نشر بتاريخ: 07/02/2016 ( آخر تحديث: 07/02/2016 الساعة: 14:44 )
الكاتب: توفيق الحاج
ما ان رايته في لقاء نخبة وهو يعرض علينا عدة الشغل (اشرطة كاسيت وودفاتر وفلاشات) حتى استعوضت الله في 16 شيكل ضاعت بين خان يونس والنصيرات وقلت :والله كان اولادي اولى بربطتين خبز..!!
وبمرور الدقائق.. وجدتني امام كهل ستيني يشبهني في عفويته وتلقائيته وطول لسانه...!! جلس امام الكمبيوتر 18ساعة متواصلة يكتب حتى اصيب بشلل مؤقت من أجل ان يدلي بشهادة بوح بعبلها غير منمقة ولا مكوفرة عن تجربة حياة لجيل فلسطيني هو انا ..وانتم..وهم .ونحن.. لولا بعض الاختلاف في التفاصيل.
في ذات المكان اشتريت الكتاب الضخم ودفع صديقي يحيى عواد مشكورا ال20شيكل الى حين ميسرة بينما أمن صديقي ابو خالد المسلمي على صدق الراوي و صحة الرواية ..!! خاصة واني اميل لسير ذاتية حية و دايت..بدون مبالغات ونفخ بالونات وشبابيك واسعات.!! ولا تعمل بالمثل القائل ما اكذب من شاب اتغرب الا ختيار راحت اجياله..!!
3شهورفصلت بين اللقاء والقراءة..واسبوعان قضيتهما في التهام ومضغ 470 صفحة لانسان لم يسبق له ان كتب ولا يدعى انه عاشق للبلاغة والادب..فكان ان عايشت وعشت..تمثلت وتخيلت..تعلمت وتألمت وضحكت وبكيت.!
(قبل ان يموت الجلاد)...!!
بانوراما انسانية شاملة ..خليط متنوع ومتناقض من الوحل والمحل والقهر والفقر وغصة اللجوء في الكلبوش من مؤن و طعمة وحمام وقرقوم الطهارة والتعفير بال D.D.T واللوبيا المدودة. والحزن والضحك مع محاسن وتمام في الحارة وصفافير الاكورديون المحطم والمكوجي (تلز) رفيق العمر والدشارة ..!!
اضحكني (محمد ابو شاويش) المتدحرج بمرارته حد البكاء..سيطرعلي ذكرياتي وفوعها..اعادني الى طفولتي وانا الهث خلف كلماته.فاغرا فمي مشدوهاعلى كرسي..سحرتني امه الجميلة(سين شاو)يعني سميحة ابو شاويش.وهي تبهدله وتقول له عن سواقي الاعراس المتنافسين امام البيت:جايين ياخدوا الرقاصة الجنكية ..!! ثم وهي تشد ازره بنظراتها امام المحقق اليهودي في البيت..ثم وهي تبصق في وجهه ثلاثا عندما زارته في سجن غزة بسبب(مصيبة)..!! وتخيلتها امينة رزق وهي توبخ فريد شوقي الابن الصايع الذي يغني بالعافية في بداية ونهاية..!!
سافرالمنحوس الذي لم تشفع له امام الفقر الدكر حراسة المرمي وبطولات التنس والسباحة الماهرة من غزة الى قلقيلية للعابودا في اسرائيل .. ونخوة عنترية تقوده الى معركة محلية كرد اعتبار للعمال العزازوة..!!
بكيت بحرقة وأخوه محمود يبلغه بان امه في مستشفى الشفا.. وصوته وهو يهاتفها (كيف حالك يمااااا..؟!) لترد بوهن الموت (.ميين محمد...؟ انا يمه بخير) ويقع التليفون من يدها ...واخذت اجري دون وعي مع سطوره من السجن الى الشفا الى النصيرات ولم يستطع الوصول الى مستشفى ناصر حيث ترقد بسبب خوف الشرطي العربي على لقمة عيش اولاده..!!
تموت (سميحة ) ويودعها محمد تحت الحراسة ولا يسير خلفها لانه ببساطة لا يشرفها..!!..
بعد ايام يفرج عنه ..ليضحك على صورة المذيع المهتزة.. ثم ينفجر في بكاء هستيري يريحه قليلا من وطأه المشهد ..!!
لفت نظري الحس الانساني الذي لا يغيب في احلك الظروف ولا يفرق بين جنس وجنس ..فهاهو(مار يونا) مدير السجن ومرتسيانو الطباخ الفرنسي الجزائري الاصل والدرزي زياد الحوراني والسائق اليمني (ابو السعيد) والضابط العربي (ابو ركبة) وغيرهم يتعاطفون معه في محنته بفقد امه الى ابعد حد ..!!
ويذهب ابو شاويش في تغريبته الى المحروسة ليدرس الموسيقى التي يحبها..ولكن فرعونا مهزوما في ادارة الحاكم كان له راي اخر على الرغم ان (ستالينجراد ) تحدت حصارها..وحاربت الالمان بسيمفونية جديدة وانتصرت..!!
ومابين (محاسن) الحارة..و(محاسن) الشغالة التي كسبت الرهان جرت مياه كثيرة في النهر..!!
لم يكن محمد ملاكا .. اصاب واخطأ..وكان يحرص على صورتين متناقضتين لذاته.. صورة الحشاش المدمن زير النساء عشير النور امام المخابرات..وصورة الفلسطيني الحر وابن الجبهة التواق للمقاومة منذ رأى اول قارب لها وناقل الكبسولات المشمعة التي تبلع باللبن الزبادي بين مصر وغزة.. وكان هذا ( النصيراتي) الغضيب يلعب هذين الدورين باقتدار ولا انور وجدي في زمانه..!!
ويأخذنا ابو شاويش في غربة السحق والموت الى منتجع غزة المركزي لنرى معه من ثقب كيس الراس الاسود الم الكلبش الامريكي وهو يعض اليدين العاريتين وكيف كان يقلبهما باربع حركات من الخلف للامام.. وكيف يجر من الكيس كالشاة الى المسلخ ليجتمع اربعة محققين على جسده..و مساج وحشي من الرقبة الى الخصية..وكيف كان يصل الى حافة الموت اختناقا وغرقا بلي الكيس .. وكيف بكى على لحن عراقي فظن المحقق الغبي انه سيعترف..وكيف اذهله اعتراف مسئوله (كارلوس) !! ..ليعتصر( ابو ربيع) البرتقالة حتى اخر قطرة...وباكتمال الصورة نعرف ان البطولات ليست ما تلقناه او رسمناه في المخيلة ..فبعض الكبار لم يكونوا في الحقيقة الا صغارا...وان الحيتان ضحت بالسمك حتى نبقى عميانا..!!
وهنا ادرك ابو شاويش الصباح ..فسكت عن الكلام المباح واقصد (التصفيات) وما اعتراها من عوار فقد مسها على استحياء عندما قال لرفيق يتقمص عقلية الجلاد متهكما (ممكن تاخذ لي شعرة فوق الخصيتين بالخيط ؟!!)
لقد كان ابو شاويش قائدا طبيعيا.. بسيطا..غير مترفع او مدع وصموده في الزنازين تحت التعذيب لم يكن عفويا كما ادعت بعض العاهات في التنظيم الخرساني العتيد والتي غبنته مكانته التي يستحق..لانه كان في رأيها مهرجا أكثر من كونه جيفاريا صارما..!! وكما يقولون (زمار الحي لايطرب) ..بل واكثر من ذلك عندما يخذله رفيقه الراحل ويبلغ عنه قيادة (الكورن فليكس) انه كتب استرحاما على خلفية اوسلو ..فيكفرالصعلوك بالاحمر ويذهب بقدميه الى الاخضر كما ذهب الرفيق ابو الفوز من قبل الى الاصفر ..!!
لم يعتب أي سجن أو معتقل على (ابو شاويش)..وكأنه كعب دوار.. ودخل في تحد قاس لكسر قرار تعرية السجين وحاول الانتحار..ونجح. بصمت دون ان يتباهى بعظمة وبطولة مكتفيا ببطولات التنس في السجن والنادي..وحب الاخوة والرفاق.
ولاتخلو الصورة القاتمة من قفشات وضحكات وقطعة شوكلاته من طبيب العيادة الروسي لابنه محمود في كل زيارة .. واكلة السمك لذيذة ورشات كولونيا من الممرض العشري جيلمن..!!
اعذروني... وضعت ما استطعت من سيرة ابو شاويش الحية في كبسولة وطن ..امل ان تحتفظوا بها ما استطعتم في وجداناتكم ..علموها لابنائكم ولاحفادكم ..كي لا ينسوا أجل واعظم حالات العشق للارض دون اطناب أوبديع !!
شكرا ..لهذا الانسان الانسان الذي عيشني اياما مرعبة وانا اتنقل معه من الكلبوش الى الكلبوش و من موت الى موت بين ذئاب المخابرات (ابو خضر وابو جميل وابو غزال وابو الهيثم وابو ربيع وابو داوود وطوني ومايك... و....و.... )
شكرا للزوجة الصابرة التي تحملت وعانت وربت محمود حتى أصبح رجلا..وهي كما زوجات الاسرى الصامدات فخر لكل فلسطينية....!!
اعرف ..اني لم اوف (ابو محمود) حقه في مقال عابر متحاشيا الاطالة .. وعلى كل حال وحالة.. اهتف من كل قلبي كما هتفت في صباي بكل قواي لجمال عبد الناصر ويهتف معي كل وطني شريف (يعيش ..يعيش ابو شاويش).....!!