نشر بتاريخ: 19/01/2016 ( آخر تحديث: 19/01/2016 الساعة: 15:19 )
الكاتب: زهير الشاعر
من المعروف أن الهنود بطبعهم يعتزون بدولتهم المتعددة الثقافات والديانات التي تمثل مهد حضارة وادي السند ومنطقة طريق التجارة التاريخية والعديد من الإمبراطوريات، لذلك تأتي أهمية العلاقات مع الهند لدول العالم من الأولويات ، ومن لا يجيد فهم هذا الواقع وأهمية تطوير العلاقات السياسية والإقتصادية وفي شتى المجالات الأخرى معها والعمل على تمتينها سيخسر دفئها حتى لو كانت اللقاءات ترتسم بإبتسامات دافئة حيث أنها جزء لا يتجزأ من ثقافتهم السياسية والدبلوماسية.
خلال زيارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة، إلتقت وزيرة الخارجية الهندية سوشما سوراج بالأمس بالرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث تطرق الحوار إلى أهمية عقد مؤتمر دولي للسلام والذي من الواضح أنه يواجه صعوبات لعقده في ظل الظروف الإقليمية والدولية القائمة، كما تم الإتفاق على تشكيل لجنة وزارية مشتركة للمساعدة في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في فلسطين، وهذا موقف جيد إعتادت الهند كدولة صديقة تاريخياً على الإهتمام به والحفاظ عليه من خلال تقديم الدعم الفني والمالي والتعليمي حيث قامت بتقديم قطعة أرض ومنحة بقيمة عشرة مليون دولار تم إستخدامها في بناء مبنى سفارة دولة فلسطين في الحي الدبلوماسي في العاصمة الهندية نيودلهي في منطقة تشناكيا بوري ، ولكن كما هو معروف بأنه منذ خسارة حزب المؤتمر في الإنتخابات الأخيرة في عام 2014 والتي أتت بالحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" الذي تغيرت مواقفه عن سياسة الهند التقليدية إتجاه القضية الفلسطينية ،حيث كان ذلك واضحاً بأن السياسة الهندية بدأت بالتغير حين إمتنعت الهند في إحدى هيئات الأمم المتحدة في يوليو 2015 عن التصويت بشأن قرار حول فلسطين للمرة الأولى منذ إستقلالها، حيث كان هذا موقفاً مغايراً تماماً لمواقف هندية تاريخية وذلك بالمقارنة مع موقف أخر مماثل قبل عام من وصول هذا الحزب إلى الحكم حيث قامت نيودلهي بالتصويت لصالح قرار في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ينتقد إسرائيل لحربها الأخيرة على غزة.
يعتبر موقف الهند الجديد مستغرباً للبعض الغير مطلع على سير تطور العلاقات الهندية الإسرائيلية حيث أن امتناع الهند عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان في يوليو 2015 لصالح فلسطين يظهر بوضوح تحولاً طبيعياً في السياسة الخارجية لحكومة زعيم الحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" ناريندرا مودي الذي يبلغ من العمر (64 عاما) والذي تربطه علاقة دافئة ومتميزة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما يعطي ذلك إشارة بوضوح إلى بداية ضعف في دعم الهند الطويل لشعب فلسطين الذي لازال يعيش تحت الإحتلال، وقد خلق قرار نيودلهي هذا بالامتناع عن التصويت صدمة مفاجئة من تغير في المبادئ الأساسية لسياسة الهند الخارجية ، فالهند، منذ استقلالها، أعدت نفسها كدولة كرست جهودها لإنهاء الاستعمار والدفاع عن قضايا الشعوب المحتلة ، ولكن الأمر الأن يبدو أنه قد تغير حيث أن المصالح قد غلبت المبادئ في اللعبة السياسية الدولية الحالية في سياق المنطق القائم سواء كان سوياً أو أعوجاً، لتبدأ رحلة السياسة الهندية الخارجية الجديدة بثوبها الجديد في سياق علاقات تحالف متينة بين هذا الحزب الحاكم منذ أن كان في المعارضة وإسرائيل التي عملت بكل قوة لحشد النفوذ في المنطقة وقد نجحت في ذلك أمام ترهل العمل الدبلوماسي الفلسطيني من جهة ومن جهة أخرى غموض موقف وزارة الخارجية الفلسطينية التي لاحظت هذا الضعف وعملت على ترسيخه وتكريسه!.
هنا لابد من الإشارة بالرغم من الإنطباع العام إلى أنه لطالما حاول صناع السياسة الخارجية في الهند تحقيق توازن بين العلاقات مع إسرائيل وفلسطين، وغالباً ما كانوا يحاولون فصل سياسة الهند مع إسرائيل عن النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، لكن يبدو أن الفلسطينين الذين كانوا دائماً يقدرون موقف الهند المبدئي في دعم قضيتهم من تأكيدات الحكومات الهندية المتعاقبة للفلسطينيين بأن العلاقات معهم لن تتأثر بالعلاقات بين إسرائيل والهند، بدأوا يدركون بأن الهند تحت حكم ناريندرا مودي تتحرك عكس هذه القيم والمبادئ ، وهذا كان متوقعاً تماماً لأي مراقب لديه بصيرة يستطيع أن يقرأ تطور علاقات الهند مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني مع الأخذ بعين الإعتبار لتوجهها لإعتماد مبدأ السياسة التي تحكمها لعبة المصالح، حيث أن الهند تعتبر دولة كبيرة وهي دولة قوية ونووية ولها مصالحها ونفوذها وتطلعاتها حيث أنها ومنذ فترة طويلة تتطلع لأن تحصل على مقعد دائم في مجلس الأمن بالتالي فإن مصلحتها بالتأكيد تصب عند الحلفاء الأقوياء الذين ينسجمون في مصالحهم من خلال التحالف مع دولة الإحتلال التي أتقنت نسج العلاقات مع الجانب الهندي الحاكم على حساب العلاقة مع الجانب الفلسطيني الضعيف والأسير للمشاكل الداخلية المترتبة عن الإنقسام وغيرها من عوامل عدم الإستقرار، لذلك من الواضح أن الفلسطينين سيكتفون بما يقدم لهم من مساعدات فنية وتعليمية وتنموية بدون أي ضمانات للحفاظ على موقف الهند التاريخي السياسي الذي يتمثل في أنها كانت دائماً تضع القضية الفلسطينية في اعتبارها كدولة رئيسية من دول عدم الإنحياز أعدت نفسها منذ إستقلالها كدولة تكرس جهودها من أجل إنهاء الاستعمار والدفاع عن قضايا الشعوب المحتلة.
أخيراً ، السؤال هو ، هل تم التطرق في هذا اللقاء للتغيير الواضح في المواقف الهندية التي إعتمدها الحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" بقيادة ناريندرا مودي في سياسته الخارجية ، أم أن الساري الهندي جذاب ومغري ليجعل الإبتسامات الجميلة تعبر عن ذلك التوافق المرجو حول ضرورة الحفاظ على المواقف الهندية التاريخية وهذا يكفي؟!.