نشر بتاريخ: 17/01/2016 ( آخر تحديث: 17/01/2016 الساعة: 10:53 )
الكاتب: نافذ غنيم
لفت انتباهي ما قاله أثناء مداخلتهما الرفيق جميل المجدلاوي والأخ فيصل أبو شهلا، أثناء الندوة السياسية التي نظمتها شبيبة حزبنا تحت عنوان " تحت المساءلة " في مناقشة للدراسة التي أعدها الرفيق الباحث شامخ بدرة، حيث قال الأول أن قضية الاعتراف بالخطاء والاعتذار للشعب لم تطرح في سياق جلسات الحوار بالقاهرة وبخاصة في ملف المصالحة المجتمعية، بينما قال الثاني أن هذا الأمر يُطرح لأول مرة، والحقيقة ومن واقع مشاركتي في كافة جلسات الحوار الوطني في القاهرة ممثلا عن حزب الشعب الفلسطيني، ومن واقع متابعاتي للجنة العليا للمصالحة المجتمعية التي اشغل مهمة أمين سرها، أقول.. أن هذه القضية جرى طرحها في بدايات حوارات القاهرة، أثناء مناقشاتنا لملف المصالحة المجتمعية، وكان يفضل البعض ومن بينهم نحن، أن يجرى إقرار واضح بالاعتراف بالاخطاء والاعتذار للشعب الفلسطيني عما حدث أثناء الانقلاب في قطاع غزة من ممارسات دموية شكلت بصمة سوداء في تاريخ شعبنا، وأدخلت النظام السياسي الفلسطيني في منعطف خطير، كما كرست الكثير من الأحقاد وردود الفعل باتجاه الثائر والانتقام، باعتبار أن مثل هذا الاعتراف هو مقدمة لاعتذار صادق النية والتوجه، وهو ضمنيا تأكيد على عدم العودة إلى هذا السلوك المرفوض وطنيا وشعبيا، كما أن الاعتراف بالخطاء يعني تحمل المسئولية المباشرة من قبل الطرف المتسبب بالضر تجاه المتضرر، وهو المسئول عن علاج كل ما نجم من أضرار تسببت على المستويين المعنوي و المادي للضحية، ولان مثل هذا الاعتراف سيشكل مدخل مهما ومريحا سيساعد في علاج القضايا الأكثر سخونة، وبخاصة قضايا القتل .
واذكر انه في بداية الحوارات كان لكل طرف موقفا تبريريا في الدفاع عن ما يقول في هذه القضية، فحركة فتح كانت تنطلق من أنها وأبنائها هم من تعرضوا للضرر المباشر بسبب واقع وتداعيات الانقلاب، فمنهم من قُتل ومنهم من أصيب ومنهم من تضررت منازلهم وممتلكاتهم، وهم في نهاية الأمر ضحية لهذا الحدث، بينما كانت تنطلق حركة حماس من أن ما جرى قد أُجبرت عليه، لا سيما وان السلطة هي من أتت إليها وليس العكس، بينما رفضت حركة فتح تسليمها إياها وفقا لأصول العملية الديمقراطية، وبان الجميع كان مستهدف في الأحداث على قاعدة إما قاتل أو مقتول . وكان واضحا أن حركة حماس لم تكن معنية في وضوح مثل هذا الاعتراف الصريح خشية من تبعات الأمر عليها سياسيا واجتماعيا .
ولم ننجح برغم ما ساد أجواء الحوار من ايجابية في هذا الملف من الاتفاق بوضوح على هذا النص الذي اعتبرناه في حينه بالهام، ومن اجل التوصل إلى حالة من التوافق ذهبنا إلى تفاصيل المعالجات فيما يتعلق بالضحايا وكيفية الانتصار لمظالمهم وإنصافهم وتعويض أهالي من أزهقت أرواحهم، أو من تضرروا على المستوى الجسدي، وكذلك على مستوى الممتلكات بمختلف أنواعها . كما اذكر أن ميثاق الشرف الذي كان احد مخرجات التفاهمات في هذا الملف لم يحمل نصا واضحا في هذا الأمر (الاعتراف)، وإن احتواه ضمنا في جوهر ومضمون نصوصه .
ما أريد توضيحه هنا أيضا، أننا عندما اتفقنا على تصنيف مراحل تطور الأحداث ( الانقلاب )، وهي مرحلة ما قبل اندلاع الأحداث المأساوية، ومرحلة أثناء اندلاعها بواقع الثلاثة أيام الساخنة الأولى، ومرحلة ما بعد ذلك، وأيضا تصنيف المتسبب ما إذا كان قد قام بذلك بناء على قرار تنظيمي او بصورة فردية، فقد جاء في التفاهمات أن الطرف الذي تسبب بالضرر عليه أن يعترف لعائلة من أزهقت روحه بالمسئولية عن ما حدث، على أن يقوم الكل الوطني بتحمل تبعات ذلك، وعلى قاعدة اعتبار كافة الضحايا شهداء، ويعاملون وأسرهم على أساس ذلك .
وبرغم أهمية هذا الأمر، فهناك فرق بين الاعتراف الجزئي والمرتبط بكل حالة عن المسئولية عما حدث، وبين الإقرار الواضح والصريح بالاعتراف بالخطاء عن كل ما جرى جملة وتفصيلا، والاعتذار صراحة للشعب، واتخاذ الخطوات الكفيلة بعدم تكرار ذلك .
اعتقد - وفي كل الأحوال - أن ما تم انجازه في ملف المصالحة المجتمعية من تفاهمات، وكذلك على مستوى ما أعدت له اللجنة العليا للمصالحة المجتمعية فيما يتعلق بالهيكليات وخطتها العامة، أمر في غاية الأهمية، وهو ما زال ينتظر إرادة تنفيذ صادقة، والتي يشكل مدخلها العملي والحقيقي المصالحة السياسية التي ترتبط بها المصالحة المجتمعية ارتباطا وثيقا، انطلاقا من أن طبيعة الأزمة بالأساس سياسي، ولم تكن في يوم من الأيام لا عشائري ولا عائلي، وبان عدم انجاز المصالحة السياسية سيعطل إمكانية التقدم باتجاه انجاز هذا الملف الأعقد والأكثر خطورة على المستويين الاجتماعي والقيمي .