نشر بتاريخ: 26/01/2016 ( آخر تحديث: 26/01/2016 الساعة: 14:26 )
الكاتب: سفيان أبو زايدة
ربما يكون السؤال الاكثر تكرار الذي يسأله الفلسطيني و غير الفلسطيني، المسؤول قبل المواطن البسيط، الدبلوماسي الغربي او الامني ، هو من سيخلف الرئيس عباس؟ هناك من يسأل من باب الفضول كون هذا الامر يتعلق بمستقبله الشخصي اذا كان فلسطيني، وهناك من يسأل بحكم عمله الوظيفي في هذه الدولة او المؤسسه الدوليه و يريد ان يفهم ما الذي سيجري فيما لو غادر الرئيس الفلسطيني المشهد لهذا السبب او ذاك، و بطبيعة الحال اكثر من يسأل عن هذا الامر هم الاسرائيليون بمختلف مستوياتهم و مواقعهم لان هذا الامر ايضا سيؤثر على حياتهم و اوضاعهم.
هذا السؤال تصبح الاجابه عليه اكثر من ضروريه بعد ان اصبح الجدال و التنافس و النقاش اكثر علنيه و بحذر اقل بكثير مما كان عليه في السابق، سيما في ظل الحديث المتكرر عن صحة الرئيس عباس و الاشاعات التي تطلق بين الحين و الاخر، وبعد المقابلات المتلفزه او المكتوبه او التصريحات الصحفيه التي يجريها بعض القيادات الفلسطينية و التي جميعها سواء كانت بحق او بدون وجه حق توضع بشكل تلقائي في اطار الصراع على السلطة وخاصة الصراع داخل حركة فتح في مرحلة ما بعد الرئيس عباس.
ليس بالامكان التهرب من محاولة الاجابة على هذا السؤال بذريعة ان كل ما ينشر بهذا الصدد هو عباره عن دعاية اسرائيلية او جزء من الحرب الشعواء التي يشنها اعداء الشعب الفلسطيني لاضعاف السلطه و جزء من مؤامره على المشروع الوطني ..الخ، لان هناك حقائق و ظروف موضوعيه و قانونيه و طبيعية تجعل ان الامر يحتاج الى مواجهه و الى حلول و ليس الى هروب الى المربع الذي يعفي من المسؤليه وهو مربع الاحتلال و المؤامره.
الشعب الفلسطيني و النظام السياسي الفلسطيني لا يعيش في وضع طبيعي ، على الاقل اوضاع ليست شبيهه بالمرحله التي سبقت استشهاد الخالد ياسر عرفات و اختيار الرئيس عباس خلفا له تقريبا دون معوقات سياسيه او قانونيه، حيث و بعد رحيل الرمز ياسر عرفات ووفقا للقانون الاساسي الفلسطيني تولى رئيس المجلس التشريعي السيد روحي فتوح رئاسة السلطه لمدة ستين يوم تم خلالها اجراء انتخابات لرئيس السلطة،و الاهم من ذلك لم يكن هناك صعوبه في تسمية مرشح لحركة فتح و تقريبا لم يكن هناك منافسه من احد لمرشح حركة فتح التي اختارت عضو لجنتها المركزيه و امين سر اللجنة التنفيذيه في حينه كمرشح لها، و كذلك لم يكن هناك صعوبه في انجاحه حيث لم يكن هناك منافسه حقيقية في ظل موقف حركة حماس بعدم تقديم مرشح من طرفها او دعم اي مرشح اخر.
الوضع الان يختلف بشكل جوهري، حيث هناك انقسام فلسطيني يذبح صباح مساء في مكونات النظام السياسي الفلسطيني، هناك مجلس تشريعي عاطل عن العمل منذ عشر سنوات تقريبا، ولا يوجد رئيس للمجلس التشريعي او على الاقل هذا الامر غير متفق عليه بين الاطراف، و حركة فتح اليوم ليست كما كانت عليه عند رحيل الرمز ياسر عرفات، و الاهم من ذلك لا يوجد مرشح طبيعي يشكل اجماع او غالبيه داخل اللجنة المركزية لحركة فتح يمكن الاشارة له بأنه هو الذي سيكون خليفة للرئيس عباس.
في سياق البحث عن مخارج لهذا الوضع المتشابك كانت هناك مطالبات بأن يتم تعيين نائب للرئيس عباس من داخل اللجنة المركزية، الامر الذي استجاب له مؤخرا وطلب منهم ان يتفقوا على واحد فيما بينهم وهو سيصدر مرسوم بقانون لتعيينه نائبا لرئيس السلطه يتولى المهمه في حال حدوث اي فراغ.
بطبيعة الحال لن ينتهي الامر عند هذا الحد او بهذه البساطه ، حيث لا يوجد اي ذكر في القانون الاساسي الفلسطيني لمنصب نائب رئيس السلطة و بالتالي هذا المنصب ليس له اي سند قانوني، وفي احسن الاحوال سيكون مثار جدل وخلاف بين القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية.
الرئيس عباس يعرف ذلك، و اللجنة المركزية ايضا تعرف ذلك، لكن الامر ما زال في غاية الاهمية ليس من الناحية القانونية بل من الناحية السياسية، حيث الجميع يدرك ان تسمية احد اعضاء اللجنة المركزية كنائب للرئيس عباس يعني ان هذا الشخص اصبح في موقع متقدم عن الجميع و انه هو الذي سيكون مرشح السلطة في اي انتخابات جديدة او حتى ترتيبات جديدة للنظام السياسي الفلسطيني اذا ما تعذر اجراء الانتخابات، لذلك يشتد الحراك و تصاغ التحالفات التي لم تعد تجري من تحت الطاولة من اجل الحفاظ على فرص الطامحين سواء في هذا الموقع او على الاقل الحفاظ على فرصهم عند الحديث عن مواقع هامه اخرى. من وجهة نظر الكثير من القيادات الفلسطينية ، خاصة الفتحاوية منها ، الامر لم يعد بالامكان تأجيله اكثر من ذلك ، كما لا يمكن تأجيل حسم قضايا اخرى تتعلق بالمنظمة و حركة فتح و عقد مؤتمرها السابع على اعتبار ان كل هذه الامور متشابكه و تؤثر على بعضها البعض.
على الرغم من ذلك السؤال من سيخلف الرئيس عباس هو سؤال خاطئ ، حيث يجب ان يكون من سيكون خلفاء الرئيس عباس ، على اعتبار ان الرئيس عباس لا يشغل موقع حساس واحد فقط . هو رئيس للسلطة وهو رئيس لحركة فتح و هو رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية و هو رئيس لدولة فلسطين اضافة الى مناصب اخرى. السؤال من سيخلف الرئيس لا يعني خلافته في كل المناصب التي يتبوءها الان ، حيث من غير الممكن ان يلدغ الشعب الفلسطيني مرة اخرى . لا يمكن القبول ، ويجب ان لا يقبل احد بأن شخصا واحدا مهما كانت امكانيته ان يتولى كل هذه المواقع التي سيغادرها الرئيس عباس. التجربة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الان من تركيز للصلاحيات في يد شخص واحد في ظل تغييب للسلطة التشريعية هي احدى الكوارث الوطنية على اعتبار ان السلطة المطلقة هي مفسده مطلقة.
لذلك ، الحديث هنا يجب ان يكون ليس عن خليفه للرئيس عباس بل عن خلفاء، و الحديث هنا يجب ان يكون على الاقل عن ثلاث خلفاء لكي لا تتكرر التجربه المريره التي لم يكن يحلم بها حتى الرئيس عباس بنفسه. الخليفة الاول يجب ان يكون لحركة فتح، وهذا من سيقرره المؤتمر السابع للحركة اذا تم عقده في عهد الرئيس عباس وقرر عدم ترشحه لقيادة الحركة او انعقاده بعد مغادرته الحياة السياسية. ويجب ان لا يكون رئيس السلطة هو نفس الشخص الذي سيرأس حركة فتح.
الخليفه الثاني للرئيس عباس هو كرئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهذا الامر يتم من خلال عقد المجلس الوطني و انتخاب رئيس جديد للمنظمة و كذلك انتخاب لجنة تنفيذية جديدة. هذا الامر ليس بالامر البسيط حيث لا يوجد شخص محدد يمكن الاشاره له بسهوله بأنه هو المرشح الطبيعي لقيادة المنظمة كما حدث بعد رحيل الرمز ياسر عرفات، ولهذا السبب بالتحديد لم تنجح محاولة عقد دورة المجلس الوطني قبل عدة اشهر و التي كان هدفها تحسين وضع بعض اعضاء اللجنة التنفيذية و تعيين آخرين ليكونوا في موضع افضل و كذلك ازالة البعض من الطريق . رئيس المنظمة الذي سيتم انتخابه ليس بالضرورة ، بل يحب ان لا يكون رئيس للسلطة و ليس بالضرورة هو نفسه من سيكون رئيس حركة فتح.
عدم تركيز الصلاحيات و المناصب الاساسيه في يد شخص واحد ليس فقط ضرورة وطنية، بل لان تركيزها على الاقل في يد شخص واحد هو امر غير ممكن ، ببساطه لان هذا الشخص غير موجود على ارض الواقع. وان وجد لا سمح الله يجب عدم السماح له اخلاقيا ووطنيا و ديمقراطيا و سياسيا ان يتمكن من احتلال كل هذه المواقع.
في كل الاحوال، سواء كان خليفه اوخلفاء، لا يمكن لاي شخص ان يكون في منصب رئيس السلطة او اي منصب اخر دون انتخاب من قبل ابناء الشعب الفلسطيني. الاقليم صحيح له تأثير و المجتمع الدولي كذلك ، خاصة امريكا و الاتحاد الاوروبي الذين سيحاولون التأثير على النتائج ، و الاهم منهم جميعا هو اسرائيل التي لن تنام الليل من اجل التأثير على اي مخرجات لاي تعيين او انتخاب لان الامر ينعكس عليها بشكل مباشر.
لكن في نهاية المطاف من سيقرر هو الشعب الفلسطيني و ليس اي جهة اجرى. من سيقرر هو صندوق الاقتراع الذي يجب ان يكون هو الحكم العادل بين المتنافسين. لذلك اي مسؤول يجب ان يفكر اولا و ثانيا و اخيرا في الشعب الفلسطيني و ان من سيختاره في نهاية المطاف هو الشعب الفلسطيني و انه يجب ان يقنعه بانه اهل لقيادته قبل ان يقنع اي طرف خارجي مهما كانت اهميته و تأثيره . العامل الاقليمي و الدولي لا يمكن تجاهله ، و لكن الاساس هو العامل الفلسطيني.