نشر بتاريخ: 03/01/2016 ( آخر تحديث: 03/01/2016 الساعة: 15:51 )
الكاتب: فادي أبو بكر
بشكل عام فإن خطاب الحركات الإسلامية السياسية هو "خطاب هجين" حيث أنه يزاوج في بنيته ما بين الدين والسياسة، فترى هذه الحركات تستند إلى النص الديني وتقوم بالاجتهاد بما يسمح لها الخروج عن النص والعبور نحو عالم السياسة، وبهذا تستطيع عبر الخطاب أن تمرر الأيديولوجية الخاصة بها من جانب وتعكس صورتها كخير منفذ لوصية الله من جانب آخر!.
حرصت حركة حماس الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين في بداية انطلاقتها عام 1988م على التركيز على النصوص الدينية بشكل مكثف، وذلك في سبيل كسب الالتفاف الجماهيري حولها وبناء قوة اجتماعية تجعلها أكثر تمكناً في الساحة الفلسطينية.
كانت المقاومة وما زالت مطلب فلسطيني جماهيري، وفي الانتفاضة الأولى حرصت حماس في بياناتها وخطاباتها من التشديد على العمل الجهادي والمقاومة، إلا أنها في نفس الوقت كانت توجه رسالتها ليس لإسرائيل فحسب، بل لخصمها الفلسطيني الممثل بمنظمة التحرير الفلسطينية. فتراها تستخدم لغة خطابة تحاول عبرها إقصاء الآخر وإلغاء خطابه، وذلك بإظهار نفسها كخير ممثل للشعب الفلسطيني وأنها تمتلك الأفضلية لأنها تطبق شرع الله وتمثل إرادة الحق!.
ميشيل فوكو تحدث عن هذا الخطاب وإنتاجه في كتابه "نظام الخطاب"، وكيف يتم استخدام استراتيجيات الحصر والمنع كوسائل للسيطرة على الخطاب، بالاعتماد على مبدأ القسمة والرفض ونبذ أي خطاب آخر . وهذا تماماً ما فعلته حماس .
بعد الانقسام الفلسطيني الأسود الذي جاء نتيجة انقلاب حركة حماس على السلطة الفلسطينية في قطاع غزة عام 2007، بدأ خطاب حركة حماس يصبح أكثر براغماتية، وذلك كونها دخلت عالماً آخر وتعاملت مع نفسها وكأنها دولة مستقلة.
أصبحت تخفف من استخدام النصوص الدينية وتحاول أن تخلط ما بين الدين والسياسة بشكل أكثر مكراً ويجعلها أكثر قبولاً لدى العالم والمجتمع الدولي، إلا أنها تمادت لدرجة أنها فقدت صداقات وعلاقات لها وزن وتأثير كبير إقليمياً.
سوريا أبسط مثال على ذلك، فما إن بدأت الأحداث السورية تشتعل حتى ساندت المعارضة السورية ودعمت بشكل واضح الثورة ضد النظام السوري، مرتكبة بذلك خطأ سياسي قاتل ألا وهو "التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية".
لم تفهم حماس بعد أنها ليست في وضع يسمح لها بمعاداة أحد، فها هي تعاند جارتها مصر، والذي سيودي بها إلى التهلكة خصوصاً بعد فقدان الدعم السوري. أما قطر فلا رباط عليها فهي جزيرة أمريكية لا يمكن أن تعتمد عليها إلى الأبد.
غازي حمد القيادي في حركة حماس أيقن حقيقة أن حماس في طريقها إلى التهلكة، وصرح مؤخراً بصراحة " نعم أخطأنا وفشلنا بالحكم والسياسة " ويعد هذا التصريح خطوة غير مسبوقة من قبل قياديي حماس . وتطرق حمد إلى أن حماس بحاجة إلى صياغة رؤية جديدة وإعادة ترتيب أولوياتها وأوراقها بما يضمن وضع مشروعها على سكة المسار الصحيح.
هل نرى مستقبلاً تغير جذري في خطاب حركة حماس؟ و هل تبحث حماس عن خطاب سحري جديد يلاءم المرحلة؟.
حماس محاصرة وتختنق وتحاول الخروج بخطاب يحوي رسائل موجهة إلى العالم الذي يعيش على أعتاب مرحلة جديدة.
خطاب حماس القادم سيتحول بلا شك من خطاب حرب إلى خطاب سلم خالي من الانفعال، وقد تستعد حتى للتفاوض مباشرة مع إسرائيل إن اضطرت لذلك.
ستعمل حركة حماس على إنتاج خطاب سحري جديد ممكن وصفه ب"الخطاب الآمن". خطاب تحاول حماية نفسها به وهي على أعتاب مرحلة جديدة. خطاب يرسل إشارات ايجابية إلى الجميع.
من أولويات هذا الخطاب محاولة تليين الفولاذ المصري وحل مشكلة المعابر الخانقة، إعادة ترتيب العلاقة الحمساوية-الإيرانية خصوصاً في ظل تطور الأوضاع في سوريا، إضافة إلى إعادة التأييد الجماهيري لها ، فهي عبر نشر تفاصيل من عملية شاليط تحاول استعطاف الجماهير ومحاولة استرداد الثقة الجماهيرية.
حماس صنعت أكذوبة وجود داعش في غزة، وهذا باعتراف غازي حمد أحد قادتها، والهدف واضح أن تظهر حماس للعالم أنها تحارب الإرهاب لتكسب ود المجتمع الدولي وقوى إقليمية ذي تأثير في المنطقة.
الخلاصة أن حركة حماس ستحاول إنتاج خطاب يعطيها خيارات أكثر ويجعلها تناور بحرية أكبر في ظل حالة الانكسار التي تعيشه والظروف الإقليمية المضادة لمصالحها .