الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أفرجوا عن إسلام

نشر بتاريخ: 06/01/2016 ( آخر تحديث: 06/01/2016 الساعة: 19:57 )

الكاتب: سناء العاجي

لعل قدرنا أن نستمر في التحسر على انتمائنا لأوطان لا تؤمن بالفكر الحر. كل محاولة للسير في اتجاه يختلف عن ما تقرره ديكتاتورية الجموع تتعرض للقمع العنيف من طرف الأفراد وأحيانا من طرف مؤسسات الدولة نفسها. كل محاولة للتفكير الحر تتعرض لشتى أشكال الإرهاب الفكري: السب والشتم (وذلك أضعف الإيمان)، السجن، التهديد والقتل أحيانا.

الخبر المأساة وصلنا هذه المرة من مصر. إسلام بحيري باحث شاب جريء عنيد لا يخاف الإرهاب الفكري الذي يتعرض له منذ أن قرر أن يعلي صوته ضد التجهيل والتجييش والاستغلال الديني للشعوب وللسياسات.

منذ بضعة أيام، أصدر القضاء المصري ضده حكما بالسجن لمدة سنة وقام بتنفيذه وذلك حتى قبل صدور الحكم النهائي لمحكمة النقض. التهمة: "ازدراء الأديان". تهمة يمكن أن نضع تحتها كل شيء وأن نُقولبها كيفما شئنا. فأنت حين تفكر، حين تناقش، حين تتساءل، حين تبحث وترفض الفكر الأحادي وأنماط التفكير المقولبة… أنت حينها تزدري الأديان. لكنك حين تفتي بنكاح الصغيرات ابتداء من سن السنتين، وبحكم نكاح البهيمة ونكاح الجن، وحين تتحدث عن الفوائد الصحية لبول البعير، وتفتي بتحريم السلام على غير المسلمين وتهنئتهم بأعيادهم، وتمجد قطع الأيادي والرقاب باسم الدين، فأنت حينها لن تخاف لومة لائم. لن تحاكم بتهمة ازدراء الأديان ولا بتشويه الدين ولن يقلقك شخص ولا مؤسسة… إسلام بحيري يسائل العقل وينفض الغبار عن خزعبلات القراءات الدينية المتخلفة. لكننا، حمايةً لعقيدة المسلمين، سنحاكمه ونضعه في السجن بتهمة ازدراء الأديان.

ثم، ألا يتحدث القانون المصري عن "ازدراء الأديان" بصيغة الجمع؟ لماذا إذن لا نحاكم كل من يسبون ويلعنون اليهود والنصارى في مساجدنا وفي قلب الحرم المكي وفي مقرراتنا المدرسية؟ لماذا لا يحاكَم كل هؤلاء الذين يسخرون من معتنقي الديانات الأخرى، السماوية وغيرها، ما لم يكونوا مسلمين؟ لأن ازدراء الأديان قانون يصرف بصيغة الإسلام فقط؟ ألا تستحق باقي الديانات تطبيق نفس القوانين لحمايتها؟ ألا يترجم ذلك موقفنا المنافق من باقي الديانات بين النص القانوني المكتوب والتطبيق الفعلي للقوانين؟

لنكن واضحين: قوانين "ازدراء الأديان" في مصر و"زعزعة عقيدة مسلم" في المغرب وغيرها كثير في دولنا تترجم نوعا من ممارسة الوصاية على المواطنين وعلى علاقتهم بالدين. وهي تشكل أيضا مصادرة حقيقية لكل محاولة تفكير وتجديد. في "زعزعة العقيدة"، نحن نعتبر أن تدين المواطن هش قابل للزعزعة في أية لحظة: بفكرة، بمبادرة، بمقال، إلخ. نمارس الوصاية على المواطن وعلى فكره وتدينه. نصادر حقه في الاختلاف تفكيرا أو تدينا. وفي "ازدراء الأديان"، نحن أولا انتقائيون لأننا لا نتعامل مع كل الأديان بنفس المقاييس، ثم أننا نحاكم كل تساؤل أو قراءة تجديدية تنويرية. نحاكم الفكر الحر بينما نترك كل مساحات الحرية والتعبير لمحاولات التجهيل والترهيب والتكفير ولكل خطابات النكاح والغيبيات والأساطير وللخطابات التي تضر الإنسان في صحته وعقله. نحاكم محاولات التفكير والتجديد لكننا بالمقابل نسمح بالقراءات الظلامية التي تؤسس للعنف وللكبت والتي تسيء للدين بشكل مؤكد، خلافا لقراءات باحثين كإسلام البحيري وسيد القمني ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري وغيرهم.

لكننا قررنا أن نبقي محاكم التفتيش مفتوحة تحاكم الفكر الحر وتمارس الإرهاب الفكري على كل الباحثين والمفكرين وكل من خرج صوته عن القطيع.
هذا ليس كل شيء. الأخطر في كل هذا هو موقف القضاء في مصر (كمثال) وموقف المشرع وموقف الدولة ككل. من المفهوم أن العامة قد لا تتقبل أفكار إسلام بحيري ومن شابهه. من المقبول أن يتم تجييش الكثيرين من طرف أصوات التكفير والعنف باسم الدين. لكن غير المقبول هو أن يقرر القضاء وأن تقرر مؤسسات الدولة التماهي مع رغبات الجموع لإرضاء شعبوية دينية، لأن "الجمهور عايز كده". على الدولة وعلى من يتخذ هده القرارات أن يعي أنه يؤسس لفكر إرهابي داخل المجتمع يعتبر بأن كل من يخالفه الرأي يستحق القتل أو السجن. فكر متطرف غير قابل لأي شكل من أشكال الاختلاف.

علينا أن نعي بأن منطق الجموع، عبر التاريخ، لم يؤد إلا إلى العنف والتطرف. أن تتفق الأغلبية على مفهوم أو خطاب معين لا يعني أنها محقة. عبر التاريخ، كان التقدم يتحقق بفضل محاولات فردية لباحثين وعلماء وفنانين وسياسيين جددوا وخرجوا عن الفكر السائد… الرسل أنفسهم (بمن فيهم رسول الإسلام)، لو لم يخرجوا عن الفكر السائد لمجتمعاتهم، لما كانت هناك اليوم ديانات نخاف ازدراءها أو زعزعتها.

ممارسات وأحكام كهذه التي عرفها إسلام بحيري لا تؤدي إلا إلى ترسيخ التطرف والعنف والإقصاء والتجهيل. ومن هنا بالذات تبدأ الداعشية كفكر… كنمط عيش… حين نمشي على هوى الشارع وعلى هوى فقهاء التكفير والنكاح وبول البعير ونتركهم يتحكمون في العقول وفي كل محاولات التجديد والتنوير. لعلنا قد نندم حين لن ينفع الندم.