نشر بتاريخ: 11/02/2016 ( آخر تحديث: 11/02/2016 الساعة: 11:03 )
الكاتب: إبراهيم المدهون
الانسان خليفة الله في هذه الأرض. ورغم تمتعه بنزعة فساد واندفاع لسفك الدماء إلا أنه استحق هذا المنصب الكبير، فالصراع أحد مكوناته الأساسية حتى أنه لو لم يجد من يصارعه؛ يصارع نفسه عبر متناقضات داخلية معقدة جدا، ما بين الرغبة والقيم، الحاجة والضمير، العقل والعاطفة، حتى تنتصر إحداهما على الأخرى، او يستمر كما هو الحال عليه معظم البشر ما بين هذا وذاك.
الحرب والقتال ليست عيبا، ولا شيء يجب الخوف منه والهروب من معمعته، فللحروب فوائد جمة كما أن لها سلبيات كبيرة، فهي تستنفر طاقة الإنسان وتحفزه وتستنهض قواه وتوقظ حواسه وتزيد من طاقته، لهذا الدول العسكرية تتوسع وتنمو وتتطور أسرع من الدول المسالمة الوادعة، التي تميل للهدوء وتتجنب الصدامات والمعمعات، وليس عجبا أن الولايات المتحدة منذ نشأتها لم تتوقف عن الحرب، بهدف تدوير عجلة انتاجها وتجريب أسلحتها والسطو على خيرات غيرها فقانون الحرب يبيح ما لا يبيحه الهدوء والاستقرار، حتى أنها أضحت في العقدين الأخيرين تختلق الأعداء الوهميين، وتعظمهم وتنفخ بهم لتحافظ على دوران محركاتها بنفس القوة والاتجاه، كما أن العدو الإسرائيلي لا يتوانى للحظة عن خوض الحرب وتحريك الجيوش للقتال هنا وهناك دون هوادة أو تردد، لأنه يدرك أن الدبابة حينما تتوقف تصدأ وتتآكل شيئا فشيئا فتضيع الهيبة ويتسلل الضعف والهوان.
فمن المعروف أن في حالة الحرب يزيد الانتاج، وتقفز معدلاته لنسب خيالية، وكلما زادت الحرب وتوسعت واحتدمت دائرة الصراع كلما تأثر الانتاج إيجابيا وازدهرت الحضارة، وما تحققه في الحرب والإقدام على خوض المعارك قد يختصر على الأمم الكثير من الزمن، وقد يعيدها عشرات السنين للوراء في الوقت نفسه، فالحرب مغامرة كبرى لا نتائج محسومة مهما كنت ضعيفا أو قويا، وهذا ما حدث من طفرات تاريخية كحروب الردة وتمدد المغول والصليبيين والعثمانيين، ولهذا عن تجربة وتعمق قالها الصدّيق الاول أبو بكر رضي الله عنه "احرص على الموت توهب لك الحياة" ومن بعده صاغ نابليون بعبقرية أن خير وسيلة للدفاع الهجوم. إلا أن الحروب في العصر الحديث تطورت وتم ترويضها، ولنقل إن الحرب العالمية الثانية أحدثت صدمة في الوعي الغربي جعلته يطور سبل الصراع ويصيغها حضاريا من غير دماء وأشلاء ونيران، فأضحت مباريات كرة القدم شكلا من أشكال الصراع تستنفر الطاقات وتحرك المجتمع وتنعش الصناعة والتجارة ودوران المال، وقس على ذلك مسابقات الأدب والتكنولوجيا والفن وما إلى ذلك، ولهذا اضحت القوى الدولية تهرب من صراعاتها المسلحة بصراعات اقتصادية وفنية وثقافية وإعلامية دون التورط بمواجهات مفتوحة.
منطقتنا اليوم تكاد تكون الوحيدة التي تشهد صراعات عسكرية ودموية، فلا يخلو بلد من سفك للدماء واصطفاف طائفي وعرقي وسياسي غير مفهوم وقتل عبثي، حتى توسعت الفجوات بيننا وبين العالم الأول، ومتى ندرك أن هذه الصراعات العبثية لن تصب إلا لصالح قوى إقليمية ودولية تتوسع وتنمو وتتوحش على دماء وأشلاء أطفال ونساء المنطقة.