نشر بتاريخ: 16/02/2016 ( آخر تحديث: 16/02/2016 الساعة: 22:44 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
بادئ ذي بدء ان الاضرابات ليست مصيبة وليست وباء يجب محاربته ، وليست سوى حق من حقوق الافراد والجماعات في اطار حق التنظيم والتعبير عن شكل مقبول من أشكال المطالبة بالحقوق او الامتيازات أو الصفقات التي لا تنص عليها القوانين واللوائح .. وتكثر الاضرابات في اي مجتمع حين تشعر فئات أو طبقات بانحسار العدل الاجتماعي والاقتصادي وحتى النفسي . وتنحسر حين يعم الخير والسؤدد والعدالة الاجتماعية او حتى " عدالة التوزيع " . ولذلك نادرا ما نجد اضرايات في الكويت والنرويج وقطر وغالبا ما نجدها في اسرائيل وغزة ورام الله وامريكا وتشاد وغيرها من الدول التي تعاني من شح الموارد او غياب عدالة التوزيع . وهناك دول تقمع الاضرابات وتضرب المتظاهرين بالعصي على رؤوسهم وينطبق عليها اسم " عصابة متخلفة " وهناك دول تدعم الاضرابات وتلتزم بحق التظاهر وان كانت ضدها وهذه تسمّى " دولة " .
وكلما انتظم عمل البرلمان كلما انحسرت الاضرابات ، وكلما كان البرلمان بلون واحد ( اسرائيل مثلا ) فان النقابات تأخذ حجما أكبر من حجمها ، فتراها تقود اضرابات طويلة وشاقة ومؤلمة ( اضراب الموانئ واضراب المطارات ) وقد تتحوّل احيانا من جني الفائدة الى نيل الأذى والتعطيل ، ومن أشهر الاضرابات حركة تحطيم الماكينات في سيليزيا بأمريكا حين اعتقد العمال ان تطور الالة والصناعة سوف يؤدي الى طردهم وقطع لقمة العيش عن أطفالهم فقاموا وحطموا الماكينات الصناعية المتطورة ، ومن اشهر الاضرابات اضراب العمال في بولندا والتي قادها ليخ فيليسا ضد الاشتراكية ، وأما الاضرابات في العالم العربي فهي الاف لا تعد ولا تحصى ، ومن اشهرها اضرابات العمال في لبنان الى الاضرابات في معظم الدول العربية دلالة على غزارة الانتاج وسوء التوزيع وعدم وجود عدالة الحياة والضمان الاجتماعي والطبي والاقتصادي وحتى الرفاهي .
ونحن في فلسطين ، عادة ما نعيش عدة أيام شبه طبيعية بين كل اضراب واضراب ، فالاصل هو الاضرابات والتظاهرات والشاذ هو عدم الاضراب .. وما ان نخرج من اضراب سيارات الاجرة حتى ندخل في اضراب سياسي للاسرى في سجون الاحتلال حتى ندخل في اضراب الاطباء ، ومن الاطباء الى الكوافير ، وتعلمون جيدا فترة حكومة الدكتور سلام فياض كيف خرجت الاضرابات من ظهراني الموظفين الحكوميين وشلّت الحياة ، وكم كانت صدمتنا كبيرة قبل أشهر حين اضرب نشطاء حقوق الانسان في رام الله احتجاجا على عدم وجود حقوق انسان في مؤسسات حقوق الانسان .ثم عشنا جميعا اضراب جامعة بيت لحم ، واضراب الاسير محمد القيق ، وبالتأكيد ان اضراب المعلمين لن يكون اول ولا اّخر اضراب .
الحكومات قاصرة ، حكومات التكنوقراط وحكومات فتح وحماس ، ومؤسسات اليسار ليست بمنأى عن ذلك ، كما ان المؤسسات الرأسمالية والغنية لم تعد تختلف عن المؤسسات التي تعيش على الاعاشة ، فالجميع يعيش حالة انكار واتهام بانها ربما مسيّسة ، والاجدر ان نقول : ولنفترض انها مسيّسة فعلا وان الجبهة الديموقراطية وحماس وجماعة دحلان وقى خفية تقود اضراب المعلمين . فأين المشكلة ؟ وهل هناك مانع اذا ايدت هذه القوى اضراب مطلبي للمعلم الفلسطيني ؟
ان غياب الموارد هو العامل الاول في كل الاضرابات ، وسوء الادارة هو العامل الثاني ، وعدم وجود تخطيط استراتيجي هو العامل الثالث .. وان الاتحادات والنقابات والحكومات والموظفين والوزراء لا يختلفون عن بعضهم البعض ، كما لا يختلف سلوك اي مسؤول في غزة عن اي مسؤول في رام الله ، وان العمال لا يختلفون عن العمال في الضفة كما ان الاغنياء في كل مدينة يشبهون بعضهم البعض .
عاجلا ام اّجلا سيتم التوصل الى حل اضراب المعلمين ، وعاجلا ام اّجلا سيتم حل مشكلة الاضراب الذي بعده ، كما تم حل معضلة الاضراب عن الطعام في جامعة بيت لحم .والاضراب الذي قبله .
برأيي ان الاهم . أن تعيد الحكومات حساباتها بروح شفافية الموازنة عدالة التوزيع ، وان تعيد الاتحادات استراتيجية عملها على أساس تعزيز صمود المواطن . والا فان هذه الاضرابات ستولد اضرابات غيرها وسنعيش دوّامة الاستنزاف بشكل ينهك قوة المجتمع ومخزون البقاء تحت الاحتلال .
مؤقتا ، من المفيد تفعيل محاكم العمل بشكل مهني لحل الازمات في الوظائف الحكومية والخاصة والجامعات وحتى المنظمات غير الحكومية ، الى حين استعادة الوحدة الوطنية باعتبار ان ما يحدث انتفاضة ، وباعتبار ان الانتفاضة ظرف طارئ .