الكاتب: مصطفى ابراهيم
في زحمة الحالة الأمنية والهبة الفلسطينية التي تعاني منها إسرائيل وتسبب لها هاجسا خطيرا وفقدان غالبية الإسرائيليين أمنهم الشخصي خاصة بعد عملية تل أبيب التي تحولت لثكنة عسكرية، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية حتى اللحظة من إلقاء القبض على المنفذ، وبرغم التصريحات الإسرائيلية أن حزب الله وإسرائيل لا يسعيان للتصعيد على إثر إستهداف حزب الله لقوة عسكرية إسرائيلية لم تسفر عن إصابات.
تبقى إسرائيل تعاني ومنشغلة بوضعها الداخلي، وظهرت أمس الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية على إثر الإخفاق الأمني في تل أبيب ومواجهة الهبة الفلسطينية، وكأنها في مرحلة الدعاية الانتخابية ومقدمة على انتخابات جديدة بعد التصريحات التي أطلقها رئيس حزب العمل وتحالف المعسكر الصهيوني والمعارضة يتسحاك هرتسوغ الذي اتهم فيها رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بعدم قدرته على فرض الأمن، وظهر في تل أبيب متعب ويعاني قلة النوم، ويحرض على خمس مواطني دولة إسرائيل يقصد التحريض على عرب الداخل. ما استدعى نتانياهو للرد عليه بأنه يعمل 24 ساعة ولا يتعب ويحافظ على الأمن وهو ليس بحاجة للنوم، كما طالب أفيغدور ليبرمان نتانياهو بالاستقالة لفشله الأمني وإجراء انتخابات، فالحكومة تعاني نقد شديد والائتلاف الحكومي في الكنيست فشل في تقديم خمس مشاريع قوانين.
وفي ظل الحالة الأمنية السائدة في إسرائيل يبدو أن رسالة كتائب القسام السياسية والتي حملت أبعاداً أمنية وإنسانية حول معاملة الجندي جلعاد شاليط أثناء أسره والتي وجهتها عبر فيديو عن حياته في الأسر لم تصل إلى الحكومة الإسرائيلية بالشكل الذي تريده حركة حماس. أو ربما تكون وصلت بطريقة أخرى للمستوى الأمني الإسرائيلي الذي فوجئ بالإمكانات والتفكير الأمني لكتائب القسام، وقدرتها على الاحتفاظ به حياً خلال خمس سنوات ونصف، إلى أن تم عقد صفقة التبادل، برغم الثمن الكبير الذي دفعه الفلسطينيون في قطاع غزة من حصار وتدمير منازل والدم الغزير الذي نزف والشهداء والضحايا. في إسرائيل لم يصدر أي رد رسمي من الحكومة الإسرائيلية حول الفيديو باستثناء تعليقات بعض الصحافيين والتصريح الصحافي الذي صدر عن عائلة شاليط، والذي قالت فيه إن ابنها عاش خمس سنوات ونصف في الأسر في رعب وعزلة. رسالة حماس دعائية لتحسين صورتها داخليا، لكنها بالأساس موجهة لإسرائيل جراء استمرار الحصار ولم تحقق إنجازات، الإعمار يسير ببطء، وما المعاملة التي تلقاها شاليط في الأسر ما هي إلا رسائل أرادت حركة حماس القول من خلالها أن لديها مزيداً من أوراق القوة، في إشارة للجنود الإسرائيليين المختطفين، ولا يعرف مصيرهم حتى اللحظة، وتحاول ممارسة الضغط على عائلات الجنود.
حماس تتعرض لضائقة كبيرة، فالحصار يتعمق أكثر وهي مطالبة بتوفير رواتب لموظفيها وتقديم خدمات للمواطنين، وأزمة معبر رفح تتفاقم والكهرباء وغيرها من الأزمات القاتلة في غزة، هي تريد أن تثبت أن لديها الكثير وتستطيع التأثير فيه على إسرائيل وغيرها للضغط من أجل إتمام صفقة تشمل هدنة أو رفع الحصار.
خطاب الأنسنة الذي نشرته حماس موجه لإسرائيل وللخارج أكثر من الداخل برغم احتفاء وافتخار الفلسطينيين بما نشرته كتائب القسام من تكريم للشهداء وعن وحدة الظل التي تقوم بمهام سرية منها محاولة إختطاف جنود وحمايتهم والحفاظ عليهم أحياء، وكل هذا يأتي في ظل تقارب إسرائيلي تركي. حماس تحاول أن تفتح مسارات جديدة للتخفيف من الأوضاع الكارثية التي تعيشها ويعيشها الناس في قطاع غزة، أو ربما هو إستمرار للجهود العربية والدولية لعقد هدنة طويلة الأمد.