الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في رواية "ذاكرة أنثى"

نشر بتاريخ: 16/01/2016 ( آخر تحديث: 16/01/2016 الساعة: 11:58 )

الكاتب: تحسين يقين

في رواية "ذاكرة أنثى" للكاتبة الفلسطينية الشابة لبنى دبابسة: توازي السرد والوعي في التعبير عن الصدمة العاطفية
 
بعد الانتهاء من الصفحة الأخيرة تساءلت:
- عن ظهور أفكار الكاتبة كثيرا في ثنيات النص.
- وإشكالية النص والمضمون.
- اختيار الكاتبة الشابة لجنس الرواية.


ارتبط توظيف الوعي في القص في الأدب العالمي بفئة الشباب الموصوفين بالمتمردين/ات، حيث ضمنوا سردياتهم آرائهم المغايرة والبديلة، وغاصوا في فكرهم وشعورهم الخاصين، لإيصال رسالة خشيوا من عدم قدرة السرد بحد ذاته على إيصالها، فأضافوا له وعيهم منثورا بين الصفحات.


ربما لذلك تفسير نفسي أو اجتماعي أو تاريخي أو أدبي، حسب السياقات العالمية والقومية، لكن المهم أن هذا التيار الذي اشتهر بتيار الوعي، قد قاد السرد القصصي والروائي، ورغم أنه صبح كلاسيكيا بعض الشيء، إلا أنه ما زال موجودا، ويظهر في العادة لدى الشباب والشابات، ولدى المثقفين والمثقفات المؤدلجين.


لعل الرواية التي بين أيدينا مثال على ذلك، حيث أن "ذاكرة أنثى" أعادتنا لتيار الوعي من جهة، وإلى الوعي الاجتماعي-النسوي بشكل خاص من جهة أخرى. أي أنها وضعت الاصبع على الزر الأدبي والفكري.


في الرواية تظهر-تبوح الكاتبة الروائية بشعور شخصيتها الرئيسية وفكرها تجاه العلاقة ما بين المرأة والرجل باتجاه نقدها، وتحرير المرأة بل وتطهيرها من الرجل واستعباده ماديا ومعنويا بل وذاكرة.


ليس في الرواية غير حدث رئيسي واحد، وهو تصوير لقصة حب رومانسية ربطت طالبة حقوق برجل بدون ملامح اجتماعية، اقتصر على تقديمه رومانسيا فقط، وعابثا بدون أن يظهر العبث ثانيا حين انتقل لفتاة أخرى.


خلال ذلك، تصف الكاتبة الهوى العذريّ، بكلمات جمالية باختيار أماكن وبيئات ملائمة لقصة الحب التي لم تدم سوى لعام واحد، أو بالأحرى لعام دراسي بدأ في أيلول وانتهى بأيار.


خريف وشتاء وربيع، لفصل الحب السريع هذا، أظهرت الكاتبة فيه رومانسية المرأة، وإخلاصها ووفائها، ورد فعلها تجاه تحول المعشوق لأخرى، حيث أوحت بتعثر العلاقة قبل أن تظهر الثانية التي ظهرت لمحا، ولم نقرأ لا الأسباب ولا عن الانتقال العاطفي.


لا اسم للعاشقة إلا الأنثى، التي تتنقل بين الجامعة وقاعات المحاكم حيث التدريب، حيث نراها تدخل عالمين مختلفين، من العالم الرومانسي في الحب إلى العالم الواقعي من صراعات البشر وقضايا المحاكم.


خلال ذلك، تربط قضيتها الرومانسية لتجلد الرجل وتنتقده سلبيا لعدم وفائه، بقضية المرأة بشكل عام، حين تبذر في النص فقرات كثيرة عن الأدوار النمطية للرجل عاطفيا واجتماعيا، فلا اطمئنان للرجال، ولا أمانا لهم.


من النقد العاطفي إلى النقد الاجتماعي، ولعله عناق بينهما على مدار صفحات الرواية، هكذا أدارت الكاتبة لبنى دبابسة وعي بطلة الرواية الفكري والشعوري.
وبشكل عام يمكن أيضا تفسير السرد المحدود وقلة إيراد الأحداث إلى وقوع البطلة تحت تأثير الصدمة النفسية-العاطفية، والتي استنزفت طاقتها الشعورية والفكرية، فراحت من خلال الأجناس الأدبية المتضمنة في النص تعبر عنها، لإيجاد نوع من التوازن النفسي-الفكري.


رغم المكان اللبناني الإشكالي هنا، إلا أن الكاتبة أبدعت في توظيف ساحة النجمة، "رائحة عهد السلطان عبد الحميد الثاني"، بدلالالتها التقليدية التاريخية، والتي ت؟أتي في سياق نقد المجتمع العربي الذكوري والأبوي.


الشكل
لأن المضمون يستدعي شكله، فإن الشكل هنا انسجم مع المضامين العاطفية والفكرية، انفعالا وتأثرا وفكرا، فظهر النص هنا بسرد قليل يقطعه تأملات وتحليلات نفسية عاطفية واجتماعية، من خلال الاعتماد على أكثر من جنس أدبي داخل السردية الروائية.


أي نستطيع أن نقول أن نص الرواية، أو القصة هنا كان نصا مفتوحا أدبيا على مستوى الشكل، ومفتوحا أيضا على مستوى الفكر.


سرد، فرسالة، فنص تقريري، فمونولوج طويل، فحوار، فخطاب للأنثى، فشعر منثور، استئناف السرد، كان ذلك حتى تقريبا أكثر من النصف. ثم لاحظنا تعدد الأجناس الأدبية النصية على النحو: مونولوج، فتحليل، فسرد، فشعر، مكرر 6 مرات على الأقل.


من المهم هنا وربما الإبداعي أيضا، هو الأسلوب المشوق لتتبع الأحداث ليس من خلال فقرات السرد العادي، بل من خلال تلك الأجناس الأدبية المتداخلة والمدمجة داخل النص، فكان السرد من خلال تلك الأشكال بما فيها الشعر أسلوبا جديدا، كأنه تمرد على القص، بدفع القارئ لمتابعة الحدث على مستوى الشعور ومن خلال لغة الشعور نفسها الانفعالية التي تظهر في الشعر والمونولوج والخطاب...فتصاعد المونولوج بدلا من تتابع الأحداث،حيث كنا نشعر بالأحداث بطريق غير مباشر أي من خلال نفسيتها وما تبوح به من مشاعر.


في الشعر على لسان الرجل، تشعر أنه من أنثى، أو هكذا تتوقع أن يرى ويشعر، وشعر منها، يعبر عنها، وخطاب لها وللمغتصبة في إحدى القضايا وللأنثى بشكل عام،في سياق ما بدأت به خطابها قائلة ب" أيتها الأنثى" قبل بضع صفحات.


كل ذلك من نص وفكر مفتوح كان من أجل التعبير عن الحب وعبث الحبيب والأخرى،وما استلزمه من فكر تحليلي نقدي للرجال، وتحليل المرأة الثانية، بل تحليل للمرأة الأولى، من خلال سلطة ذاكرتها عليها، وترفض هي تلك الذاكرة كونها مستلبة، قد سطا عليها الرجل.


ويمكن لنا فعلا أن نحتفل أكثر بهذا الأسلوب الذي يقدم الأحداث من خلال انفعالات الشعر والخطابة والمونولوج لو كان التضمين بشكل أدبي أكثر احترافا، بحيث تظهر الأجناس بشكل إيحائي، لا بشكل مباشر، فليس من الضرورة إيراد قصائد شعرية مثلا، بل كان من الممكن إيراد لغة نثرية شعورية، خصوصا أن القصائد هي من الشعر المنثور.


إشكالية اللغة الواعية والساردة
أما جماليات اللغة هنا فتأتي في سياقين:
- سياق أدب الشباب المحتفلين/ات بانفعالات اللغة والتي تتجلى في الجماليات.
- سياق أدب المرأة الذي يتكئ في الغالب على جماليات اللغة.


لكن الأهم في هذا النص الروائي القصصي المفتوح هو، أنه يتفق مع نظريتي الخاصة التي أزعم فيها أن المضمون القويّ الواضح يخلق لغته القوية الواضحة، وأن من أسباب ركاكة الأسلوب هو مشكلة المضمون نفسه.


في "ذاكرة أنثى" نجد كلا الأمرين، فالفقرات ذات المضمون القوي والواضح والجاد، قد ظهرت لغته بمستوى عال، في حين ظهر عكس ذلك في أجزاء أخرى؛ ولعل هذا التفاوت في اللغة مرده المضمون، وهذا ما أثّر على مبنى النص، فكان من الممكن أن تخفف الكاتبة من هذا التفاوت لو عملت تحريرا أدبيا، بدلا من العجلة في النشر.


وجود هذا التفاوت والأخطاء ستترك النقاد التقليديين يشتبكون معها، بدلا من الغوص في النص وكشف عناصر القوة والإبداع.


الذاكرة
الذاكرة هما أكانت على الحقيقة أم على الرمز، تمثل تاريخ المرأة الذاتي الفردي والموضوعي الجمعي، حيث تتوق البطلة للتخلص منها، والتحرر، وإن انتقدت ترددها وتردد النساء في ذلك.


"تتذكر هي أما هو فينسى"، بمعنى أن الرجل أقل استسلاما لذاكرته وللتاريخ أيضا، كون المسيطر، وكونه أيضا هو من يكتب التاريخ.


وعودا على بدء، فإن ظهور أفكار الكاتبة كثيرا في ثنيات النص، عائد إلى التفسير المنطلق من "استخدام تيار الوعي" خصوصا أن الكاتبة عشرينية، تذكرنا بجيل الشباب الذي أسس عالميا وتاريخيا لهذا التيار.


أما إشكالية النص والمضمون، فإن الكاتبة المنحازة لتداعيات الشعور والفكر قد لجأت إلى النص المفتوح، وإن كان إطاره العام هو إطار رواية، أو القصة الطويلة.
لذلك كان اختيار الكاتبة الشابة لجنس الرواية هو اختيار الشكل الذي يسمح بهكذا تعبير حرّ تعبر فيها عن أفكارها من خلال قصة تسردها حتى ولو كان السرد محدودا.


الوعي
الوعي ثانيا وثالثا، تجلى من خلال تعبير ونقد طالبة الحقوق للرجال، أي للمجتمع اذكوري، انتصارا لقضية المرأة، من خلال الانطلاق من كون المرأة مظلومة عاطفيا إلى كونها مظلومة اجتماعيا.


تحلت البطلة-الشخصية الرئيسية بوعيها بعدم الاستسلام للوهم ونقد استسلام المراة، بل ونقد استسلام المرأة لذاكرتها المستلبة من الرجل.


تنتقد سلطة المجتمع الذكوري من خلال انتخابات نقابة المحامين(تذكرنا بالحالة الفلسطينية في الانتخابات التي لم تحرز فيها المرأة عضوية مجلس النقابة، رغم انه جعلت مسرح الأحداث بيروت إلا أن ذلك يعني المجتمع العربي، ولو اختارت غير بيروت لكان أفضل، كون المرأة في لبنان تاريخيا أفضل من وضعها في البلدان العربية الأخرى).


لذلك فإن الكاتبة باختيار زيارة ففرنسا حيث تقيم والدتها، ربما يكون له دلالات رمزي افتراضا في اللجوء إلى عالم آخر نقيض لعالمها، عالم تتوقع فيه إنصاف المرأة واحترام حقوقها ومشاعرها.


133 صفحة من القطع الصغير
منشورات ليبرتي بوكس-القدس 2015