نشر بتاريخ: 14/02/2016 ( آخر تحديث: 14/02/2016 الساعة: 12:51 )
الكاتب: د. رمضان بركه
في وطني مشاهد للموت بكل الصور , قرار الموت متنوع الأهداف , مشهد الجنازات أصبح من المألوف اليومي في شوارع الوطن , بضفتنا العزيزة الإقبال على الموت بطعم الحرية والأمل في الانعتاق والخلاص من الاحتلال سارق الأرض وقاتل الإنسان .أن يقرر شاب في مقتبل العمر ويمتشق سكين مدافعا عن تاريخه المقدس وارض أجداده, وبإرادة حرة ذاتيه فكرا وعملا , هذا مشروع ومشرع في تاريخ البشرية لأنه دفاعا عن النفس.
وطني المجزء والمكبل بالجدران والأسلاك والحواجز والإرهاب المنظم بكل أدوات القتل الفتاكة, والطائرات تحوم ليلا ونهارا في سمائه , منها ماهو لهدف استخباري وقياس منسوب الإرادة ومدى فاعلية الإنسان الفلسطيني نحو الحرية بما هو متوفر من إمكانيات, وتصدر هذه الطائرات كل ما تحصل عليه عبر التكنولوجيا الحديثة لصناع قرار القتل والإبادة في مجلس الحرب الإسرائيلي المنعقد دائما , ومنها ما هو مخصص فقط للقتل الجماعي, ومشاهد حرب تموز عام 2014 , مازالت حاضرة في الذاكرة الإجرائية للإنسان الفلسطيني,
ولكن في وطني مشاهد أخري وتحديدا في غزة الحزينة المحاطة بالأسلاك الشائكة الإسرائيلية شرقا , ومعبر رفح المغلق دائما جنوبا , ومعبر بيت حانون شمالا والمفتوح جزئيا بإذن من جيش العدو ( للنخب , وقادة المجتمع المدني, وموظفي المؤسسات الدولية, وقليلا من المرضى والتجار والعمال) ومحروم من عبوره مليون وتسعمائة نسمه فقط , ومن غربه الساحل الصغير من البحر الأبيض المتوسط, وفيه الصيد ممنوع... وقتل الصياد مسموح....... إجمالا يا ساده لم يتغير شيء في غزة المقهورة , وما زال جهاز التحكم الالكتروني بحوزة العدو , الذي يعمل ليل نهار على خلق الأزمات... وإدارتها بامتياز. وأي أقوال أخرى هي من وحي الوهم .
ولكن في قلب غزة أشياء أخرى لم نعدها من قبل... في غزة الموت قتلا بالرصاص للام والأب من قبل الابن كيف ؟ ولماذا ؟؟ , في غزة قتل الزوج لزوجته وتمزيقها إربا والهروب باتجاه العدو ..كيف ؟ ولماذا ؟؟ في غزة يا عباقرة السياسة..... قتل الزوجة لزوجها طعنا حتى الموت ..؟؟ في غزة الموت حرقا وشنقا..الموت صعودا وهبوطا من أعلى المرتفعات المتاحة .. في غزة ..موت الشباب عماد الوطن انتحارا ظاهره جديدة , ...... كيف ؟ ولماذا .؟
في غزة نناضل من اجل الوطن , لكنه غاب النضال من اجل سعادة الإنسان في كل مكان , والمطلوب الصمت على الظلام....., وللموضوعية التي أتسلح بها دائما ظاهرة الانتحار قديمة قدم البشرية , وأسبابها ودوافعها متعددة وتختلف من مجتمع لأخر, ولكن في مجتمعنا وثقافتنا لم نعهدها بهذا الحجم , لاعتبارات دينية وروحية وأخلاقية , وكلنا يذكر محمد البوعزيزي المنتحر حرقا ومفجر الثورة التونسية المعاصرة, والتي كانت مدخلا لما أطلق عليه الربيع العربي , حيث هناك من برر ذلك بالفتاوى الشرعية أملا في المشاركة السياسية في بلادنا العربية المنهكة أصلا من غياب الديمقراطية, وتغيب إرادة الشعب الأبدية. ...
الانتحار يا سادة في وطني يحتاج إلى وقفة من صناع القرار, ويجب أن نعمل سريعا لكي نتقي ثقافة الانتحار , على المستوى النفسي الغائب تطبيقيا من قبل خبراء علم النفس في بلدي , وعلى المستوى الاجتماعي المتهتك والفروق بين طبقاته أصبحت ظاهرة للعيان.. والمستوى الاقتصادي فحدث كما تشاء.. وفيما يتعلق بالمستوى الديني , فلا بد من وقفه من خلال القائمين علي وزارة الأوقاف والشئون الدينية في غزة, عبر خطباء المساجد, لتفعيل آلية الصبر لدى الشباب الفلسطيني , وان يخرج الدعاة والخطباء من ثبات الخطاب, وقصة حصار شعب بن أبي طالب , والسنوات العجاف في زمن سيدنا يوسف , نريد شئ جديد يتناسب مع ما نشاهده في الواقع , وما يناسب زماننا يرحمكم الله. , أما على المستوى السياسي لابد من مشهد جديد بعقول منتجه جديدة... وشرعية شعبيه جديدة . علينا جميعا أن نتعلم من الكوارث دروسا , ومن الأمراض صحة , ومن التجارب حكمة ... وأول هذه الدروس العودة إلى إرادة الشعب وبسرعة .