في الجانب الإنساني والإغاثي، حيث قدمت الهيئة من خلال وكالاتها المتخصصة الإغاثة والمساعدة لملايين البشر حول العالم من لاجئي ومنكوبي الحروب والمجاعات أو الكوارث الطبيعية، و تقدم وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة المعونة والحماية لأكثر من ٢٣ مليون لاجئ ومشرد في جميع أنحاء العالم، علما أن عدد اللاجئين في العالم بلغ 60 مليون، و حققت الأمم المتحدة على مدى 70 عاما انجازات عدة، و في مجال التنظيم الغذائي انقذ حياة الملايين و قدمت مساعدات و أدوات لتحسين صحة الملايين في الدول الفقيرة، حيث يقوم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، بشحن أكثر من ٥ ملايين طن من المواد الغذائية سنويًا لإطعام ما يقارب ١١٣ مليون شخص في ٨٠ بلدًا.

و تعد منظومة الأمم المتحدة أكبر مشتر للسلع والخدمات، حيث تصل مشترياﺗﻬا إلى 4.6 بليون دولار وتشتري منظمة الأمم المتحدة للطفو لة (اليونيسيف) نصف اللقاحات المنتجة في جميع أنحاء العالم، وفي هذا المجال أدت حملات الأمم المتحدة ضد أمراض الأطفال إلى القضاء على الجدري وتقليص نسبة الإصابة بمرض شلل الأطفال بنسبة ٩٩ في المائة، عوضاً عن مسؤولية الأمم المتحدة عن تحديد منظومة المعايير التقنية للاتصالات السلكية واللاسلكية، والطيران، والنقل البحري، وخدمات البريد التي تمكن من إجراء المعاملات الدولية.

وإدارياً يؤخذ على الأمم المتحدة البيروقراطية المفرطة التي تنظم العلاقة بين وكالاتها المختلفة التي يصل عددها إلى 17 وكالة كل واحدة منها تتعامل مع موضوع معين و أحياناً تتداخل مهامها واختصاصاتها، وتتنافس على ذات المصادر، و تشمَل 41 الف موظف، ويذكر أن النفقات السنوية للمنظمة تضاعفت 40 مرة منذ الخمسينات، وللأمم المتحدة أكثر من 120 مكتباً حول العالم منتشرة في أكثر من 100 دولة، و تصل ميزانية بعضها 8-9 ملايين دولار، بينما تصل تكاليف قوات حفظ السلام الموزعة على 16 عملية حفظ سلام في العالم إلى 9 مليار دولار، تغطي نفقات 120 الف جندي وشرطي حول العالم، علماً أن هذه الموازنة تصل نسبة 5% من الإنفاق العسكري العالمي، وأثبتت عدة لجان تحقيق شكلتها الأمم المتحدة ذاتها وجود هدر بالمال.

أما بالنسبة لأداء المنظمة على المستوى السياسي وتسوية النزاعات في العالم، فنجد أنه بالرغم من فوز الأمم التحدة بجائزة نوبل للسلام أكثر من مرة لانقاذها حياة البشر، إلا أن حياة الملايين منهم لا زالت بائسة، و العديد من الصراعات مفتوحة، والعدالة غائبة عن قضايا أو مناطق بعينها، واضعة الهدف الأول الي تأسست من أجله الأمم المتحدة وهو حفظ السلم والأمن الدوليين تحت الاختبار، وقد عجزت الأمم المتحدة عن القيام بدورها في حفظ السلام والأمن في عدد من المناطق في العالم، ومنها على سبيل المثال الصومال، ويوغوسلافيا السابقة، ورواندا وكشمير، ولا تزال عاجزة عن فعل أي شيء لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي – الاسرائيلي الذي اتخذت بشأنه مئات القرارات الأممية، ولم تقدم الأمم المتحدة حلولا مناسبة في الملفات الملتهبة في العالم العربي ( سوريا، ليبيا، اليمن).

و كما فرضت نتيجة الحرب العالمية الأولى نفسها بتشكيل عصبة الأمم كتنظيم دولي، فإن نتيجة الحرب العالمية الثانية قد فرضت نفسها على تشكيل هيئة الأمم المتحدة من خلال استثمارها من قبل الدول المنتصرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، واحتفظت الدول المنتصرة لنفسها بدور استثنائي من خلال الميثاق الذي نص على أن مهمة هيئة الأمم المتحدة هو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، واعتبر مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة أحد أهم الأفرع الرئيسية لهيئة الأمم المتحدة، وأعطى الميثاق لكل منها مهاماً وصلاحيات مختلفة، واحتفظت هذه الدول لنفسها بصلاحيات واسعة في مجلس الأمن الدولي الذي أناطت به مهمة فض المنازعات الدولية سلمياً، ومهمة قمع أعمال العدوان، حيث احتفظت لنفسها بحق النقض الفيتو على قراراته، بينما فتحت العضوية لكل دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقاعدة أن لكل دولة صوتاً واحداً، لكن دورها ينحصر في المناقشة وإبداء الرأي وإصدار التوصيات ولا يصدر عنها أي قواعد قانونية ملزمة.

وأثبتت الممارسة الفعلية لأجهزة الأمم المتحدة عدم وجود توازن بينها، حيث أدت تلك الممارسة إلى تعاظم دور مجلس الأمن على حساب دور الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية التي هي بمثابة السلطة القضائية للمنظمة، وباعتبار مجلس الأمن هو الجهاز الوحيد في الأمم المتحدة الذي يتمتع بسلطة الجزاء، التي تمكنه من استخدام تدابير عقابية عديدة ضد الدول تصل أحياناً إلى حد استخدام القوة المسلحة، ونظراً لأن سلطات المجلس تقديرية ولا تخضع لأي نوع من الرقابة التشريعية أو القضائية، فان تطبيق نظام الأمن الجماعي في ظل موازين القوى الحالية يمكن أن ينطوي على مخاطر حقيقية.

وفي كثير من الحالات تمكن مجلس الأمن من اتخاذ قرارات مفصلية كانت سبباً في نهاية صراع أو حرب بذاتها، لكنه في أحيان كثيرة وقف عاجزاً عن فعل ذلك بسبب تعارض المصالح بين الدول الخمس الدائمة العضوية فيه، وكانت تلك سمة فترة الحرب الباردة بسبب الافراط في استخدام حق (الفيتو) من قبل القوتين العظميين لحماية مصالحها ومصالح حلفائها حتى لو تناقضت مع مبادئ القانون الدولي ذاته، لكن بعد الحرب الباردة تمكن المجلس من أخذ دوره في العديد من الأزمات الدولية، لكنه بقي عاجزاً في حالات أخرى كالصراع العربي الإسرائيلي، وفي القلب منه القضية الفلسطينية التي اتخذ مجلس الأمن قرارات هامة متعلقة بها منذ عقود، لا بل عملت الولايات المتحدة ذاتها على الاستئثار برعاية عملية التسوية السياسية بوصفها الطرف الثالث، وفي نفس الوقت عملت على الغاء أي دور ممكن للأمم المتحدة وتحييد للقرارات الصادرة عنها كمرجعية ملزمة لأي عملية تسوية سياسية.

وهنا تبرز الحاجة للحديث عن إصلاح الأمم المتحدة وهيكليتها التي حددها الميثاق، وأن تفعيل دور الأمم المتحدة ينبغي أن يكون من خلال عدة خطوات عملية في مقدمتها العمل على تعديل ميثاقها، وهو الأمر بالغ الصعوبة نتيجة لوجود نص في الميثاق يشترط موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة على ذلك بالإضافة لموافقة الدول الخمسة دائمة العضوية، وهنا الصعوبة في أن تضحي الدول العظمى بامتيازاتها وأهمها حق - النقض الفيتو - الحق في الاعتراض على قرارات مجلس الأمن الدولي.

فالدعوة إلى إصلاح هيكلية الأمم المتحدة ليست وليدة اليوم، فقد طالبت بها حركة عدم الإنحياز منذ الستينات، كما أدركت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية هذه المسألة حين أصدرت في عام 1974 قراراً يقضي باعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة والبحث في السبل المؤدية إلى تعزيز دور المنظمة وجعلها أكثر فاعلية، ولهذا الغرض شكلت "اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الأمم المتحدة وبتعزيز دور المنظمة"، و تكررت دعوات الإصلاح مراراً من قبل الأمناء العامين للمنظمة، بالذات في عهد بطرس غالي الذي قدم مشروعاً متكاملاً لهذا الغرض، و من بعده كوفي عنان.

و الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة يعني بالذات مجلس الأمن الدولي باعتباره السلطة التنفيذية (الحكومة) للأمم المتحدة، ليصبح أكثر ديمقراطية وتمثيلا للدول، و شهد العقد الأخير من القرن العشرين سلسلة ضخمة من المبادرات أو الخطط التي تحدثت عن جعل المجلس أكثر تمثيلاً للمجتمع الدولي، و أن يصبح أداة أكثر فاعلية في حل الأزمات الدولية، و يبدو أن مسألة إصلاح مجلس الأمن تتمحور حول قضيتين متشابكتين هما العضوية و حق النقض، وهنا تجدر الاشارة إلى أنه ومنذ تأسيس الأمم المتحدة استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو 88 مرة منها 44 مرة لحماية إسرائيل وحدها من الإدانة أو العقوبات، بينما استخدمه كل من الاتحاد السوفييتي 123 مرة كانت الغالبية العظمى منها في فترة الحرب الباردة، و بريطانيا 32 مرة، وفرنسا 18 مرة، ولم تستخدمه الصين سوى 7 مرات فقط، 3 منها من أجل سوريا.

وتمحورت معظم مقترحات الإصلاح التي تم تداولها حول توسيع العضوية العادية و الدائمة للمجلس لتعكس التمثيل الأوسع والأدق للتغير الحاصل في موازين القوى العالمية لأن خريطة القوى العالمية التي تم تشكيل هيئة الأمم المتحدة على أساسها قد تغيرت تماماً، وأن النظام الدولي الذي تعمل الأمم المتحدة في إطاره قد تغير هو الأخر، والأخذ بعين الاعتبار صعود قوى بعينها كالبرازيل والهند وألمانيا وجنوب افريقيا واليابان وتركيا، و تمثيل جغرافيا بعينها حيث أن قارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية غير ممثلتين في هذا المجلس عوضاً عن أن قارة آسيا التي يسكنها نصف سكان الأرض غير ممثلة سوى بعضو واحد وهو الصين، والعرب والمسلمون غائبون أصلاً عن هذا التمثيل، علماً أن قارة أوروبا وحدها تستحوذ على 3 مقاعد دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

وباعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة برلمان العالم، كونها تضم في عضويتها كل دول العالم تقريبا، فمن الضروري تمكينها من ممارسة الرقابة السياسية الفعالة على مجلس الأمن الدولي، وأن يكون لملاحظاتها على قراراته صفة الإلزام، وأن تكون علاقتها بمجلس الأمن الدولي كعلاقة البرلمانات بالحكومات الوطنية، و أن تمارس محكمة العدل الدولية مهام السلطة القضائية، وهناك ضرورة لإعادة صياغة اللائحة الأساسية لها، وأن يصبح الاختصاص القضائي لها إلزامياً، و للأمين العام الحق في طلب الفتوى من محكمة العدل الدولية، والتزام جميع الدول الأعضاء بقبول الولاية الإلزامية للمحكمة الدولية، وهناك ضرورة لأن تأخذ المنظمات غير الحكومية دورها بإشراكها في العديد من أنشطة الأمم المتحدة وذلك لما أثبتته هذه المنظمات من فعالية وكفاءة خاصة في الرقابة على الانتهاكات التي يتعرض لها السكان المدنيون.

و عند الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن موازنة الأمم المتحدة ذاتها تمولها الدول الغنية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، و وفقاً لإحصائية 2012 فإن 74% من موازنة الأمم المتحدة تأتي من 10 دول فقط، وتقدم الولايات المتحدة 25% منها بعد أن كانت تقدم 45% منها في الثلاثسن سنة الأولى لعمل المنظمة، واليابان 12.5%، وألمانيا 9%، و بريطانيا 6%، و فرنسا 6%، وإيطاليا 5.6%، وإسبانيا 5.6%، و تقدم كل من المكسيك وكندا 2.3%، وفي كثير من الأحيان يتم استخدام هذا التمويل كأداة للضغط والمساومة السياسية حيث أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية الموازنة عن اليونسكو بعد قبولها لعضوية دولة فلسطين، و نتيجة لذلك بدأ عملها يضمحل وتعطل بعض برامجها، ومثلها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"

وبالرغم من كل ذلك تبقى الأمم المتحدة المنظمة الدولية العملاقة التي من الممكن التعويل عليها في حل بعض مشاكل البشرية، ويجب العمل على إصلاحها الذي لا بد وأن يأتي كنتيجة حتمية لتغير شكل وهيكل النظام الدولي الحالي، ومع ذلك يجب أن نتذكر مقولة الأمين العام الثاني للأمم المتحدة (داغ همرشليد): "إن الأمم المتحدة لم تقم لخلق جنة عدن للإنسان، بل بهدف إنقاذ الانسانية من جهنم".