نشر بتاريخ: 08/02/2016 ( آخر تحديث: 08/02/2016 الساعة: 15:48 )
الكاتب: عوني المشني
السؤال كلمة السر التي تفتح الأبواب الموصدة امام مطلق الحقيقة ، وهو الفانوس السحري الذي يبدد ظلمة الجهل والجهالة ، وهو ثلثي الإجابة ، ومن لا يمتلك السؤال لن يعثر ابدا على الجواب ، والسؤال في السياسة هو معيار التقييم والذي يصحح المسار . والذي لا يستفز عقله السؤال لا تضيف له المعرفة شيئا ، وسلم التطور لم ولن تكون درجاته الا علامات سؤال ، ولكن قبل الأسئلة لا بد من توطئة
قبل اربع سنوات , اكثر او اقل قليلا ، ولدى سؤال المفكر السياسي المخضرم محمد حسنين هيكل عن المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين رد موضحا : المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيلين هذه ليست مهمة ، وليست جدية ، ولن تحدث اختراق ، الاهم هو المفاوضات بين الإسرائيليين أنفسهم ، اسرائيل الان تفاوض نفسها ، هناك طرفين في اسرائيل ، اسرائيل الاسرائيلية التي تريد الضم والاستيطان والتهويد وليست معنية سوى بالاستحواذ على الارض ، وهناك اسرائيل الامريكية التي ترى في الانسحاب وإقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل مصلحة اسرائيلية وهي معنية بالانفصال عن الفلسطينيين ، المفاوضات بين هذين الطرفين هي الاهم ، هي التي ستحدث اختراق ، هي التي ستفضي الى نتائج .
انتهى حديث هيكل ، ولم تنتهي المفاوضات بين اسرائيل الاسرائيلية وإسرائيل الامريكية ، ربما أصبحت الامور اكثر تعقيد ، اذ رمى كل طرف بكل ما في جعبته ليحقق نتائج في تلك المحادثات ،
اسرائيل الاسرائيلية انتصرت في الانتخابات وحسمت الحكم لصالحها وها هي تغير بنى الدولة العميقة بما يحقق أهدافها : الجيش ، الاعلام ، القضاء ، التشريعات القانونية ، اضافة لذلك تسير بخطى حثيثة لترسخ واقعا يمنع التقسيم للأرض ، واكثر من هذا تضع العراقيل امام اي جهد سياسي يفضي للانفصال ، تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية ، تسارعت خطوات تهويد القدس ، تم افشال مفاوضات السلام عبر شروط تعجيزية مثل يهودية الدولة ، تعزيز الانقسام الفلسطيني ليقال ان لا شريك فلسطيني ، وهكذا.....
اما اسرائيل الامريكية فهي تلوح بخطر الدولة ثنائية القومية ، تلوح بخطر عزل اسرائيل دوليا والمقاطعة ، وأخيرا وليس آخراً تستخدم نتائج حالة الاشتباك الفلسطيني الاسرائيلي خاصة في القدس لتقول ان الانفصال هو الحل ، وتستخدم العزلة الاسرائيلية الدولية والاختلاف مع الولايات المتحدة للتدليل على مخاطر سياسة الضم والاستحواذ ، وربما في الشهور الاخيرة استفاقت اسرائيل الامريكية على حجم المخاطر التي تسببها ممارسات اسرائيل الاسرائيلية وبدأت حملة كبيرة الى حد ما لتغيير مزاج الجمهور الاسرائيلي
وإذا كانت اسرائيل الاسرائيلية قد أنتجت البيت اليهودي وهو حزب يدعو صراحة لارض اسرائيل الكاملة فان اسرائيل الامريكية تنتج اليوم حركة سياسية مهمة عنوانها فصل ٢٨ من البلدات الاسرائيلية عن القدس للحفاظ على " القدس اليهودية " للحفاظ على الطابع اليهودي للقدس وللتقليل من المخاطر الأمنية وقد توصلت اسرائيل الامريكية في النهاية ان الانفصال عن الفلسطينيين قد يكون بدون اتفاقية سلام معهم وانما خطوات من طرف واحد .
مفاوضات هادئة احيانا وصاخبة إحيانا اخرى ، تستخدم فيها وسائل متنوعة مختلفة ، الفلسطينيين ليسوا طرفا فيها ولكنهم مادتها الاساسية ، ليس لهم رأي ولكنهم القوة الأكثر تأثيرا في رأي الطرفين ، هي مفاوضات حقيقية ، حتى لو رأى فيها البعض تقسيم ادوار ، هذا لا يقلل من أهميتها ، انها مفاوضات تسبق اللحظة التي تحسم فيها اسرائيل امرها ، ربما ان العنصر الحاسم الثاني بعد الفلسطينيين المؤثر في تلك المفاوضات هو الوقت ، لأول مرة يتحول الزمن الى عنصر ضاغط على الإسرائيليين ، طيلة فترة الصراع السابقة كان الوقت لصالحهم اما الان ففي ظل الديمغرافيا ومتغيرات الشرق الأوسط الدراماتيكية فالوقت لا يخدمهم .
هنا يبدأ الموضوع :
ما هي محددات حوار الطرفين ؟؟؟؟ كيف لنا ان نؤثر في نتائجها ؟؟؟؟ وماذا نريد منها ؟؟؟؟
أسئلة لا تعبر عن ترف فكري ، انها تدخل في صميم الاستراتيجية الفلسطينية ، فنحن في النهاية مرتبطين جدليا بما يحصل هناك كما هم مرتبطين بما يحصل هنا ،
ما هي المحددات ؟؟؟؟
الأمن اولا : والسؤال المركزي هل ستكون اسرائيل في وضع أمني افضل عبر حل الدولتين او من خلال الاستحواذ على الضفة الغربية ؟؟؟
المحدد الثاني : الديمغرافيا : هل تستطيع اسرائيل استيعاب هذا ألكم الفلسطيني دون تغيير طابعها ؟؟؟
المحدد الثالث : العلاقة مع امريكيا هل يمكن الحفاظ على علاقة استراتيجية مع امريكيا في ظل اختلافه اسرائيل معها في نظرتها للحل السياسي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ؟؟؟
هذه هي المحددات الاساسية التي تحكم الحوار ، ريما هناك تفاصيل اخرى هنا او هناك ولكنها لن ترقى للمحددات الثلاث هذه
كيف لنا ان نؤثر في الحوار ؟؟؟
دون تفاصيل لان التفاصيل هنا مادة بحث معمق وكبير ويحتاج الى باحثين وخبراء وجلسات تمتد مئات او ربما الآلاف الساعات ، نستطيع ان نؤثر بقدر ما نؤثر في المحددات الثلاث الاولى : هل نستطيع التأثير في المحدد الأمني ؟؟؟ والأمن هنا نوعين ، أمن الدولة ، وأمن الأفراد
هل نستطيع التأثير في الديمغرافيا ؟؟؟؟ ليس بزيادة العدد كميا بل بتفعيل وترجمة هذه الزيادة الى لغة سياسية
هل نستطيع التأثير على العلاقة الاسرائيلية الامريكية ، العلاقة مع امريكيا المؤسسة وامريكيا الرأي العام .
ما الذي نريده من هذا الحوار ؟؟؟
هل نريد ان يحسم ؟؟؟ ام يتعمق اكثر ويشتد ؟؟؟ وإذا ما أردنا حسمه فباي أتجاه نريد ان يحسم ؟؟؟ هل فعلا الانفصال هو المصلحة الاستراتيجية الفلسطينية ؟؟؟ هل نمتلك طول النفس ليؤتي هذا الحوار اكله ؟؟؟ هل نمتلك أدوات التأثير ؟؟؟ وهل نحيد استخدام الأدوات التي نملك ؟؟؟ هل تدخلنا المباشر في هذا الحوار مفيد ام انه يستخدم ويعطي نتائج معاكسة ؟؟؟ ما هي الاشكال النضالية فلسطينيا والتي تتناسب مع مثل هذا الوضع ؟؟
المقالة ليست هي ما ذكر وانما اجوبة الأسئلة التي ذكرت ، والمقالة هنا يجب ان تكتبها النخب السياسية الفلسطينية عبر إجابتها على تلك الأسئلة ، فالإجابة عليها اكثر جدوى من الكلام الإنشائي على شاشات التلفزيون او الخطابات النارية في المناسبات العامة ، الإجابة هنا هي الاستراتيجية الفلسطينية للسنوات العشر القادمة ، ولكن من يقرأ ؟ !!! النخب السياسية لدينا لا وقت لديها للقراءة او الإجابة ، يكفيها العلاقات العامة ، والسياسة بالنسبة لها ردة فعل انية على حدث آني لا اكثر !!!