الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحب الفلسطيني

نشر بتاريخ: 18/02/2016 ( آخر تحديث: 18/02/2016 الساعة: 13:43 )

الكاتب: عيسى قراقع


في عيد الحب 14/2/2016 سقط 6 شهداء فلسطينيين في عمليات اعدام متعمدة على يد جنود الاحتلال الاسرائيلي، وامتقعت الارض والسماء بالدم الاحمر ساخنا متدفقا في شهوة عناق بين الوردة والروح في فلسطين المحتلة.

في عيد الحب، هناك امرأة ترضع الوقت والناس احوالها، ترسم الدليل للطريق الى المستحيل ، والتراب الذي كان صمتا ونوما هو ذا الآن ينطق، يفتح اجفانه يتغلغل تحت ثياب الشهيد او الشهيدة، في القدس ونابلس وجنين ورام الله وبيت لحم والخليل وغزة.

كل شيء احمر ، لون يحمله الاولاد والبنات خارجين من المدرسة، ابعد من جدار وبوابات شائكة وحواجز وحديد، ويأخذ الحب الفلسطيني بأيديهم كي يتخلصوا من قيد وسجن، يقدمون اجسامهم اوتارا للشمس، ينتشرون ويغتسلون في الضوء.

في عيد الحب، عاد الشهيد الى الشهيدة، في جسده عشر رصاصات وشلال من الدم، وعادت الشهيدة الى الشهيد في جسدها شوق وحنين، تقول له: ياشهيدي الحبيب، لقد اقنعت جسمي ان لا يكون سوى واحة يتنزه جسمك فيها، واقنعت نفسي ان تكون حارسا لك الى الابد.

في عيد الحب ، زخات من الرصاص تسمع في كل مكان ، وتسقط الفتاة ياسمين رشاد الزرو جريحة امام بوابة الحرم الابراهيمي في الخليل، ويسقط نعيم صافي على حاجز مزموريا المؤدي الى مدينة القدس شمال بيت لحم، ويسقط الشهيدان الطفلان نهاد واكد وفؤاد واكد فوق سياج الفصل العنصري في قرية عرقة قضاء جنين، الدم ظل ينزف ويسيل بين الحصى والتراب، دفاتر المدرسة تفتحت بالاحمر واستقبلت الربيع.

في عيد الحب تسأل الحبيبة الحبيب: هل انت حيّ؟ رأسي مليء بفراغك، اعطني جرحك ودثرني، حك ظهري يا كوكبا يعود، خذني كي نخط لغات السماء بيد حرّة، لغة الحب والحدائق والاشجار، وازرع الوعد ولا تنتظر.

في عيد الحب ، لا انوثة لذكورة الوقت، رجال يتكلمون مع ابديتهم، ونساء يغازلن ثياب الراحلين، هكذا يبدو الحب في فلسطين، كأنه ليس اكثرمن عاطفة للموت.

في عيد الحب، فتحت تلك الكبسولة المهربة من حبيبها في سجن عسقلان، اشعة من كلمات تقف خلفها انفاس الحبيب الاسير، هواء داخل الهواء، شمس حريته ساهرا على انفاس حبيبته، لا تراه الشمس، لكنها تراه ضوء آخر لأحلامه، مهما انفصل عنها يظل فيها، رأت جسدها فيه ليس مفردا بل مثنى.

في عيد الحب، غيم كلماتها يمطر في جسده الربيعي، تعيد ابتكاره وتراه عشبة في آخر الحقل على ضفاف ينابيعها، جميل لا بجسده بل بروحه تشرف على حقولها، ساهرا على حديقة جسدها.

الفلسطينيون ينامون على اجسادهم في العراة كاملين بدمهم وثيابهم وبموتهم ، يعشقون الموت في حضن امرأة تسمى فلسطين، بينما الاسرائيليون ينامون على اجسادهم في الثكنات خائفين، ترفضهم ارض ميعادهم، لا غد في الامس ولا وسادة في الهوية.

في عيد الحب يهدي الاسير محمد القيق وردة من ملح و جوع الى العشاق في العالم، يفك قيود الورد من البستان، ينادي الطير في جسده ويطير، هناك في قمة الحياة عاليا يلتقي العاشقان في حفلة البرق، صوتان في جسد واحد.

في عيد الحب يعلق الشهيد وردته على جرس الكنيسة ويرتل ما بقي من ايامه في موسيقى الصلاة، ويقرأ رسالة حبيبته البعيدة: المس صدري، شمّ دمي، ايقظ نجوم عينيّ، جسمي صار فضاء.

في عيد الحب يعود الجندي الاسرائيلي الى حبيبته في منتصف الليل، ويحتفل امام الف جثة ورصاصة وانتصار، يقول لها: احبك اكثر كلما عدت بقتلى فلسطينيين اكثر، يملأون جنوني وكأسي، حرريني من اشباح الموتى في دولتي التي تجلس فوق جثث الارض والسماء.

في عيد الحب ترفع الشهيدة كلزار العويوي رأسها، تتحرك كذبيحة في الخليل اعدموها، التفوا حولها مبتهجين ، نجمة داود الحمراء صارت سوداء، وظلت تنزف حبا، يصير دمها فراشها وتنام كملاك.

في عيد الحب، في الشوارع وفي البيوت وفي القبور ، اسمع اصوات موتى تتعانق ارواحهم ، يزورون القدس والناصرة، واسمع اسرى في السجون ينشدون لحبيباتهم على شبك غرف الزيارة، يهمسون ويبتسمون ويشيرون بأصابعهم الى ذكريات وقبلا طائرة.

في عيد الحب ، كان لهما موعد ومشوار وكلمات دافئة ، المسافة بين الجسد والجسد لا تتعدى رصاصة قناص مقنع يصطاد المحبين الجالسين على حجر او جذع شجرة، لم يلتقيا ابدا، قصائدهما نطقت في الآخرة.

في عيد الحب قال لها:
باسمك استقبل موتي
اتزوجك...
جسدك يتحرك داخل جسدي
الآن خذي بيدي