نشر بتاريخ: 03/01/2016 ( آخر تحديث: 03/01/2016 الساعة: 10:10 )
الكاتب: عطا الله شاهين
يذكرُ ذات ليلةٍ ماطرةٍ بأنّه تأخّر في المكتبةِ العامّة حينما وقعتْ عيناه على عُنوانٍ لروايةٍ جديدةٍ ، لأحدِ الكُتّابِ المغمورين، فشدّه عُنوانها وراح يقرأها، وعند انتهائه مِنْ قراءةِ نصف الرّواية الشّيّقة نظر إلى ساعته، فرأى عقاربَها تشيرُ إلى الثّامنةِ مساء، فقال في نفسه لقدْ تأخرت، وخرج من المكتبةِ كالمجنونِ لكيْ يلحقَ بالحافلة الأخيرة، التي تنطلقُ صوبَ قريته البعيدة، وحين وصل إلى محطةِ الحافلات كانتْ الحافلة قد تحرّكتْ، فسأل امرأة تتكئ على عكازتها المكسورة أشاهدتِ حافلة لونها أبيض انطلقت قبل قليل؟ فردّت عليه بلا انطلقتْ للتو..
وما هي إلا لحظات حتى بدأ المطرُ ينزلُ بغزارة، فبدأ يبحثُ عن مكانٍ ليختبئ فيه مِنْ شدّةِ غزارةِ المطر، لكنّه لمْ يجدْ سوى بناية لها شُرفة مُتصدعة وآيلة للسّقوطِ فوقفَ تحتها، وبدتْ الشوارع أمامه تخلو من المارّة، وصار يشعلُ سيجارةً تلو الأخرى وبقي ينتظرُ توقّفَ المطر ولو للحظة..
وبعد رُبع ساعة انقشعتْ الغيمةُ الماطرة، وسار على الرصيف وبدأ يبحثُ عن تاكسي، لكنّه اكتشفَ بأنّ النّقود التي بحوزته قليلة وهي أقل من أُجرة التاكسي، فهو لا يريد إحراج نفسه، فعندها قرّر السّير مشياً على الأقدام..
وبعد مرور ساعة من الزّمن قطعَ فيها عدّة كيلومترات من سير مجنون، تجمعَ الغيمُ فوقه فجأة وبدأ المطرُ يهطل وحينها لمْ يجدْ مكاناً ليحتمي به، وبقي يسيرُ بخطواته المسرعة، وتبللتْ ملابسه وأصبحتْ ثقيلة، وبعد لحظات توقّفتْ بجانبه سيارة فارهة، وأضاءت مصباحَ سقفها، فنظرَ فإذا امرأة ساحرة الجمال كانتْ تجلس على عجلةِ القيادة، وقالت له: اصعد إلى السّيارة، فأنتَ مبللٌ بشكل تامّ، فجلسَ بكل أدبٍ، وفي الطّريقِ كانا يتحدثان عن حياتهما المحبطة وعن ما آلت إليه الأمور من تدحرجٍ في السّياسة في بلدٍ يتوق للحرية، وحين وصلا على مقربةٍ من منزلها دعته وقالت له: أدعوك إلى شرب فنجانٍ من الشّاي، لكنّه رفضَ وعندها أصرّت نلك المرأة على دعوته لزيارتها..
فأعدّتْ فنجانيْن من الشّاي وأحضرتهما، وبدآ يسردان عن حياتهما اليومية، وبعد انتهائه من شُربه للشّاي همّ بالخروج، لكنها أبت وقالت له: المطر ما زال يهطل فعاد وجلس، وبدا له من خلال حديثها معه بأنها تعيش بمفردها..
واقتربتْ منه وهو وبدأ يخجل، لأنّه كان في حالة سيئة، ولاحظَ بأنها ضجرة مِنْ عيشها بمفردها وراحت تهمس له بهدوءٍ على وقعِ المطر، وهو لحظتها كان خجلا، وقال لذاته ما أصعب الوحدة..
فهي أرادتْ من همسها الرائع أنْ تخمدَ رغبةً بداخلها، فقام فجأة بالاستئذان منها، لكنها امتعضتْ لأنّها لمْ ترد بأن يرحل، فهي تعيشُ في وحشة، ووحيدة، ولمْ يُسعفها الزّمن كيْ تجد شريكاً لحياتها..
وقامَ وفتح البابَ ليخرج إلا أنّها تبعته لتوصّله، وسار قليلا تَحْتَ المطر وكانتْ تقولُ له: انتظر سأُوصّلك ما دمت أنتَ مصرٌّ ..
ووصل إلى منزله في ساعة متأخرة، ووجدَ فراشه مبتلّا، وولجَ فيه ولم يشعر حينها بالبردِ لأن همساتها كانت تدفّئه..
وفي اليوم التّالي لمْ يصح إلّا على صوتِ آذان الظُّهر، وتذكّر تلك الليلة، وصار يتذكر همسات تلك المرأة وشغبها الرائع، مع أنه لم يكن مشاغبا معها، إلا أنّه أحبَّ معاودة الكرّة مرّة أُخرى، لربما ستسرُّ منه أكثر في مرة أُخرى..