الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

القدس.. أبواب الجهات الست

نشر بتاريخ: 14/01/2016 ( آخر تحديث: 14/01/2016 الساعة: 13:44 )

الكاتب: المتوكل طه

القدس أبوابٌ إلى كلّ الجهاتِ السَّتِ،

نافذتي الأخيرةُ للبهاء،

وللملائكِ يحملونَ العرشَ بالتسبيحِ

فوقَ الماءِ،

لا حدٌّ هنالك بين مَنْ نادى،

ومَنْ سمع النداءْ.

القدسُ أغنيةُ الرخامِ،

من اليبوسيينَ، حتى آخرِ الشهداء،

في الأقصى،

الذين توّردت بهم الخيولُ البيضُ،

وانسابوا على المنديلِ دمعاً،

من ورودِ الأُمّهاتِ،

وضوّعوا شمعَ الكنائسِ ساعةَ الترتيلِ

للأرضِ الحزينةِ والدماءْ.

***

القُدس إنْ سقطت

ستسقطُ كلُ مِئْذَنةٍ وقَصْرٍ.

والممالكُ، في السواحلِ، وحَدَها

مَنْ يملكُ الطرقاتِ والآبارَ والأمرَ السواءَ.

وغيرُها أَمَةٌ وعبدٌ،

والقبائلُ ترفعُ الإذعانَ خوفاً...

والمماليكُ، الذين ، أميرُهم قتَلَ الأميرَ، سيسمعونَ،

وسوف يَدعونَ القتيلَ إلى الحوار، ونبذِ أسبابِ العِداءْ!

هنا تساوى الواقعيونَ القضاةُ العالمِون بكلِّ أحوالِ الشعوبِ ،

القادةُ الأفذاذُ أصحابُ الكياسةِ والسياسةِ،

من أمينٍ أو وزيرٍ أو لواءْ،

فقد تساوى هؤلاء، وفوقَهم مَنْ باعَ أو مَنْ ضاعَ

مع مَنْ صار مسؤولاً بلا إذنٍ، وأصبح ببّغاءْ..

فلتهتفوا للعدلِ،

عاش العدلُ في زمن النِّخاسة والتفاوض والرياء!

***

ويقولُ شيخٌ: أين هُم؟

فأقولُ: مَنْ؟

فيجيبُ: مَنْ باعوا البلادَ

وخلّفونا، ها هنا، في كربلاءْ.

***

والقدسُ مريمُ إذْ تجيءُ بَحَمْلِها،

والكونُ مذبحةُ الجنينِ،

ودمعُ ثاكلةٍ تخبُّ به الخيولُ ..

القدسُ وردةُ قلبِنا المذبوحِ

أندلسُ الحنين،

.. يغيبُ عن جنّاتِها حَبَقُ العزاء.

***

القُدسُ بابلُ قبل أن يأتي إليها السبيُ

أو مِن بَعْدِ أنْ جاء الغريبُ

وحَلَّ فيها سيّداً عبداً،

فَثَمةَ ألفُ لَوْنٍ أو لسانٍ في الطريق،

ولستُ ألمحُ أيَّ وجهٍ لي..

أنا في الطينِ والطيرِ المُحَلَّقِ والنخيلِ وفي الجدارِ وفي الحجارةِ والثمارِ وفي الزجاجِ وفي الرداءِ وفي الهواءِ وفي النداءِ وفي الجرارِ وفي السقوفِ وفي الكفوفِ وفي الجفونِ وفي الصحونِ وفي الدخانْ

أنـَا في الزمانِ وفي المكانْ .. أنـَا تفاصيلِ القناطرِ والمعارجِ، والمساجدِ والمعابِد والمياهِ وفي الجباهِ وفي السرادقِ والشرابِ وفي الكتابِ وفي التوابلِ والسحابِ

وفي الظنونِ وفي السكونِ وفي الحراكِ وفي النيازكِ والسّماكِ

وفي القريبِ وفي المخبّأِ والظهورِ وفي العصورِ وفي المحابرِ والمجامرِ والوجاقْ

أنَا في البراقْ

أنا في القديمِ وفي البدايةِ والنهايةِ والوصايةِ والحكايةِ والروايةِ والكلامِ وفي المنَامِ وفي الزحامِ وفي الصباحِ وفي الظهيرةِ والمساءْ.

والقدسُ أولُ ما سيظهرُ

بعد طوفانِ السفينةِ،

كانت الأُممُ القديمةُ تَعبُد النيرانَ والأصنامَ

أو نجْمَ الظلامِ،

وترتجي مِن وحشها البريِّ وَصْلاً للسلامِ،

لتبلغَ الربَّ المظَلَّلَ بالغمامِ

فكان أنْ رفعتْ يبوسُ صلاتَها

لله خالصةً

على سيفِ الدّعاء.

***

والقدسُ لم تعرفْ رياحَ التيهِ والِعجْلَ المُذَّهَبَ

والوصايا وهي تَحرِقُ أو تُقَلَّعُ أو تُهَدَّم أو تُذَبَّح

أو تبيدُ وتسبيحْ..

الُقدسُ لم تعرف سوى عَسَلِ الرسولِ وشَهْدِ ما قال المسيحْ،

القُدسُ لم تولدْ من الحجرِ الممّوّهِ بالخرافةِ حين كان الجنُّ والنملُ البسيطُ وهدهدُ الإِعْلامِ في التلَّ الفسيحْ،

القُدسُ كان بناؤها بيدِ الملائكةِ الذين أتَوْا إلى الأرضِ الجديدةِ، يومَ آدمُ جاءها، وبنَوْا هنا داراً له من قبل عادٍ أو ثمودٍ، قبلَ إبراهيمَ أو إسحقَ والولدِ الذبيحْ..

القدسُ أوّل ما أقام اللهُ في الدنيا،

وآخرُ ما سيبقى في سماواتِ البهاءْ.

يا أورَ سالمَ

يا قبابَ الوَجْدِ

في قلبي الجريحْ!

ها أنتِ وحْدَكِ

فوقَ جُثَّتِكِ الُممَزَّعةِ الرضيّةِ

بين جدرانِ الغُراب،

ودونَ أُمَّتِكِ الذليلةِ في العراءْ.

فالشكرُ كلُّ الشكرِ للحفّارِ

والحانوتِ والتابوتِ والقُطنِ المنُقّى والغطاءْ،

والشكرُ كلُّ الشكرِ للأُممِ التي حملتْ جنازتَها،

ولم تبخلْ علينا بالرثاءْ،

شُكراً لأُمّتِنا على هذا الغيابِ

وألفُ شكرٍ للسلامِ وللتفاوضِ

والذّهابِ إلى الهَباءْ.