نشر بتاريخ: 11/02/2016 ( آخر تحديث: 11/02/2016 الساعة: 15:43 )
الكاتب: وليد العوض
الشيوعيون الفلسطينيون يحتفلون في العاشر من شباط بالذكرى الرابعة والثلاثين لإعادة تأسيس حزبهم "حزب الشعب الفلسطيني" ومعهم تكتسي قمم الجبال بالثلوج ناصعة البياض رمزا للمحبة والنقاء ،يزهرون كما تزهر أشجار اللوز وتتفتح أزهار الأقحوان تفوح رائحة الياسمين ، والسهول تكتسي بثوبها الأخضر ، وفي شباط أيضا تتدفق مياه جبال الخليل ونابلس والقدس في جداول تسقى سهول البلاد العطشى ، والبحر أمواجه تتهادي بلونها ألازوردي يطفو عليها رذاذ موجه الآفل ويعلو موجه الهادر في غزة يردد قول ابنها الشيوعي معين بسيسو" هذي هي الحسناء غزة في مآتمها تدور. ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور. ومعذّب يقتات من دمه ويعتصر الجذور.
صور من الإذلال فاغضب أيها الشعب .. اغضب.. ، اليوم العاشر من شباط كما كل يوم يجلس شيخ تحت ظل سنديانة وتحتضن فلسطينية شجرة زيتون وطفل يحمل حجر وعامل فلسطيني يحمل مطرقته كما يحمل الفلاح منجله وفأسه معلنا استعداده لاستقبال فصل جديد من فصول الحياة والأمل ، اليوم كما كل يوم العين تقاوم المخرز ويتصدى الأسرى لأسواط سجانيهم معلنين مرة أخرى أن لا عتمة الزنازين باقية ولا قيد السلاسل ومحمد القيق يدخل يومه الثامن والسبعين مضربا عن الطعام عنوان للمعركة ، واليوم أيضا تقف امرأة بثوبها ألفلاحي تلوح بمنديلها مودعة ابنها الشهيد وفي نفس الوقت تضع امرأة من بلادي مولودها على حاجز احتلالي معلنة بملء فيها (إنا هنا باقون فلتشربوا البحر )،
وفي هذا الخضم الذي يعكس إرادة الصمود والتحدي لشعبنا يتجدد الأمل في العاشر من شباط ، شهر العطاء المتجدد الذي اختاره الشيوعيون الفلسطينيون مناسبة لإعادة تأسيس حزبهم يحتفلون اليوم في كل مكان يتواجدون فيه وكل بطريقته وظروفه التي يعيش بذكرى إعادة التأسيس الرابعة والثلاثين ومعهم يحتفل كل اليساريون والتقدميون والوطنيون الفلسطينيون تقديرا لدورهم وكفاحهم المجيد على مدار 97 عاما من الميلاد و 34 من إعادة التأسيس ، في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة عقود وأعوام أربع استطاع الشيوعيون الفلسطينيون الذي خاضوا كفاحا صعبا وتعرضوا لكل أشكال القمع والاضطهاد والاعتقال على أيدي اجهزة المخابرات وفي أقبية التحقيق تارة أجهزة معادية وتارة ضيقة أفق قاتلوا بشجاعة ودافعوا بشرف عن شعبهم ،عاشوا أنقياء ولم يتفننوا في البحث عن مكامن الترف ولم يكن ببالهم ذات يوم ان يتحولوا لجلادين لشعبهم ، خاضوا نضالهم فوق الأرض وتحت الأرض قبل غيرهم عرفوا قبل غيرهم الزنازين وسياط الجلادين واهتزت لإرادتهم أعواد المشانق هؤلاء هم الشيوعيون الفلسطينيين ، سجنوا في المجدل وعسقلان في نفحة وغيرها كما سجنوا في الجفر وأبو زعبل وفي الواحات عرفوا السجون في كل المراحل وكل العهود ولن تفت من عزيمتهم أن يعرفوا سجونا جديدة يتحول فيها المناضلين والمجاهدين إلى جلادين ، في كل المسيرة لم يغب عن بالهم يوما أهمية ضرورة أن يكون لهم حزبهم الشيوعي الموحد إلى أن تمكنوا من ذلك في العاشر من شباط عام 1982في الحزب الشيوعي الفلسطيني حزب مدافع عن العمال والفقراء والفلاحين وعموم الكادحين ، مدافع عن حقوق الشباب والمرأة وحقها في المساواة ، حزب ينشد العودة والحرية والاستقلال ويناضل لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أسسه وقاده بواسل وانتسب لصفوفه رفيقات ورفاق أشداء عرفوا طريقهم للحزب في أقسى الظروف وأشدها صعوبة ورغم كل ما تعرضوا له من تنكيل فقد حافظوا على الهوية الفكرية للحزب باعتماد المنهج المادي الجدلي مستندين للنظرية الماركسية سلاح الشعوب من اجل الحرية والتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، رفاق مثقفون ثوريون زادوا من علمهم وثقافتهم التي صقلوها في السجون والمعتقلات فكانوا مناضلين ومثقفين تقدميين ثوريين يقولون كلمة الحق فيحترمها الشعب الذي أحبهم فحملهم الشعب في سويداء القلوب ولم يخذلهم ففتح لهم بيوته إبان سنوات القحط والمطاردة العجاف ،
ناضلوا بدأب وإخلاص فحملوا الحزب بين ضلوعهم التي تكسرت تحت عصي الجلادين فحموا الحزب وصانوه فلم ينكسر ، على كواهلهم تقدم الحزب وتعززت مكانته في مجمل الحياة السياسية الفلسطينية ، حزب تميز من الميلاد وحتى التأسيس بأنه حزب الصدق السياسي وهو الأكثر تنظيما والأكثر فعالية ، إنهم رفاق نستذكرهم الآن بعد أن غابوا ، رحلوا عنا بعد أن غيبهم الموت بعد رحلة المعاناة في المعتقلات وما ألم بهم من مرض جراء المطاردة والملاحقة ، لقد رحلوا لكن بصماتهم ما زالت حاضرة نستمد منها بقايا البقاء ، بصماتهم باقية بما صنعته من صفحات لتاريخ ناصع لهذا الحزب الذي نحب ، لكن بموضوعية أقول أن هذا التاريخ وتلك الصفحات الناصعة التي منها نغترف وعلى مجدها نتغنى لم تعد تكف ولم يعد لنا الحق اعتبارها جواز مرور صالحا للعبور في كل المراحل ، هم رحلوا ونستذكرهم اليوم ونحن في خضم التحضير لعقد مؤتمر حزبنا وإعادة بناءه كحزب شيوعي يستند لذلك الإرث الكفاحي المجيد ويعيد إنتاجه بما يعيد للحزب هويته الفكرية وهيبته التنظيمية وموقعه الطبقي وبما يمكنه من استعادة مكانته في المجتمع الفلسطيني برمته ، إن استعادة مكانة الحزب قولا وفعلا في المجتمع الفلسطيني كحزب للعمل والفقراء والفلاحين والمزارعين والمثقفين الثوريين سيحدد مكانته على الخارطة السياسية دون منة من أحد وسيمكننا دون شك لمواصلة الطريق الذي سلكه من قبلنا الرفاق ورحلوا قبل أن تكتحل عيونهم برؤية حصاد زرعهم ، إن الوقت قد حان للحفاظ على ما تركوه من إرث وصفحات عز نفتخر بها،،
إن هذا يفرض علينا في الحزب ونحن نحيي الذكرى الرابعة والثلاثين ونستعد للمؤتمر الخامس أن نقف مع الذات لنرى على أية مساحة نقف اليوم دون أن نذهب إلى مربع جلد ذاتنا ، وأن نفتخر بما قدمناه من رؤى سياسية صائبة وعمل دؤوب في هذه الظروف المتشابكة الصعبة،لكن مع رؤية واقعنا كما هو على حقيقته وليس بالاستناد إلى مجد مضى ،أسئلة عديدة تفرض نفسها على المستويات كافة السياسية والجماهيرية والفكرية والطبقية والتنظيمية بطبيعة الحال أنها أسئلة لن تجدي الإجابة عنها سياسة القفز فوقها والهروب منها بأي اتجاه ، أنها أسئلة الوفاء لرفاق رحلوا،إنها أسئلة المواطن والعامل والكادح ، الفلاح والطالب ، الشاب المرأة والمثقف التقدمي،إنها أسئلة كل الطامحين للتحرر والاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية،إنها الأسئلة التي تحملها الغالبية العظمى من شعبنا وهي تبحث عن قارب نجاة لعبور هذا النهر الهادر فهل سنكون ؟