نشر بتاريخ: 17/01/2016 ( آخر تحديث: 17/01/2016 الساعة: 13:21 )
الكاتب: عطا الله شاهين
يغضبُ ذاك الفلّاح المُسن في كُلِّ صباح حينما يمرُّ عبر طريق جبليٍّ وعرٍ ويرى أمام عينيه الغائرتين مساحاتٍ واسعة من أراضٍ مُهملة وغير مزروعة وغير مُعمّرة، ويتساءلُ في ذاته لماذا أصحابها يتركوها هكذا بلا تعميرٍ أو عناية؟ ينظر إلى تلك الأراضي ويتحسّر، ويستمرُّ في سيْرِه وهو يلهثُ من شدة التعب، ويتمنَّى ٍ بأنْ يمرّ ذات يوم ويجد تلك الأراضي مُعمَّرة .. فهذه الأراضي تسرق يوما بعد يوم من قطعان المستوطنين.
يخطو ذاك الفلاح المُسن بخطواته البطيئة ويتمتمُ في ذاته والعرق يتصبَّبُ مِنْ جبينه بكلماتٍ غير مفهومةٍ عنْ سبب ترك الناس لأراضيهم، ويقول : لقد أصبحتْ أراضينا عُرضةً للسّرقةِ والنهب مِنَ المُستوطنين لأننا لا نعتني بها.
وحينما يصلَ ذاك الفلّاح إلى أرضَه، يبتسم كعادته بابتسامته العريضة، ويقولُ: لو أنَّني تركتُ أرضي بلا عناية وبلا تعمير وبلا تسييجٍ لكانت قد سرقتْ وصُودرت.
وحينما يقترب من سلسلةٍ مِنَ الحجارةِ، يجلس هناك لكيْ يأخذ قسطاً من الرَّاحة، قبل أنْ يبدأَ بعزقِ الأرض بفأسه، كما اعتاد في كل يومٍ، ويتنهد بعدما يقوم بلفّ سيجارته ويقول: يا حسرة كُنّا زمان نزرعُ بلا كَلَلٍ، ونأكلُ مِنْ تعبنا، أمَّا جيل اليوم لا يُحِبُّ التَّعبَ ويريد كل شيء جاهز..
يتعالى دخانَ سيجارته في الهواء ويتمتمُ في ذاته والحزن جليٌّ في عينيه : المُواطنون على ما يبدو تركوا أرضَهم، وراحوا يركضون وراء الوظائف السَّهلة، مع أنَّني كُلما رأيتُ الشباب أقوم بحثّهم على عشقِ الأرض وأنْ يهتموا بها وبزراعتها، ولكن على ما أرى دون جدوى.
وبعدما يقوم بتقْشيشِ الأرض من الأشواكِ يقول: ها أنا قد ارتويتُ مِنْ عشق الأرض، وتشبثتُ بها، حينما كنتُ ولداً صغيراً، لأنَّ والدَي عوّدني على حُبِّ الأرض، والتمسّك بها، وألا نفرّط فيها.. فها أنا أغضبُ كل حينٍ، لأنَّ أراضينا تسرق أمام أعيننا من قطعان المستوطنين، فلماذا لا نحافظ على أراضينا؟ وعند ساعة الظّهيرة يحملُ ذاك الفلّاح فأسه ويذهبُ إلى بيته مهموما..