نشر بتاريخ: 15/02/2016 ( آخر تحديث: 15/02/2016 الساعة: 23:11 )
الكاتب: إبراهيم المدهون
أصعب شيء على الكاتب أن يحاول الكتابة عن موضوع فلا يستطيع. يكتب ويمسح ثم يكتب ويمسح وكلما كتب يجد عباراته وكلماته أنها أقل ألف مرة مما يريد، وما خطه ليس بالمستوى المطلوب ومهما حاول لا يستطيع، فكيف اكتب عن محمد القيق وهو المضرب عن الطعام لأجل الحرية أكثر من 82 يوما وما زال صابرا محتسبا متحديا عنجهية الاحتلال؟!
في مثل هذه النماذج القليلة يصمت الكلام، ويتوقف اللسان، وتتكسر الاقلام/ ويجف الحبر، ويعلوا صوت القلوب المندهشة لعظمة هؤلاء، وقدرتهم على الصبر والتحدي والمواجهة، فأي عزيمة يمتلكون؟! وهل هم من لحم ودم مثلنا؟! أم أن دمهم انقى واعظم واكثر احتمالا منا؟ وكيف يستطيع أن يراقب الساعة تلو الساعة فلا يأكل ولا يشرب ولا يتناول إلا الماء ليعينه على التنفس، حتى أنه لم يقوى على النهوض ولم يستطع الكلام إلا بصعوبة، ومع هذا يقول للاحتلال لا.
ما يميز محمد رفضه أن يعيش راكعا ظلما ولو ليوم واحد، وأخذ بالعزيمة ليحطم جبروت الاحتلال بكبرياء قل نظرية، وبقدرة على الصبر يصعب تكرارها، لهذا أضحى أيقونة ورمز وتعزز حضوره بسلاسة، فدخل كل قلب فلسطيني وامتلأت الألسن بالدعاء له، وهكذا تتميز الشخصيات الاستثنائية وهذه العلامات الفارقة المهمة في تاريخ الأشخاص والحركات الانسانية.
ما يحققه محمد القيق اليوم ومن قبله العيساوي والشراونة والسكسك وهناء شلبي وخضر عدنان لم يسبق له مثيل ويعتبر قفزة في عالم الإرادات ومواجهة السجان الظالم بابتسامة حنونة، وقلب موجوع وأمعاء تجوع ولكن بلا ركوع، فاليوم نحن أمام أسطورةٍ إنسانية بالدرجة الأولى ووطنية وعربية تتقدم بخطوات واضحة ومؤثر، فيجب أن تُحفر تجربة القيق في الوجدان البشري، وترسم صوره وينقش اسمه مع عظماء التحرر العالميين كعمر المختار وغاندي ومنديلا.
محمد القيق اليوم رمز فلسطيني يجمع ألوان العلم ورائحة التراب ووجه الجليل والخليل، وفي عيونه أنات غزة وصمودها، وثورة نابلس وكبريائها وآذان الاقصى وتكبيراته وأجراس القيامة والمهد، هو حلم الأطفال في أزقة مخيم للجوء في لبنان وعمان.
وكم أتمنى أن نكون على قدر محمد، فيُستثمر صموده الأسطوري المذهل ووجهه الشاحب وعيونه الغائره لنرسل رسالتنا النقية الصافية بطهر وعفوية القيق وصموده، ليكن سفيراً لمعاناتنا وأحلامنا.
ما حققه محمد القيق من انتصار هو درس لنا أننا نستطيع كشعب أن نصمد ونصبر حتى نحقق هدفنا في التحرير، فان جاع وتألم ومرض ووهن ولم ينثني أو يتراجع، فعلينا أن نستلهم هذه الإرادة الفردية لمجتمع يستحق أن يتحرر مهما دفع من ثمن.