نشر بتاريخ: 20/02/2016 ( آخر تحديث: 20/02/2016 الساعة: 14:51 )
الكاتب: ثروت زيد
سكن الليل وانكمش الحراك على الطرقات، تهاوت شمس النهار مهرولة نحو الغرب كما الباقين ولا عجب، فالكل يقصد قبلة الغرب حتى قمر الليل في حراك بلا نضب، اعتقد المنتفخون بعد أن فقدوا بوصلتهم أن الشمس نامت وتستفيق باستشارة خبير قادم من وراء المحيطات، ولولوا حسدا لفرحة الفقراء والمعدمين لمجرد أن جمعتهم كثرتهم، شفاه ملساء تتحسس التضليل كي تموت البسمة على محيا أطفال يلعبون بحواري وأزقة المعوزين، تعالت الأنا بالعودة لعزلة الذات بحجة أن الحليم يبيت حيرانا، ويتعلق بأذيال حلمة لينثر الرمل على جرح صبر يتوجع من لهيب الاغتراب، وسال القطر من عشق حياة الصابرين كزيت الصخر الجيري.
تشتد العتمة في أزقة مدينتنا، واستنفر المتمترسون في صوامع بنوها ليتكسبوا في ظلالها الجاه والعزوة بعد أن خسروا كل الغراس، يلمع بسماء المدينة وهج كالشرر، ومع ارتفاع الحرارة الكامنة في أكوام الغش تزداد مخاوف الحريق، إرباك يدفع إلى حراك عشوائي دون نظام، ليس لدى أصحاب السوق إلا أدوات بدائية لإطفاء الحريق، ناهيك عن قلة في خبرة التعاطي مع ظروف استثنائية في وقت تخطاه الزمن، ورغم استثارة الهمم والاندفاع العفوي للحرس النائم، إلا أن الجمر ينذر بتطاير الشرر والدعاء بطير أبابيل ترميهم بمياه تخمد النيران لن تكفي عن الإرادة والدراية وحسن التدبير.
يلتف البسطاء بالشعاع المنعكس من قصور ارتفعت على أكتافهم، يمتعون البصر بوصف حياة من أنعم عليهم، فقد عملوا بكد في حديقة منازلهم أو بتشييد بنايات تعانق الغيم، لم تتح لهم فرص التمتع بشواطئ البحر، والشوق يكوي الفؤاد لفراق طال أمده لعروس البحر. لن أقبل بديلا عن ريح البرتقال الساكن في ذاكرتي، وأتجول بحلمي على الشاطئ الغربي دون أن المس حبات الرمل حتى لا أخدش حياء مدينتي، أبحث بمكنونات الموج الموسومة بأسماء الأصالة ولا أجد عنواني، ناجيت الزمن المتراكم باسم كل الأبرياء متسائلا عن مدينتي، أنت موطني وأنا أنت، جاء صوت لم يمت يوما من أعماق بحري له صدى يلاطم كل الغيوم، يعتلي كل الهموم، إننا لسنا كالموج مارون، ولا كهبات الريح ذاهبون، بل من جوف الأرض وحتى عنان السماء وحواصل الطير للأبد باقون.
لست خجولا أن أبوح بحب متأصل لمدينة هي حلمي، أهرب من واقعي المعتل بكل المتناقضات لأناديها طوال نهاري وليلي، أخشى أن تتألم بفعل الحروف المتطايرة العالقة بهبات الغربي القادم رغما عني، أخاف عليها من لمعان قناديل الليل الموحش من ضيق الحال، وأخشى من عتمة ساحل ورمال مصفرة بلا بحر كانت بقايا أول النبع، وأثار جرف سحيق هو مجرى النهر حتى البحر، سأبقى بين شهيقي والزفير أنطر أرضك وحلمك وابتسامتك، لن يصدأ قلب عاشق كنت سطح سماه، وأفترش الأرض ليكون وجه أرض أرضك.
تتجسدين بكل معاني الرفعة شامخة كعادتك أمامي الآن، لا تأبهين بكل محاولات التوهان لركوب موج من فوق موج، رغم أن العارفين بمياه البحر يعلمون أن الموجة لا تموت، لكنها توفر فرصة الهيجان لقرينتها بتتابع لها تصل الشاطئ وتحمل لمدينتي معاني الوفاء، ونقسم بدم الشهداء والأبرياء أن الغد يحمل بشرى البقاء، وننسج من حبات الفؤاد أجمل الألحان، ويتجول في مدينتي الأطفال بكل حرية وأمان، لا نساوم على مستقبلهم ولا نقايض بمصالح الزيف عنوانها، توحدت الروح بمدينتي، ووفاء لياسمينة أمي وابتسامتها، لن أكتفي بقراءة الفاتحة على تربتها، وإن كان الغياب عنها لي فإني سأعود إلى الذات بهدوء فلا وخز يوجع نومي إلا كل ما في الكون إلا أنت مدينتي.