الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاسير الصحفي محمد القيق.... كاتم صوت في فم الحقيقة

نشر بتاريخ: 24/01/2016 ( آخر تحديث: 24/01/2016 الساعة: 12:03 )

الكاتب: عيسى قراقع

من يترك الاسير الصحفي محمد القيق المضرب عن الطعام منذ اكثر من 60 يوما دون ان يلتفت اليه، او يبحث عن اسباب اضرابه ومطالبه ، يكون قد حكم عليه بالموت، ويكون القتل هنا اشدّ وحشة وقسوة من عدة جوانب : الاول يتمثل باعتقاله الاداري دون تهمة ومحاكمة عادلة، والثاني يتمثل في اللامبالاة بصحته وحياته وتشريع هذا الاستهتار من خلال تثبيت اعتقاله الاداري لمدة 6 شهور تحت حجة وجود معلومات استخبارية سرية، والثالث يتمثل في تهديده وانتهاك انسانيته باستخدام التغذية القسرية الاجبارية بحقه لكسر ارادته واضرابه، واستغلال ضعفه الصحي بتكبيله وإدخال السوائل الى جسده عن طريق الوريد.

وما لم تعلنه حكومة الاحتلال الاسرائيلي هو انها اعتقلت صحفيا مارس مهنته بصدق وجرأة، ورصد ممارسات الاحتلال التعسفية والمستمرة على ارض فلسطين، فكان صوتا وصورة مزعجة لدولة اسرائيل عندما وضعها الصحفي محمد القيق امام المرآة لترى نفسها على حقيقتها، دولة بشعة تمارس الجريمة المنظمة بلا رحمة وبلا اي اعتبار اخلاقي وإنساني بحق الشعب الفلسطيني.

كاتم صوت في فم الحققية باعتقال الصحفي محمد القيق، وكاتم صوت في وجه القضاء والعدالة الانسانية، وكاتم صوت في وجه كل القرارات والمواثيق والشرائع الدولية التي حظرت الاعتقال التعسفي وسلب الحرية.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق، حتى لا يتكلم ولا يكتب ولا ينشر ولايتحرك، زجوه في الزنازين و العزل ، وأغلقوا عليه الجدران والابواب، اغلقوا عيون الكاميرا وعينيه، مزقوا الاوراق وصادروا الاجهزة، هناك جرائم يرتكبها جنود وضباط الاحتلال، هناك دولة تدعي الديمقراطية، وعلى ارض الواقع تمارس الدكتاتورية وارهاب الدولة الرسمي.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق، هجموا عليه، عذبوه في أقبية تحقيق معتقل الجلمة، هددوه بالاغتصاب وبالاعتقال الطويل، أرادوا ان يكسروا روحه واصابعه وقلمه ويخنقوا صوته وكلامه، وتهمته الوحيدة ان صوته وكلماته وصلت بعيدا، مزقت الستارة عن دولة المستوطنين والمتطرفين، عن جرائم القتل والاعدام التعسفي والميداني على الحواجز العسكرية، عن اعتداء منظمات الارهاب اليهودية على الناس والممتلكات والحقول قتلا وتخريبا وحرقا وخطفا، وتحت حماية ورعاية المؤسسة الرسمية في اسرائيل.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق، لأنه نشر صور الشهداء الذين قتلوا دون سبب، وصور القناصة الاسرائيليين المقنعين على حواجز عتصيون وبيت عينون وحوارة والجلمة، ينفذون بسرعة التعليمات الرسمية باستخدام القتل بدل الاعتقال، القتل لمجرد الاشتباه، ولأنه نشر صور المستعربين الذين اقتحموا المستشفى الاهلي بالخليل، اعدموا عبد الله الشلالدة، واختطفوا الجريح المصاب عزام الشلالدة، ولأنه نشر صور جرحى ظلوا ينزفون حتى الموت دون اسعاف، صورة هديل الهشلمون وعشر رصاصات في جسدها لأنها لم تخلع الحجاب.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق ، لأنه اعلن ان اطفال فلسطين هم المستهدفون على يد قوات الاحتلال، يستبيحون دمهم ويشنون حملات غير مسبوقة في اعتقالهم وتعذيبهم، ولأنه طالب الامين العام للامم المتحدة بإدراج دولة اسرائيل المحتلة على قائمة العار كجهة تنتهك حقوق الاطفال القاصرين ، ولأنه دعى الى الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني ، وفتح ابواب السجون، والتحقيق في عمليات القتل وتشريع القوانين العنصرية، ومحاكمة مجرمي الحرب على جرائمهم المستمرة.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق، حتى يكملوا حربهم وعدوانهم على الصحفيين والاعلاميين ووسائل الاعلام، من اقتحام مؤسسات اعلامية ، ومصادرة معدات صحفية، واغلاق واختراق بث محطات اذاعية وتلفزيونية ، وكان عام 2015 هو الاسوأ على الصحفيين، حيث ارتكب 600 انتهاك بحق الحريات الاعلامية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، شملت اعتقال ما يزيد عن 85 صحفيا، و144 حالة اعتداء، وقتل صحفيين اثنين واصابة 190 آخرين.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق ، وأكثر عندما شنت حكومة الاحتلال حملة اعتقالات لتطال اكثر من 130 مواطنا بتهمة التحريض على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، وتوجيه اتهامات بالتحريض لكل من عبر عن رأيه و مشاعره وتعاطفه وتضامنه مع ابناء شعبه شهداء واسرى، واعلن غضبه في وجه المحتلين والمستوطنين.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق ، استبدلوا الاعتقال الاداري بديلا عن الاجراء الجنائي ، وبذلك تستطيع اسرائيل ان تعتقل عشرات الالوف من الفلسطينيين لأجل غير مسمى، بدون اتهامات، وبدون تمكين الاسرى من الدفاع القانوني عن انفسهم، ولهذا تصاعد الاعتقال الاداري المفتوح، واصبح القاعدة للعقاب الجماعي، وصار كل من يفكر او يحلم معرضا للاعتقال الاداري.

كاتم صوت في فم الصحفي محمد القيق، هو من شاهد الدم يسيل في شوارع فلسطين، جثث ملقاة على الارصفة، شهداء يحتجزون في الثلاجات ومقابر الارقام، سياسيون اسرائيليون يمارسون التحريض ويهتفون للقتل والموت للعرب، وهو من حذر ان دولة اسرائيل اصبحت تشكل خطرا على السلم والامن العالميين، وتهديدا للثقافة الانسانية وقيم العدالة ومباديء حقوق الانسان.

كاتم صوت في فم الاسير الصحفي محمد القيق، ورغم غيبوبته الموجعة في مستشفى العفولة الاسرائيلي، ورغم تربيطه بالقيود في سرير المشفى، ورغم تحذيرات الاطباء من تعرضه لموت مفاجيء او نزيف دماغي، فإنه لا زال يتكلم، يرفع رأسه ويقول هامسا: الحرية او الشهادة ، لا خيار بينهما، لا مساومة على الكرامة.

كاتم صوت في فم محمد القيق، اسير حرية الرأي والتعبير ، يوجه نصيحة شاعرنا الكبير معين بسيسو الى كل الاحرار في العالم قائلا:

الصمت موت
فأنت ان نطقت مُت
وأنت ان سكت مُت
قلها ومُت...
قلها ومُت