الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قنابل جبريل الرجوب

نشر بتاريخ: 06/01/2016 ( آخر تحديث: 06/01/2016 الساعة: 14:47 )

الكاتب: سفيان أبو زايدة

استثمر نائب امين سر اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب الفرصة بمناسبة الذكرى السنوية لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة و انطلاقة حركة فتح و من خلال تلفزيون فلسطين لالقاء العديد من القنابل السياسية و التنظيمية ، و التي بلا شك استطاع ان يعبر من خلالها عن ارادة الغالبية العظمى من ابناء حركة فتح .

بعيدا عن الاسباب و الدوافع التي جعلت اللواء جبريل التحدث في هذا الوقت و بهذه الصراحة و هذا الوضوح الغير قابل للكثير من التفسيرات و التأويلات. قد اكون اعرف جيدا ما يحدث من حراك في الطبقات العليا للحركة و السلطة و اجهزتها المختلفه، و الامر الطبيعي ان لا يتم فصل ما قاله اللواء جبريل في هذه المقابله عما يجري من صراع " مشروع" على قيادة الحركة في مرحلة ما بعد الرئيس عباس.
لن اتوقف عند هذا الامر على اهميته ، و لكن ما يهم هو ما قيل في هذه المقابله و الذي يعتبر بمثابة دعوة لاعادة تقييم شاملة ليس فقط للوضع الفتحاوي الداخلي و اعادة الاعتبار لحركة فتح و مكانتها و سياستها و تفعيل مؤسساتها، بل ايضا اعادة صياغة للسلوك السياسي الفلسطيني خاصة فيما يتعلق في العلاقة مع الاحتلال في ظل فشل العملية السياسية و الاجراءات الاستيطانية الاسرائيلية، وكذلك اعادة النظر في آلية اتخاذ القرارات على الصعيد الوطني و تفعيل مؤسسات منظمة التحرير و عدم خضوعها للمزاجية و الفردية.

نائب امين سر اللجنة المركزية للحركة اثلج صدر الغالبية العظمى من ابناء حركة فتح ، خاصة اولئك الذين دفعوا في رأس مال هذه الحركة من حياتهم و شبابهم ، الذين يشعرون بالقهر من تراجع دور هذه الحركة العظيمة و غياب مؤسساتها و نظامها الداخلي، و الاهم من ذلك فقدانها لاهم قانون من قوانينها و هو قانون المحبة الناظم الاساس للعلاقة الاخوية بين ابناءها على مدار اربعة عقود من الزمان.

خلال هذه المقابلة التي استمرت اكثر من اربعين دقيقة، فجر اللواء جبريل عن العديد القنابل التي سيكون لها دون ادنى شك اثرها الكبير على مجريات الامور سواء التي يتم مشاهدتها و تحسسها او تلك التي تجري من خلف الستار و لا يتم الحديث حولها الا من خلال الكولسات و الوتوتات على اعتبار ان الحديث حولها بشكل علني ما زال من الحرمات .
اللواء جبريل الرجوب تحدث بشكل غير مألوف عن القضايا التنظيمية الداخلية او عن القضايا الاستراتيجية و التي تشكل رؤيا متكاملة للوضع الداخلي و الوطني بعيدا عن الشعارات الجوفاء التي سئم ابناء فتح سماعها و التي تتنكر لوجود ازمه داخل الحركة او الاختفاء خلف وهم التآمر على الشرعية و الذي يستخدم كسلاح فتاك لاخراس اي صوت يمكن ان يعبر عن انتقاده او امتعاضه عما آلت اليه اوضاع حركة فتح بشكل خاص و الوضع الفلسطيني بشكل عام.

القنبلة الاولى التي فجرها اللواء جبريل خلال هذه المقابلة هي اعترافه بان هناك ازمة حقيقية تعاني منها حركة فتح و ان هناك فقدان للبوصلة و حالة من التيه السياسي و التنظيمي و ان هناك شعور بالمراره يشعر فيها ابناء حركة فتح سواء كان الرعيل الاول و الثاني او جيل الشباب ، شعور بالمراره ناتج عن تجاهل قيادات الحركة و كوادرها الذين لهم تاريخهم و لهم رصيدهم ، الذين امتشقوا البندقية في معارك الشرف و اولئك الذين امضوا زهرة شباباهم و ربيع عمرهم في سجون الاحتلال، مراره ناتجة عن استجلاب اشخاص ليس لهم اي رصيد نضالي و ليس لهم تاريخ و تقدمهم للصفوف، قيادات كما اسماها، جاءت بالبرشوت و ان هناك تخوف كبير لدى ابناء حركة فتح من استجلاب او تعيين شخصيات على حساب ابناء حركة فتح الاوفياء و المخلصين الذين لهم تاريخهم المعروف في هذه الحركة.

القنبلة الثانية التي فجرها خلال حديثه تتعلق بالجدل حول عقد المؤتمر السابع و الاسباب الحقيقية لتأجيل انعقاده اكثر من مره. حيث تحدث بشكل واضح عن ضرورة عقد المؤتمر السابع لحركة فتح وفقا للنظام و القانون ، و ليس وفقا للاهواء و المزاجيات ، مؤتمر يوحد كل " قبائل فتح " دون استثناء و دون اقصاء احد او فصل احد او فرض احد على الحركة و ابناءها، و في لهجة لا تخلو من التحدي اصر اللواء جبريل على اصرار اللجنة المركزية على عدم قبولها بالتقيد بعدد محدد لاعضاء المؤتمر و التمسك بالنظام و القانون و لوائح الحركة ، خاصة ضرورة مشاركة كل اعضاء لجان الاقاليم المنتخبين و ممثلي المنظمات الشعبية . تحدث عن مؤتمر يجري تقييم شامل ليس فقط لسياسة الحركة و دورها و مواقفها بل ايضا لانظمتها و لوائحها.

القنبلة الثالثة تتعلق حول ضرورة اعادة تقييم شاملة لموقف الحركة السياسي في ظل فشل العملية السياسية و استمرار الاجراءات الاستيطانية، بما في ذلك الدعوة الصريحه و الواضحه لتنفيذ قرارات المجلس المركزي ، خاصة وقف التنسيق الامني و اقتصار العلاقة مع الاحتلال من خلال الشؤون المدنية و في القضايا الانسانية و الخدماتية فقط. وكذلك طالب بأن يكون هناك وضوح في موقف الحركة من الهبه الجماهيريه في ظل الرسائل المتناقضة التي تصل الى قواعد الحركة، وقد يكون مقاطعة ابناء فتح في اقليم رام الله و البيرة لاحتفالات ايقاد الشعلة احتجاجا على منع اجهزة الامن الفلسطينية للشباب الاقتراب من حاجز بيت أيل خير دليل على حجم التناقض و الارباك و التخبط و يعكس الفارق بين الصوره المثالية التي يتحدث فيها البعض و الوضع الحقيقي على الارض .


القنبلة الرابعة التي فجرها اللواء الرجوب تتعلق بالمحاولة الفاشلة لعقد المجلس الوطني و مسرحية استقالة بعض اعضاء اللجنة التنفيذية ، ليس بهدف اعادة تفعيل مؤسسات المنظمة و التي اهمها انتخاب لجنة تنفيذية جديدة تكون قادرة على القيام بواجباتها الوطنية، بل ان كل ما حدث كان هدفه فقط اقصاء امين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه. تحدث بشكل واضح عن رفضه لشطب تاريخ الناس و اقصائهم وفقا لحسابات شخصية و مزاجية، و الاهم من ذلك كله هو الرفض للطريقة التي يتم فيها اتخاذ القرارات بشكل فردي على اعتبار ان "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة".

القنبلة الخامسة التي فجرها اللواء جبريل تتعلق بضرورة اعادة صياغة العلاقة مع حركة حماس على اعتبارها ليس عدو لحركة فتح او عدو للشعب الفلسطيني بل خصم سياسي و جزء من النسيج الوطني الفلسطيني ، و قال يجب ان نحاصرهم باخلاقنا و سلوكنا على الرغم مما ارتكبه البعض من اخطاء و ربما خطايا بحق ابناء فتح. يجب البحث عن القواسم المشتركة و الاتفاق على برنامج وطني يعيد الامل لنا كفلسطينيين و يخلصنا من حالة التيه السياسي و الوطني و الاخلاقي.

في كل الاحوال، ان يتحدث عضو لجنة مركزية بهذه الصراحه و هذا الوضوح و هذه الجرأه و بغض النظر عن حجم الاتفاق او الاختلاف معه هو امر ايجابي و يعطي الامل لابناء حركة الفتح انه ما زال هناك قيادات فتحاوية و اعضاء لجنة مركزية لديهم القدرة و الجُرأه على التعبير عن مواقفهم بهذه الصراحه و هذا الوضوح. حديث قد يعطي الامل بأن هناك فرصة بأن تسترد اللجنة المركزية لحركة فتح دورها في قيادة هذه الحركة و يعطي الامل ان هناك فرصة لاعادة استنهاض هذه الحركة العملاقة واعادة توحيد صفوفها على قاعدة قانون المحبة الذي ألف بين قلوب ابناءها على مدار العقود الماضية.