الجمعة: 22/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قطاع غزة المحاصر.. و"العشق التركي الممنوع"

نشر بتاريخ: 18/01/2016 ( آخر تحديث: 18/01/2016 الساعة: 21:53 )

بقلم: راتب عمرو

لا أدري لماذا مرت الشروط التي إشترطتها "تركيا " لأتمام المصالحة مع إسرائيل في أعقاب أحداث سفينة "مرمره "عن المشهد الفلسطيني والعربي مرور الكرام، دون أن يحظى هذا الموقف التركي الرائع بما يستحقه من التقدير والأهتمام ، ليس في مضمونه ومحتواه فحسب بل في هذا الموقف المشرف الذي من المُفترض أن يلقى الأعتراف بالجميل من قبل العرب عامة والقيادة الفلسطينية بشكل خاص.

ولعل من أبرز ما جاء في الشروط التركية أنها ربطت بين المصالحة مع الدولة العبرية وبين إصرار" تركيا " للحصول على موطئ قدم في قطاع غزة، وانهاء الحصار البحري على القطاع، من خلال فتح ممر بحري يصل القطاع بالعالم الخارجي كشروط مسبقة لأعادة العلاقة بينهما ، الأمر الذي سينهي سياسة الأغلاق البحري والبري التي تمارسها إسرائيل ، وسياسة الأغلاق البري التي تمارسها الدولة المصريه ، وتحديدا معبر" رفح " الذي لم يُفتح طيلة العام المنصرم إلا 19 يوماً فقط .
ولما كان هذا " العشق التركي " الذي ترفضه القيادة الأسرائيلية بإعتباره كما تدّعي يُخل بالأمن الأسرائيلي ، ويُلحق الضرر بالعلاقة الأسرائيلية مع الدولة المصريه، كما رفضته القيادة الفلسطينية التي ترى في هذا المطلب التركي تعزيزاً للأنقسام الحاصل بين حركتي " فتح " و "حماس " ، ومقدمة لأقامة كيان منفصل عن الضفة الغربية المحتله ، وربما عن الدولة الفلسطينية المنتظره ، في حين أن قيادة " حماس " أعلنت أنها لن تقبل بإقامة كيان منفصل حتى لو تم تحرير فلسطين بالكامل .
وفي ظل الأنشغال الفلسطيني الرسمي في إمور أبعد ما تكون عن المصالحه ، وإنشغال العرب في قضايا أبعدتهم كثيراً عن الشأن الفلسطيني ، حيث لم تعد القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى ولا حتى القضية الأخيره ، وفي أعقاب فشل الأدارة الأميركية في التوصل الى اي أمل حتى في جمع أطراف الصراع على مائدة واحده - أو أنها لا تريد ذلك -، وفي ظل الصمت الفلسطيني الرسمي والعربي والدولي على المعاناة التي يعيشها أبناء القطاع ، بسبب التردي غير المسبوق في الحالة العربية الدولية ، وبسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل والدولة المصرية سواء بسواء .
فنحن أمام محاولة من قبل " حماس " لرفع الحصار عن القطاع باللجوء الى تركيا الغيورة على أهلنا هناك ، وأمام خوف فلسطيني رسمي من إنسلاخ هذا القطاع ، على الرغم من أن عملية الأنسلاخ الجغرافي حاصلة لا محاله . وأمام موقف إسرائيلي يُصر على عدم رفع الحصار لأسباب أمنيه ، ولحسابات سياسية تتمثل في تأييد الموقف المصري الرسمي المتمثل في إذلال سكان القطاع لأسباب تتعلق بتصفية حسابات مع حركة " حماس " ، وأمام واقع مأساوي لأهلنا هناك بسبب الضربات الأسرائيلية القاتلة التي تعرضوا لها خلال السنوات الماضيه .

والسؤال الذي يراودني وأنا أكتب هذه السطور : أليس من مصلحة كل من له علاقة بالأمر وأخص بالذكر هنا القيادتين المصرية والأسرائيلية أن تُلقي بهذا الخوف غير المبرر على أمنهما في الحضن التركي ، الذي سيضمن بالتأكيد مصالح إسرائيل ومصالح مصر الأمنية والأستراتيجية على المدى البعيد؟ ، ولا أظن أن تركيا لديها أية أطماع سياسية أو أمنية تسعى من وراء هذه "الوصاية عن بُعد" الى أية أهداف أو مصالح على المدى القريب او البعيد .
فلسطينياً، فأن القيادة الفلسطينية رفضت تلك الشروط التركية أو لنقل بأنها تجاهلتها ، خاصة وأن الأتراك هم من تجاهل القيادة الفلسطينية من خلال فتح قنوات إتصال مباشرة مع " حماس " ، لكن القيادة الفلسطينية تعلم بتلك الشروط وسعت الى إجهاظها قبل أن ترى النور .
صحيح أن القرار بقبول هذا العرض التركي أو عدمه ليس في يد القيادة الفلسطينية ، حيث أن إسرائيل هي صاحبة العلاقة وهي من يُقرر القبول أو الرفض ، لكن غير صحيح أن تسوق القيادة الفلسطينية الأسباب والمبررات غير المُقنعة ، وتتعامل مع هذا الموقف التركي بإعتباره يتعارض مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني ، وكان الأجدى والأجدر أن تلتقط هذا الموقف وتستثمره وتتعامل معه بإعتباره عرضا للقيادة الفلسطينية وشأناً فلسطينياً رسمياً ، وأن تتحرك عربياً ودولياً للضغط على إسرائيل ومصر لأتمام هذه الصفقة ، خاصة وأن من مصلحة القيادة الفلسطينية أن تستقر الأوضاع في القطاع ، من خلال فتح المعابر وفتح ممر بحري يتصل من خلاله القطاع بالعالم الخارجي ، ويكون ممرا بحريا للدولة الفلسطينية العتيدة التي تسعى لها ، دون أن يتم ربط ذلك بما يُسمى بتعزيز الأنقسام ، لأن هذا الأمر وفي حال تم تنفيذه على الواقع من قبل تركيا فإنه لن يصب أبداً إلا في صالح تعزيز الوحدة الفلسطينية ، هذا إذا ما إفترضنا أن ذلك هو سبب الخوف الفلسطيني الرسمي غير المبرر ، في حين أن الأغلاق والقهر والحصار هي في الأصل من يعزز هذا الأنقسام وليس العكس .

ثم أن القيادة الفلسطينية تسعى منذ أن كان الأنقسام الى إضعاف حركة " حماس " وسحب ورقة القطاع منها ، فلماذا لا تبادر الى التنسيق مع" تركيا " لأتمام هذه الصفقة ؟ ، لأن إتمامها سيحقق أهداف القيادة الفلسطينية وطموحاتها في القطاع، وسيؤدي بالتأكيد الى تعزيز وضع السلطة الفلسطينية هناك ، خاصة وأن " تركيا " كعضو في حلف " الناتو " وكدولة تحترم نفسها وإتفاقياتها الدولية لن تقبل بأية أعمال من شأنها أن تُخل بالأمن الأسرائيلي أو المصري ، وستكون بالتأكيد مع الشرعية الفلسطينية كائنة من كانت ، آللهم في حال عملت القيادة التركية بالتنسيق مع الأدارة الأميركية لأحياء مخططها القديم لتكون هذه الوصاية مقدمة لتركيب مسمى الدولة الفلسطينية على قطاع غزه وتوسيع حدودها داخل " سيناء " لتكون وطناً للفلسطينيين في بعض دول الشتات ، لأنهاء ما يُسمى بحق العودة وإسترضاء الفلسطينيين من خلال تحقيق حُلم الدولة ، ولا أظن أن تركيا تقبل أن تكون طرفاً في ذلك ، كم أنني لا أظن أن " حماس "هي أحد أطراف هذا المخطط أو أنها جزء منه .

وصحيح أيضاً أن كلا الفصيلين المتنازعين هما من يتحمل مسؤولية ما حدث من إنقسام ، أو ما هو قائم من خلافات منذ عدة سنوات ، فكلاهما أخطأ ليس فقط بحق الفصيل الأخر بل بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ،عندما طغت المصالح الفصائلية على المصالح العليا للشعب والقضية والمصير الفلسطيني برمته ، وأصبح الأنقسام وأصبحت الخلافات بين الفصيليين هي الشغل الشاغل والشماعة التي يتم تعليق الفشل الفلسطيني عليها .
لكن غير صحيح أن القضية الفلسطينية والأستقلال الفلسطيني سيتحقق في حال إنتهى الأنقسام وعادت الأمور الى مجاريها ، وهذا مع الأسف لن يتحقق لا في المدى القريب ولا البعيد ، بعد أن وصلت حالة العداء بينهما في أكثر من مشهد وأكثر من موقف الى مرحلة " كسر العظم " ، وبدى المشهد الداخلي الفلسطيني بأنه بركان ينتظر لحظة الأنفجار ، ولعل ما يُشاع فلسطيناً عن رغبة الرئيس " عباس " بالأستقالة ، أو عن مرضه أو غيابه عن الساحة السياسية لأي سبب سيضع المشهد الفلسطيني أمام حالة من التوتر والقلق ، وسيفتح باب الصراع على السلطة من جديد وتحديدا بين الفصيلين المتنافسين ، خاصة فيما يتعلق بمن هو الوريث الشرعي للرئيس ، لأن هذا الأمر ليس بالبساطة والسهولة التي يتخيلها البعض ، - هذا إذا ما إفترضنا أن البديل ليس معروفاً بعد - ، وفي حال بدأ الصراع على السلطة لا قدّر الله ، فإننا سندخل في وضع فلسطيني أكثر صعوبة وأكثر خطورة مما يتوقع الجميع .
وصحيح كذلك بأن الجهود التي تبذلها حركة " حماس " مع الدولة التركية بعد أن أُغلقت في طريقها كل الأبواب الدولية في محاولة منها لأنقاذ القطاع ، تمت وتتم دون التنسيق مع القيادة الفلسطينية ، حيث تتهم القيادة بإنشغالها في قضايا جانبية ، وبعدم رغبتها في إنهاء الحصار، لكن غير صحيح أن نُعفي " حماس " من مسؤوليتها لما حدث ، كما أننا لا نُعفي القيادة الفلسطينية تجاه الأوضاع المأساوية في القطاع ونقنع أنفسنا بأسباب من أبرزها الأنقسام . لهذا فإني أقول أنه قد آن الأوان بل تأخر كثيراً لتنازل كلا الطرفين كثيراً ، والنزول عن الشجرة وإنهاء الأنقسام والتنسيق معاً ومع الدولة التركيه لفك الحصاروإنهاء معاناة أهلنا وأحبتنا هناك ، خدمة لفلسطين ولشعب فلسطين ، الذي يقدم في كل يوم الشهيد تلو الشهيد ونحن أبعد ما نكون عن الشعب ، وعن القضية التي أصبحت في مهب الريح ونحن أقرب ما نكون الى ما يُسمى " بالأخوة الأعداء " .