نشر بتاريخ: 21/02/2016 ( آخر تحديث: 21/02/2016 الساعة: 14:50 )
الكاتب: سفيان أبو زايدة
حاولت الحصول قبل البدء بكتابة هذا المقال على نص خطبة الجمعة لرئيس الوزراء السابق و نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد اسماعيل هنيه، لكن و على غير العاده لم يكن هناك بث مباشر و لم يكن هناك تصوير لهذه الخطبه على الرغم من اهميتها سيما انها في الغالب ما تكون سياسيه اكثر من طابعها او مضمونها الديني.
لكن وفقا لما تناقلته وسائل الاعلام ، قال فيما قال بأنه ليس هناك حرب في الافق على غزة و ان هناك تقدم في المباحثات الجاريه بيت الاتراك و اسرائيل فيما يتعلق ببناء ميناء في غزة ، و لان الحرب و الانفاق كلمتان مترادفتان ، اضاف الشيخ ابو العبد هنيه بأن كتائب القسام اكتشفت مجسات و كاميرات تصوير تحت الارض تستخدمها اسرائيل للكشف عن الانفاق.
لمعرفتي ومتابعتي لما يجري ، على الرغم من الادراك المسبق انه هناك الكثير من الامور تسير بعيدا عن الاعين و بعيدا عن الاعلام ولان ابو العبد بحكم الموقع السياسي و التنظيمي الذي يشغله لا ينطق عن الهوى وان هذا التقدير الجازم و الحاسم بأبتعاد شبح العدوان على غزة في المستقبل القريب نابع من معلومات مؤكده لديه جعلته يقول ما قال.
رسالة ابو العبد هنيه لم تكن فقط رساله الى ابناء الشعب الفلسطيني بشكل عام واهل غزة بشكل الخاص الذين اخر شيء يريدونه اضافه الى كل هذه المصائب التي يواجهونها هو عدوان جديد على غزة ، لقد كانت رساله سياسيه موجهه ايضا الى اسرائيل التي اوصلت رسائل واضحه من خلال قنوات اتصال اصبحت شبه علنيه بأن الحبل قد تم شده الى اقصى مدى و ان الانفاق و استمرار تشييدها خاصه التي تقترب من الحدود ستكون سبب في نشوب حرب رابعه وان كانت لا تسعى لها حماس و لا ترغب بها اسرائيل.
شبح الحرب ابتعد في المرحلة الحالية للعديد من الاسباب ، سواء العسكريه او الاستخباراتيه او التكنولوجيه او السياسيه و كذلك الاقليمية. في اسرائيل تراجع الحديث بشكل كبير حول خطورة الانفاق و امكانية وصولها الى الطرف الاسرائيلي، و تراجع الحديث عن قلق سكان غلاف قطاع غزة و سماعهم اصوات حفريات من تحت بيوتهم مما ادخلهم في حالة رعب، و تراجع حديث الخبراء العسكريين عن وضع سيناريوهات لمعركة قادمة بسبب الانفاق التي كانت وشيكه، خاصة بعد تحول النقاش في الكابينت الاسرائيلي المصغر قبل حوالي الشهر الى نقاش علني و الذي ناقش الوضع على حدود غزة و المواجهه العلنيه بين زعيم المستوطنين نفتالي بينت و وزير الدفاع يعلون، حيث ما يهمنا هنا هو التأكيد على ان النقاش حول نشوب حرب من عدمها كان يناقش في اطار اعلى و اهم هيئه قياديه في اسرائيل.
تراجع الحديث في اسرائيل عن احتمالية الدخول في حرب بعد سلسله من الخطوات التي تم اتخاذها ليس فقط لطمأنة الجمهور الاسرائيلي، خاصه التجمعات السكنيه المحيطه في قطاع غزة، بل ايضا كل اصحاب الرؤوس الحاميه لديهم مثل نفتالي بينت و ليبرمان. من ضمن هذه الخطوات ارسال وزير الماليه موشي كحلون الذي عقد اجتماع مع رؤوساء المجالس المحليه في الجنوب و ابلغهم ان لا قيود في وزرارة المالية على تخصيص اي مبلغ او موازنه لاي عمل يمكن ان يؤدي الى حمايتهم، سيما ان تقرير مراقب الدولة في اسرائيل اعتبر ان هناك قصور فاضح لدى اجهزة الدولة في مواجهة خطر الانفاق.
تزامن ذلك عن الاعلان عن تبرع امريكي سخي بمبلغ مئة وعشرين مليون دولار لتطوير منظومه دفاعية حديثه بدأت اسرائيل بتطويرها على غرار القبة الحديدية ومعطف الريح ، تساعد في الكشف المبكر عن الانفاق، حيث ليس من المستبعد ان المجسات و كاميرات التصوير التي تحدث عنها ابو العبد هي جزء من هذه المنظومه قيد التطوير. هذا ما يفسر ايضا على ان الجيش الاسرائيلي و اجهزة الامن كانت الاقل تطرفا بالمقارنه عن مواقف بعض السياسيين لديهم ، على الاقل فيما يتعلق بالحديث العلني عن امكانية تجاوز هذه الانفاق وتخطيها للحدود من الجانب الاخر. لقد تحدثوا بنوع من الثقه على ان الامر تحت السيطره و لاداعي لحالة الهلع ، بل هناك من المح على ان اياد اسرائيلية خفيه قد يكون لها دور في انهيار بعض الانفاق خلال الاسابيع الماضيه.
شبح الحرب لا يلوح في الافق وذلك على ما يبدو للجهود التي بذلها المبعوث القطري الدائم لقطاع غزة السيد العمادي المسؤول عن المشاريع القطرية لاعادة اعمار قطاع غزة. لم يعد الامر سرا بأن السيد العمادي يشكل حلقة الوصل الاساسيه بين اسرائيل وحماس، يتجاوز موضوع الاعمار. هو يأتي عن طريق الاردن و يمر عبر تل ابيب و يلتقي مسؤولين اسرائيليين، خاصه منسق شؤون المناطق الجنرال يؤاف ( بولي) مردخاي قبل ان يصل الى غزة. حماس التي تعاني من حصار ، خاصه في ظل القطيعه في العلاقه بينها و بين مصر بأمس الحاجه الى هذه القناة ، سيما ان اخر شيء تريده قطر في ظل هذه الظروف الاقليميه هو ان تدخل حماس في مواجهه مع اسرائيل . الاولوية بالنسبه لهم هو التركيز على ما يجري في المنطقه من احداث و تطورات خطيرة تتدخل فيها قطر بشكل فاعل، خاصه في الملف السوري و اليمني. اي تصعيد في غزة لا يخدمهم و ربما كانت رسالة قطر واضحه و قاطعه بأنهم غير معنيين بهذا التصعيد.
الحرب لا تلوح بالافق و ذلك بسبب تقدم المحادثات بين تركيا و اسرائيل على طريق تطبيع العلاقات و اعادتها الى ما كانت عليه قبل انقطاعها على اثر الاعتداء الاسرائيلي على السفينه التركيه مافي مرمره قبل حوالي ستة اعوام. خلال هذه السنوات كانت اسرائيل هي المعنيه في اعادة هذه العلاقات باسرع وقت ممكن لاهميتها الامنيه والاستراتيجيه و الاقتصاديه بالنسبة لهم.
اليوم و في ظل التوتر الروسي التركي و التهديد بأمكانية نشوب مواجهه بين روسيا و تركيا اصبحت تركيا هي المعنيه اكثر بهذه المصالحه او اعادة العلاقة مع اسرائيل كما كانت في السابق . و لان غزة كانت السبب المباشر في القطيعه بين الطرفين فأن من الطبيعي ان تكون غزة حاضرة على طاولة المفاوضات بين الاتراك و اسرائيل.
تركيا تدرك ان الامور قد اختلفت ، وانها لن تحصل على كل ما تريد من الاسرائيليين في كل ما يتعلق بفك الحصار عن قطاع غزة، على الاقل دون ان يكون هناك استجابه للشروط الاسرائيلية. اخر ما تريده تركيا في المرحلة الحالية هو دخول حماس في مواجهه مع اسرائيل سيكون لها تأثير سلبي مباشر ليس فقط على الجهود التركية و محاولتهم دمج غزة في صفقة تطبيع العلاقات ، بل ايضا قد يعطل عملية التطبيع.
الاولوية التركية هي التركيز على ما يجري في سوريا بعد ان اصبحت روسيا بما تملكه من امكانيات عسكريه ضخمة طرفا مباشرا في هذا الصراع و يشكل خطر استراتيجي على ما حاولت تركيا تحقيقه طوال سنوات الحرب الدائرة على الارض السوريه.
تركيا كما صرح الشيخ اسماعيل هنيه حققت تقدما ملموسا في مفاوضاتها الجاريه مع اسرائيل فيما يتعلق بانشاء ميناء بحري في غزة يشكل احد الوسائل المهمه لكسر الحصار . من غير المعروف ان ما يتم انشاؤه اليوم من لسان بحري في منطقة الواحه على شاطئ بحر غزة له علاقة بهذه المفاوضات ام لا. في كل الاحوال التحضير لبناء ميناء و تقدم في المفاوضات بين تركيا و اسرائيل يتناقض تماما مع اجواء الحرب او الدخول في مواجهه عسكرية تؤثر بشكل مباشر على العلاقة مع الاطراف المختلفه .
اسرائيل لا ترفض من حيث المبدأ انشاء ميناء في غزة . بالنسبه لها الامر يعود بالفائده الكبيره عليها، و قد يعفيها من مسؤوليتها تجاه القطاع ، وقد يعزز من الفصل التام بين غزة و الضفه اذا لم ينته الانقسام ، ولكن هذا الامر لن يحدث قبل ان تطمأن اسرائيل بان هذا الميناء اذا ما تمت الموافقه عليه و تم انشاؤه لن يستخدم في ادخال اصناف جيدة من الاسمنت التركي او انواع اكثر جوده من الاخشاب و الحديد و الخرصينه لتشييد الانفاق.
من المفترض وفقا للتفكير الاسرائيلي ان تكون الموافقه على انشاء الميناء مرتبط بضمانات واضحه ومحدده تشمل فيما تشمل انظمة مراقبه مرئية و غير مرئية لضمان استخدامه بشكل ايجابي من وجهة نظرهم. هذا على الرغم ان الطريق ما زالت طويله الى ان نصل الى هذه المرحله . الاكثر اهميه من الميناء هو ابتعاد شبح الحرب على غزة و ان كان بشكل مؤقت.