نشر بتاريخ: 17/01/2016 ( آخر تحديث: 17/01/2016 الساعة: 11:51 )
الكاتب: جبريل عودة
الإعلان عن إلقاء القبض على جاسوس يعمل لصالح الإحتلال الصهيوني , في دائرة المفاوضات في منظمة التحرير , والتي يشرفها عليها الدكتور صائب عريقات يحتاج إلى فك شيفرة هذا الإعلان الإستعراضي الذي تبنته المخابرات الفلسطينية , فهل من صالح السلطة الفلسطينية وحركة فتح هذا الإعلان وهي تعيش تدني في مستوى شعبيتها ؟ قد يقول قائل نعم , وهذه جرأة لا تقوى عليها جهات أخرى تخفي أي إختراق للعدو في صفوفها ؟ سيرد آخر لماذا لا نرى هذه الجرأة في الحرب على الفساد الإداري والمالي, والإعلان على اللصوص الكبيرة في مؤسسات السلطة المختلفة ومحاسبتهم ؟, وسيزيد ثالث لماذا لا يتوقف التنسيق الأمني مع الإحتلال وقد أجمع الفلسطينيون على أنه خيانة ؟ , أم أن تسريب وتبادل المعلومات للإحتلال بغطاء رسمي من السلطة لا يعتبر عمالة , بل يصبح عبارة عن أداء واجب وطني ! , وهذا ما عبر عنه أحد أبرز قادة الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة , عندما أجاب حول إتهام جهازه بنقل المعلومات عن المقاومة للإحتلال , بأنه كان يدير جهاز الأمن بتعليمات مع الرئيس الراحل ياسر عرفات , وبأن الأخير يعرف تفاصيل عمله الدقيقة وخاصة في يتعلق بالعلاقة مع الإحتلال الصهيوني .
هذا الجاسوس وفقا لرواية جهاز المخابرات ,قد سرب كثير من الملفات الخاصة بدائرة المفاوضات للإحتلال الصهيوني, وهذا يكشف لنا جدية المحتل في مفاوضاته مع السلطة الفلسطينية, وكيف يستعد لتلك المفاوضات وينشر الجواسيس لمتابعة أفكار وخطط المفاوض الفلسطيني , وهنا أستذكر قول أحد القادة الصهاينة للإعلام العبري وهو من الذين شاركوا في مفاوضات أوسلوا , قائلاً لقد تجهزنا للمفاوضات بشكل جيد جدا , وجلبنا كل أسلحتنا التفاوضية, لأننا ذاهبون للقاء وفد يمثل منظمة مقاتلة , كانت تقاتلنا بشدة في الميدان , وسنرى هذه الشدة والعنف على طاولة المفاوضات , الا أننا تفاجأنا بالوفد الفلسطيني لا يملك شيء وأجابونا ماذا عندكم! , ومع كل هذا يضع الإحتلال جاسوس يتابع له دائرة المفاوضات منذ عشرون عاماً , لأنه ببساطة ينظر للفلسطيني مهما كان لونه السياسي على أنه عدو لمشروعه الإستيطاني في فلسطين , لذا يتوجب عليه معرفة كل تفاصيل خطط المفاوض الفلسطيني ونهايات تفكيره , بالرغم من طحالة الطموح التفاوضي الفلسطيني ولغة الإستجداء التي تغلب عليه .
ليست المرة الأولى التي يقدم عليها الإحتلال بزرع جواسيس في مؤسسات المنظمة أو مؤسسات السلطة بعد ذلك , حيث تذكر صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية في تقرير لها في نوفمبر 2013م أن رئيس الموساد آنذاك شبتاي شفيط في شهر مايو 1993 قال " لقد نجحنا في إدخال جهاز إلى قلب هدف مركزي وحتى إلى مكتب رقم 2 من الهدف, وبفضل تلك العملية التي تحدث عنها شافيط تدفقت بعد عدة ساعات إلى (إسرائيل) معلومات استخبارية مستقاة من أجهزة تنصت ذكية كانت مزروعة في مقر محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية حاليا ونائب الرئيس عرفات في تلك الفترة".
ومضت الصحيفة تقول:" لقد كانت فترة حساسة ثلاثة شهور قبل إبرام اتفاق أوسلو عندما كانت المفاوضات سرية وحتى أن الموساد لم يكن يعلم بأمر المفاوضات، وتلك المعلومات التي حصل عليها الموساد عبر جهاز التنصت منحتهم إطلالة على معلومات ثمينة حول العلاقات المشحونة في قيادة منظمة التحرير بما في ذلك العلاقات بين أبو مازن وعرفات".
وهذا يكشف مدى إصرار الإحتلال الصهيوني وحرصه على التجسس على خصمه وعدوه , وهذا أمر منطقي وطبيعي يمارسه الإحتلال ليحافظ على بقائه وإستمرار إحتلاله , الا أن المؤسف أن قيادة السلطة والمنظمة وحركة فتح لا تتعامل في علاقتها مع الإحتلال من البعد الوطني والذي يتطلب الإلتزام بمعايير تنظم وتضبط العلاقة مع الإحتلال , دون إزاحة الحواجز النفسية التي يجب أن تبقى قائمة لذا المسؤولين أصحاب العلاقة المباشرة مع الإحتلال في عملية التفاوض أو إدارة الشأن اليومي الحياتي في مناطق السلطة , الا أن السلطة لم تراعي أي شئ من ذلك وقد إنطلت عليها أكذوبة السلام والتعايش مع الصهاينة , ويكشف ذلك سلوكها واندفاعها نحو التطبيع مع الإحتلال وإخلاصها بتنفيذ إلتزاماتها الأمنية , والتي توفر الأمن للكيان الصهيوني وتقمع في سبيل ذلك كل محاولة للمقاومة , والسلطة من حيث تدري أو لا تدري قد كسرت كل أدواتها النضالية وإكتفت بالمفاوضات العبثية , الا أن الإحتلال مع كل ذلك لم ينام وبقيت عيونه الأمنية مفتوحة بكافة إتجاه الرؤية حتي يضمن أمنه ويحفظ كيانه , ولعل هذه الحالة قد جعلت من هكذا خبر لا يشكل صدمة للجمهور الفلسطيني , والذي يرى ويسمع عن اللقاءات المباشرة بين قادة السلطة السياسيين والأمنيين مع نظرائهم الصهاينة , في ظل نزيف الدماء الفلسطينية اليومية على حواجز الإحتلال الصهيوني , وكما يسمع عن تقارير تفيد بتزايد وتيرة التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والصهيونية .
الا أن هذا الإعلان يحمل في طياته مسببات أخرى لا يمكن إغفالها , وهي غير ذات صلة بالعلاقة مع الإحتلال الصهيوني, حيث إشتداد الصراع داخل أطر حركة فتح , بعد أن طفت على السطح مسألة خلاف الرئيس محمود عباس , وإحتدام الصدام مع الجيوب المؤيدة للنائب محمد دحلان في فتح, والضغط الإقليمي على الرئيس عباس بضرورة المصالحة من دحلان , في إطار ترتيب البيت الفتحاوي مما يسهل عملية الإنتقال السلس للسلطة بعد غياب الرئيس عباس بأي صورة من صور الغياب عن المشهد الفلسطيني الرسمي , وعلى ما يبدو أن مراكز القوى داخل حركة فتح ويساندها في ذلك الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة قد إختارت مرشحها لخلافة الرئيس محمود عباس , وفي سبيل إفساح الطريق له تسعى للإطاحة بأي شخصية تشكل عائق في طريق مرشحها , ولحظة العاثر كان صائب عريقات الشخصية الأولى التي تمت إزاحتها بعد هذا الإعلان المخابراتي , - علماً بأن إسمه تم تداوله كأحد المرشحين لخلافة الرئيس - , حيث أن مكان الجرم المدان يقع تحت صلاحيات عريقات , وأن الجاسوس إستمر لفترة عشرون عاماً قضاها في دائرة التفاوض دون الإمساك به أو الشك فيه وهذا الأمر بمثابة تعريض وذم في أداء عريقات نفسه .
الأيام القادمة ستحمل لنا أسماء جديدة ستسقط من سباق خلافة الرئيس عباس , عبر كشف قضايا تمس نزاهتهم وسمعتهم أمام الشارع الفلسطيني , وقواعد حركة فتح للرمي بهم خارج مضمار السباق على الرئاسات الثلاثة حركة فتح والسلطة والمنظمة !! .