السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

البحث عن خارطة الكنز في خنادق حلب

نشر بتاريخ: 21/02/2016 ( آخر تحديث: 21/02/2016 الساعة: 10:13 )

الكاتب: فادي أبو بكر

يمكن اعتبار معركة ستالينجراد التي وقعت بين ألمانيا النازية وحلفائها، والإتحاد السوفييتي في مدينة ستالينجراد من عام 1942 و حتى 1943 المعركة الأكثر دموية في التاريخ البشري نتيجة لعدد القتلى الكبير الذي فاق 1.5 مليون قتيل. وتعتبر هذه المعركة جزء من المعارك التي دارت في الحرب العالمية الثانية، ويجدر الإشارة إلى أن أكثر من 20 دولة من مختلف قارات العالم شاركوا في هذه الحرب بشكل رئيسي. وعليه ونظراً للمعارك الدامية التي تجري في سوريا و عدد الدول التي تشارك في هذه المعارك اليوم فإن حلب السورية تمثل ساحة القتال الأشرس حالياً، و يمكن القول أنها تمثل ساحة القتال الرئيسية للحرب العالمية الثالثة.

إن كان عدد المشاركين في الحرب العالمية الثانية حوالي 24 دولة، فإن عدد المشاركين في حرب سوريا يتجاوز هذا العدد بكثير، فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يتكون من أكثر من عشرين دولة، وفي الجهة المقابلة هناك سوريا،روسيا، إيران، الصين ولبنان. وعندما نقول الدولة المشاركة فلا يعني ذلك بالضرورة الجيش النظامي لهذه الدولة، وإنما الميليشيات النظامية وغير النظامية كما هو الحال بالنسبة لحزب الله اللبناني و الميليشيات الكردية على سبيل المثال.

إن هذه الحرب معقدة بشكل كبير فمشاركة كل دولة فيها حكاية لوحدها، إلا أن وصفها بالعالمية جائز لما ستخلفه من آثار على الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم.
المدن السورية وعلى رأسها حلب أصبحت نبع من الألم، فالقتلى والمهجرين من المواطنين الأبرياء بالملايين. من جانب آخر فإن سوريا باتت نبع من الذهب، فداعش تسيطر على النفط وتستفيد من خيرات سوريا، وتركيا تلعب دور السمسار وتبيعه لها في الخارج.
وصل تعداد المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا إلى مليون مهاجر في العام الماضي، في حين أن هذا العام شهد تزايدا غير مسبوق في أعداد المهاجرين حول العالم ليصل إلى أكثر من 2.5 مليون شخص، ومن المتوقع أن تزداد موجات الهجرة، وهذا بحد ذاته يعد نبع من الذهب بالنسبة إلى دول أوروبا لما تعانيه من الشيخوخة وبالتالي هب بحاجة ماسة إلى أيدٍ عاملة وشابة.

الحرب في سوريا تدخل اليوم منعطف تاريخي، والعالم كله يترقب ما يحدث في حلب، لأن التأثير سيشمل الأقليم بل العالم كله. حلب تحولت إلى ساحة قتال بين أعظم قوى في العالم، وداعش المبرر السخيف لتدخل هذه القوى في حلب، إلا أن المسألة أكبر من داعش بكثير. الصراع الجاري هو صراع قوى عظمى، والقوى الأخرى توزعت بين القوى العظمى بما يتناسب مع مصالحها وطموحاتها في المنطقة.

المحور الأمريكي في مقابل المحور الروسي، إما أن تكون أو لا تكون، هكذا هي معركة حلب بالنسبة للمعسكرين المتضادين. وسوريا تعد آخر المعاقل التي تبقت لروسيا، وإن فقدتها فقدت قوتها على الساحة الدولية، وكما تقول القاعدة "من امتلك الميدان، امتلك تحسين شروط التفاوض"، فيبدو أنه اليوم من امتلك حلب امتلك قوة تأثير عالمية.
تركيا انضمت إلى المحور الأمريكي، لأنها تريد القضاء على أي امتداد كردي قد يصلها من شمال سوريا، إضافة إلى تخوفها من فقدان لواء الإسكندرون إلى جانب السمسرة مع داعش والاستفادة من تجارة النفط التي تجريها.

الحقيقة التي لم يستوعبها العالم (ولم نستوعبها نحن) هو ان معظم المسلمين في العالم ليسوا ايرانيين ولا سعوديين. عدد المسلمين في الهند فقط يعادل عدد المسلمين في ايران والسعودية! ولهذا تصوير الصراع بين السعودية وإيران بأنه صراع بين طائفتين يعني توريط ديانة كاملة بكل تنوعاتها العرقية والتاريخية في صراع سياسي بين دولتين. وهذا هو هدف السعودية من وراء الوقوف مع أمريكا واختراع ما يسمى بالتحالف الاسلامي لمحاربة الإرهاب. حيث أن السعودية تعتمد مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" بعيداً عن أي منطلقات دينية أو قومية أو حتى وطنية.
إيران مهما ناورت مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها تناور من أجل ضمان الحفاظ على حصتها في سوريا سواء كانت هذه الحصة مادية أو متعلقة بطموحها الإستراتيجي والديني في المنطقة والأقليم ككل.

حلب باختصار هي كلمة السر للخارطة السياسية والاقتصادية والعسكرية الجديدة للعالم بأسره، واسرائيل تخشى أن ينتصر المحور الروسي ومن معه، لأن هذا يعني امتلاك الفلسطيني الحق في تحسين شروط التفاوض. قضية فلسطين تبقى مهما كان قضية مركزية، إن لم يتم إيجاد حل عالمي لها، سيكون هناك مائة حلب ومائة حرب في الطريق، فهل تكون حلب منبع النصر لفلسطين في نهاية المطاف؟.
العالم يعيش في اللهيب وهو يترقب ما سيحدث بعد حلب، ففي خنادق حلب تتواجد خارطة الكنز، فمن سيجد هذه الخارطة يا ترى؟.