السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

وقفات في رحيل هيكل

نشر بتاريخ: 21/02/2016 ( آخر تحديث: 21/02/2016 الساعة: 13:51 )

الكاتب: إبراهيم المدهون

توفي الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل. والذي لعب أدوارا سياسية كبيرة ودخل السلطة من بوابة الثقافة والصحافة، وكان قريبا جدا من أذن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويعتبر أخلص رافقه، وبقي ممتنا لعبد الناصر حتى وفاة الرئيس، وفي المقابل قربه من الزعيم فتح له الأبواب المؤصدة، وجعله يطلع على ما لا يطلع عليه اي كاتب آخر بل وأي سياسي أيضا، وكلفه بمهام وأدوار مهمة ودقيقة، كمندوب شخصي استطلاعي للرئيس، أو حمّال رسائل في أوقات مفصلية ولشخصيات مؤثرة، فمنحه هذا القرب وهذا الدور فرصة كبيرة ليسطع نجمه ويتألق، فيكتب ويستشرف ويوجه عن كل شيء في السياسة، ويقابل زعماء وشخصيات قل أن يقابلهم مثقف وكاتب كما ونوعا، ويطلع على أسرار من العسير الوصول إليها.

ميزة المرحوم هيكل أنه انتقائي ذكي، وقادر على تطويع الحدث لجوانب تخدم توجهاته الخاصة ووجهة نظره، فيعرضها بمهنية واقتدار ومنطق، فيتجاهل شيئا مهما ومركزيا ويركز على تفاصيل هامشية بعيدة عن جوهر الحدث، ليظهر الأمر كما يريد له أن يظهر، كما يمتلك هيكل لغة استعراضية محببة للنفس، فيها جانب أدبي مميز يظهره كروائي متمكن في استحضار الأحداث وتصويرها، ويُضخم من الأنا بشكل لافت وذكي في توضيح قربه للمسؤولين والملوك والزعماء والقادة، ويستطيع ان يكتب عنهم بمهارة.

كما أن هيكل منظم جدا، يستيقظ فجرا ويمارس الرياضة ويرتب جدوله بانتظام دقيق، يوثق كل حدث بملفات مؤرشفة، ويراكم فيها الاحداث والتفاصيل معلومة معلومة، ويستدعيها لحظة الحاجة، وهو مراوغ من الدرجة الأولى ومجامل وفي الوقت نفسه، ينتقم بطريقة مكثفة عبر تشويه الشخصيات في كتبه وأبحاثه، كما ظهر في خريف الغضب حيث أبدع في هز صورة الرئيس أنور السادات.

عيب هيكل الأبرز موقفه من الإخوان المسلمين، فكان له دورا مؤثرا في إقصائهم عن الحياة السياسية إبان الرئيس عبد الناصر، كما أن له دور رمزي في عهد الرئيس السيسي، وربما تضخم هذا الدور إعلاميا عنه واقعيا، فلم يخرج حسب اعتقادي عن دور الاستشارة والمباركة والتعزيز.
ولا شك في أنه يبالغ في الحديث عن عبد الناصر كثيرا، ويمجده اكثر مما يستحق بل ربما هو من ساهم بصناعة الديكتاتور اعلاميا وثقافيا، في الوقت نفسه يتجاهل ذكر الاخوان في كتاباته أو التركيز عليهم، كما أنه أهان الرؤساء مبارك والسادات في كتبه عنهم، فما اغضبه من السادات اعتقاله ومنع كتبه، وما اساؤه من مبارك تجاهل النظام له وإهماله.

يحسب لهيكل أنه احترم حماس ومقاومتها، واعتز بها ومدحها في أكثر من لقاء وقابل زعمائها ومن أبرزهم لقاءاته المتكررة واستضافته للدكتور محمود الزهار، وتقديم بعض الاستشرافات التي لم تعززها الوقائع.

ومهما اتفقنا أو اختلفنا مع هيكل فإنه علامة بارزة في تشكيل وجه المشرق العربي في القرن الماضي، كما أن كتاباته ثرية وغنية، ولا يستطيع أي مثقف عربي أو صحفي أو حتى سياسي تجاوزها والقفز عنها.