نشر بتاريخ: 09/01/2016 ( آخر تحديث: 09/01/2016 الساعة: 14:35 )
الكاتب: عوني المشني
الذي قاله الرئيس في خطابة الأخير كان واضحا ومهما ، لكنه متوقع وفي السياق ، وهذا امر طبيعي ، ولكن الذي لم يقله هو الاهم ، المتميز ، الاستثنائي ، والذي يفترض التوقف عنده كثيرا
لم يقل الرئيس اننا لم نعد نؤمن بسياسة الدفع المسبق ، تقديم قرابين " حسن النية " لإثبات صدق نوايانا اتجاه المحتل الذي يتمادى في الاستيطان والتهويد والقتل . هذه لم تعد سياستنا المعتمدة ، لقد ثبت فشلها وان قيادة اسرائيل تستخدم تلك التنازلان لابتزاز تنازلات اخرى دون ان تتقدم خطوة واحدة اتجاه تسوية سياسية .
لم يقل الرئيس اننا لا نستطيع ولن نقدم على التحلل من التزامات السلطة التي جاءت نتاج اتفاقيات لان التحلل من تلك الالتزامات يعني ببساطة خطوة اخيرة قبل حل السلطة ذاتها ، سنمارس التزاماتنا بحدها الأدنى وبما يحفظ بقاء السلطة ولكننا لن نتطوع في اخذ التزامات إضافية على مسئوليتنا ما دام الاحتلال متواصل والقمع متواصل والاستيطان متواصل ، لهذا فان التوازن ما بين التزاماتنا بما يحفظ بقاء السلطة وردود محسوبة على سياسة الاحتلال هو منهجنا. سنلتزم بما يحفظ بقاء السلطة وبما لا يجعلنا اجراء عند الاحتلال .
لم يقل الرئيس اننا سنبقي الباب مواربا على كل الاحتمالات ، لن نغلقه بالكامل ، لن نفتحه على الغارب ، كل الاحتمالات واردة ولكل فعل رد فعل ، وسنواصل مسيرتنا بما يضمن هذا التوازن وبدون خوف مبالغ فيه او مغامرة غير محسوبة
لم يقل الرئيس ان امريكيا فقدت دورها المتفردة فيه كوسيط ، وان ادخال المجتمع الدولي على اللعبة هو موقفنا الثابت وذلك لوقف سياسة الانفراد بِنَا عبر سياسة المراوحة الامريكية المتحيزة للموقف الاسرائيلي .
لم يقل الرئيس اننا وان كنّا طرفا ضعيفا في معادلة الصراع الا ان ثباتنا على ارضنا والمراهنة على حضورنا هنا سيكون أقوى أسلحتنا ، اننا الان نصف من يسكن على هذه الارض ، ونصف فاعل ، غير مستسلم ، ومتمسك بحقوقه ، وان كانت الطائرات والدبابات الاسرائيلية تهزم دول فإنها لا تهزم شعب يناضل من اجل حريته ، وإذا كانت أزمتنا الانية حادة فان أزمة اسرائيل هي استراتيجية مزمنة .
لم يقل الرئيس ان المقاطعة والمقاومة الشعبية المتنوعة المنضبطة والحراك الدولي والصمود في الوطن ، هذه الأدوات اذا ما تم تفعيلها وتعميقها ستغير ميزان القوى وستفرض الحقوق الفلسطينية وستهزم الاحتلال .
لم يقل الرئيس ان الوقت كعامل أساس في الصراع بدأ يلعب لصالحنا حتى لو تسارع الاستيطان ، الوقت لم يعد عنصر داعم للاسرائيليين ، كل يوم يمر تتعمق أزمة الاحتلال ، يزداد قلقه ، تعود الأسئلة الوجودية من جديد لتطرق مسامعه بقوة، هذا يعني اننا في الطريق الصحيح والمسألة مسألة وقت للوصول الى حقوقنا
لم يقل الرئيس ان اعادة ترتيب الساحة الفلسطينية عملية ضرورية ومهمة ، ترتيبها بما بضمن إستقلالية القرار الوطني وعدم الدخول في المحاور الإقليمية والإبقاء على مركزية قضية فلسطين للجميع ودون ان تتحول تلك القضية الى ورقة في جيب البعض الإقليمي المتصارع
لم يقل الرئيس ان البناء في الوطن والتنمية هي عناصر صمودنا وهي عناصر نصرنا وإذا لم ننجح حتى الان في إقامة دولتنا المستقلة فبتعزيز الصمود والبناء سننجح ، يجب ان نوفر لشعبنا سبل الصمود والتطور والبقاء في الارض
لم يقل الرئيس ان سياسة المزاودة وجر الشعب الفلسطيني لمواجهات غير محسوبة هي مغامرة تخدم الاحتلال المتفوق في موازين القوى والمنفلت من عقاله والذي يمارس القتل دون رادع ، لهذا فان استمرار مواجهة الاحتلال بشروطنا ووفق مصلحتنا وبدون مغامرات ومزايدات هو طريقنا
لم يقل الرئيس ان فتح الطريق للاجيال القادمة لتتسلم الراية هي البوابة الحقيقية لتداول السلطة ، جيلنا استكمل دوره ، ويفترض فتح الافاق امام اجيال جديدة ، الإبقاء على ذات النخب من ذات الجيل في سلم القيادة هو مصادرة لدور الأجيال ويضع المشروع الوطني في أزمة ، لكن يجب تحصين هذا الجيل جيدا اولا وخلق آلية انتقال هادئ ثانيا ، والابتعاد عن منهجية المؤامرة في الانتقال ثالثا ، وعدم الاستقواء بمعادلات خارجية لتحقيق مكاسب من هذا الانتقال
وإذا وضعنا ما قاله الرئيس في سياق يجمع بين ما قيل وما لم يقل لأسباب لا يجهلها الكثيرين فان الخطاب يصبح مهما ، ومهما جدا ، وربما يصبح فلسطينيا " حجة الوداع "