نشر بتاريخ: 07/02/2016 ( آخر تحديث: 07/02/2016 الساعة: 14:49 )
الكاتب: فردوس عبد ربه العيسى
الإضراب عن الطعام هو الامتناع عن تناول كافة أصناف وأشكال المواد الغذائية باستثناء الماء وقليل من الملح وهو اسلوب سلمي للمقاومة ويستخدم لاعلان العصيان والاحتجاج ولفضح الظلم والاضطهاد والاحكام الجائرة التي يتعرض لها الانسان. مورس قديما في فترة ما قبل المسيحية من قبل الايرلندين كما واستخدم من قبل المهاتما غاندي خلال فترة اعتقاله في السجون البريطانية وذلك احتجاجا على استمرار الاحتلال البريطاني للهند.
في فلسطين بلغت عدد الاضرابات عن الطعام التي خاضها المعتقلين الفلسطينين اكثر من 30 اضرابا، سجل اولها في سجن نابلس عام 1968 واستمر الاضراب في حينه لمدة ثلاثة ايام احتجاجا على سوء المعاملة والتعذيب والاهانات التي كان يتعرض لها المعتقلين الفلسطينين حيث كان المعتقل يجبر على قول"حاضر سيدي" في مخاطبة رجال الامن الاسرائيلي كما جاء في تقارير هيئة الاسرى والمحررين الفلسطينين. ومنذ ذلك الحين تكرر استخدام الاضراب عن الطعام او ما يعرف بمعركة الامعاء الخاوية كوسيلة نضالية يلجىء لها المعتقلين عندما تنعدم الطرق الاخرى أو تستحيل محاولات الحوار والتوصل الى اتفاق مع ادارة السجون.
ان الاضراب عن الطعام بكافة اشكاله سواء كان اضرابا جزئيا او امتناعا كاملا عن تناول الطعام والماء او المكملات الغذائية فانه يترتب عليه الكثير من المخاطر الجسدية والنفسية على الأسرى، ففي الاضراب الذي خاضه الاسرى في عام 1970 استشهد عبد القادر ابو الفحم الذي يعتبر اول الشهداء الاسرى نتيجة للاضراب عن الطعام.
ان القدرة على التحمل لدى الاشخاص الذين يخوضون اضرابا عن الطعام متفاوتة وبالتالي فهي تختلف في المخاطر الصحية والجسدية الناتجة عنها وتتاثر بعدد من العوامل ومنها عمر الشخص الذي يخوض الاضراب، ومقدار وسرعة ما يفقد من الوزن، الوضع الصحي للمريض قبل خوض الاضراب، كما ان طبيعة الاضراب ايضا عاملا مهما فاذا كان يتضمن تناول السوائل كالحليب وغيرها او انه انقطاع تام . ولكن بغض النظر عن كل ما سبق من عوامل الا ان الاضراب عن الطعام يؤدى الى الكثير من المشاكل الصحية كالسكري وامراض المعدة والامعاء ومشاكل الاسنان وغيرها ناهيك عن الاثار النفسية التي قد يعانيها الشخص المضرب ومنها الاكتئاب والشعور بالوحدة وفقدان الامل وما يرافق هذه المشاعر من اساءة معاملة وتعذيب حتى في اثناء تحويلهم للمستشفى اثر تدهور اوضاعهم الصحية ويتم ابقائهم مقيدي الايدي والارجل طوال فترة العلاج حتى لو دخلوا في غيبوبة طبية.
و تشير النظريات النفسية ومنها نظرية فرويد تشير الى ان الدافع الاساسي لسلوك الانسان هي الغرائز وهي غريزة الحياة (الحب) وغريزة العدوان(الموت) والانسان يسعى طوال حياته لاشباعها ولتخفيف التوتر الناتج عن عدم الاشباع، وحين يحقق الانسان الاشباع فان مستوى التوتر يزول مما يشعره بالراحة والاستقرار والرضا ويستعيد توازنه الى حين تجدد ظهور الحاجة للاشباع مرة اخرى وهكذا يستمر الصراع. بالاستناد الى جوهر هذه النظرية فان المضربين عن الطعام يعيشون في حالة توتر وقلق وصراع غريزي بين مكوناتهم الانسانية والتي تدفعهم باستمرار للحصول على الطعام وبالتالي الاشباع هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فانه يستمر في المقاومة ويرفض كسر الاضراب وبالتالي يعمل على كبت تلك الغرائز وتحويلها الى اهداف مجتمعية سامية ويتعالى عليها.
اما الاتجاه الانساني ومنها نظرية ماسلو فهي تشير الى تدرج الاحتياجات الانسانية ضمن هرم مرتبة حسب اولوياتها حيث تبدا بالاحتياجات الاساسية اللازمة للبقاء ومنها الحاجة للطعام والشراب والسكن ثم تتدرج الى الاعلى لتلبية باقي الاحتياجات ومنها الانتماء والامن وتقدير الذات وتحقيق الذات وغيرها. كما ويشير الى ان عملية الانتقال الى الاحتياجات ذات المراتب العليا او الاكثر اهمية يستدعي اشباع الاحتياجات الاساسية اولا، وان استمرار عدم اشباع تلك الاحتياجات ولفترة زمنية طويلة يؤدي الى التوتر والاحباط وبالتالي الى ظهور سلوكيات غير سوية كمحاولة للحصول على الاشباع. في حالة الاضراب عن الطعام فهذا يعني عدم اشباع المعتقل لاحتياجاته الاساسية مما يؤدي الى القلق والتوتر والألم النفسي وبالتالي يصبح تركيزه وطاقته النفسية والعقلية متمحور حول مقاومة عدم الاشباع ومقاومة التوتر الناتج عنه من خلال نقل تركيزه على تحقيق الاحتياجات الانسانية العليا كالحاجة للانتماء والامن وتقدير الذات وتحقيق الذات.
اما نظرية معنى الحياة لفيكتور فرانكل فتشير الى ان المعنى الذي يعطيه الانسان للمعاناة التي يمر بها هو الذي يحدد اثرها وحجم ذلك الاثر، فاذا نظر المعتقل لتجربة الاعتقال على انها تجربة يخوضها وحيدا، وانها ستودي بحياته، وانه الخاسر الاول والاوحد في هذه المعركة ، النتيجة الوصول الى حالة الانهيار والانصياع لارادة ادارة المعتقل.
ان المعتقلين الفلسطينين من خلال اضرابهم عن الطعام يعيشون صراعا من اكثر انواع الصراعات ضراوة فهو يجمع بين كبت الغرائز الفطرية وارجاء اشباع الاحتياجات الاساسية ، والصراع مع قوة الجسد الاخذة في التناقص، ومع الاجبار على تناول الوجبات والتغذية القسرية التي قد تودي بالحياة ومقاومة الاغراءات والوعود الواهية، وفي نفس الوقت مقاومة الظلم والاضطهاد وتحدي العدو مستخدمين جسدهم كسلاح. ففي الاضراب عن الطعام يقف المقاوم في موقف مخاطرة بحياته وموقف تحدى مباشر مع الزمن ويتسع التحدي ليصل الى الصراع بين اختيار البقاء على الهامش او الارادة الحرة.
ان حسم الصراع باتجاه بدأ واستمرار الاضراب عن الطعام يؤكد على انه فعل انتصار، انتصارا لارادة الحياة على الموت التي هي ارادة المحتل ، وانتصار لارادة حرية الاختيار على ارادة الاجبار والسيطرة والتحكم والقهر كما اكد فرانكل عندما دون تجربته في الاعتقال. ويتمثل في قدرة المقاوم على تحدي المساومة والاغراءات والضغوط والاستمرار في عمل هو يدرك بان نهايته قد تقود الى الموت، يستمر مع انه يلاحظ ان اجهزه جسده تنهار جهاز بعد الاخر، وان عضلاته اخذه في الوهن وهو يتالم من تقلص الامعاء الخاوية، ومن فقدان القدرة على التركيز وضعف الحواس وتشوش الرؤية.
قد يميل البعض الى الاعتقاد ان المعتقلين الذين يخوضون تجربه الامعاء الخاوية ما هي الا نزعة مرضية لتعذيب الذات، او نزعات دفينة للانتحار او انها بالفعل محاولة للانتحار، ولكن نقول: عندما يستمر الاضراب لايام واسابيع ويجد المضرب عن الطعام نفسه في حالة تصالح مع النهاية التي قد تكون الاستشهاد او النصر ويختار الاستمرار في الاضراب لا يمكن ان يطلق على فعله الا فعل ارادة الحياة ورغبة في عيش حياة اكثر انسانية.