نشر بتاريخ: 23/02/2016 ( آخر تحديث: 23/02/2016 الساعة: 10:14 )
الكاتب: عبد الناصر فروانة
إن من يراهن على القضاء الإسرائيلي في تحقيق العدالة الإنسانية للفلسطينيين -بغض النظر عن مكان سكناهم أو الجنسية التي يحملونها- فهو "واهم". وان من يعتقد بأن المحاكم الإسرائيلية على اختلاف مسمياتها يمكن أن تنتصر للأسرى الفلسطينيين وتلبي لهم حقوقهم الإنسانية، فهو "مخطئ". ومخطئ من يظن كذلك أنه ومن خلال القضاء الإسرائيلي وعبر المحاكم متعددة الأسماء، يمكن للمعتقل الفلسطيني "محمد القيق" أن يحقق انتصاره في معركته الإنسانية والحقوقية.
إن تاريخ القضاء الإسرائيلي جائر وظالم وأداة لقهر الفلسطيني، ومسيرته حافلة بالقرارات التعسفية التي تشرعن التعذيب والقهر وهدم الذات وتشويه مستقبل الشعب الفلسطيني، ولا يهدف إطلاقا إلى تحقيق الحد الأدنى من العدالة للفلسطينيين، بقدر ما هو متواطئ في تغطية الانتهاكات والجرائم الفظيعة التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني. ولم يكن ذاك القضاء يوما مضى، عادلاً ونزيهاً أو مستقلاً إن كان الأمر يتعلق بالفلسطيني، بل وعزز أيضاً التمييز العنصري على خلفية العرق والجنس والمعتقدات السياسية حتى طال تمييزه الفلسطينيين الذين يحملون الهوية الإسرائيلية ويقطنون داخل حدود دولة الاحتلال. كما ولن يكون في يوم آتٍ، بخلاف ذلك. فهو أداة من أدوات الاحتلال ويحتكم في عمله إلى توجيهات الجهات السياسية، ويستند في قراراته إلى أوامر الأجهزة الأمنية وقراراتها.
والمحاكم الإسرائيلية بما فيها محكمة العدل العليا، هي جزء من ذاك النظام القضائي الذي يوظفها لتمرير سياساته العنصرية وترجمة توجهاته الانتقامية وقراراته التعسفية. وهي أداة بيد السياسيين والعسكريين والأمنيين الإسرائيليين. لذا فلا غرابة في قراراتها الظالمة، ولا استهجان من أحكامها القاسية، ولا مفاجأة في مصادرتها لأبسط الحقوق الإنسانية التي من المفترض أن يتمتع بها المعتقل بشكل طبيعي، كالحق في زيارة الأهل مثلاً. لهذا لم أتوقع من المحكمة العليا، غير ما صدر عنها، في ظل الظروف والمعطيات القائمة، برفض النظر في الالتماس الذي تقدمت به عائلة المعتقل "محمد القيق" المضرب عن الطعام منذ نحو ثلاثة شهور، للسماح لها بزيارته في مستشفى "العفولة" الإسرائيلي، والاطمئنان عليه بعدما توالت العديد من التقارير الطبية والحقوقية التي تؤكد تدهور حالته الصحية لدرجة الخطورة البالغة والتي قد تؤدي إلى وفاته بشكل مفاجئ.
قلنا وفي أكثر من مناسبة بأننا لا نثق بالقضاء الإسرائيلي، وان كل من يتابع الشأن الإسرائيلي يدرك جيدا حجم الارتباط الوثيق ما بين القضاء والأجهزة الأمنية. كما وأن كل مهتم بقضايا الأسرى يعي جيدا طبيعة تلك المحاكم الإسرائيلية التي لا تقيم وزناً للقوانين الدولية أو للقضايا الإنسانية. فيما نرى ومن خلال متابعتنا عن كثب لقضية المعتقل "محمد القيق" ومسيرة إضرابه عن الطعام، بأنه ليس هنالك من عوامل مؤثرة وأدوات ضاغطة على المحاكم الإسرائيلية يمكن لها أن تؤثر عليها وتغير من موقفها، وتدفعها لاتخاذ قرارات مغايرة واستثنائية لصالح "القيق" وحقه الإنساني في استقبال عائلة.
إن من حق الأهل زيارة ابنهم الأسير بشكل دائم ومتواصل، وهو واحد من الحقوق الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية، إلا أن دولة الاحتلال جعلت منه حلقة من حلقات الألم والمعاناة، لكل من الأسير وزائريه، فحمّلت الزائرين مشاقاً إضافية، ونغصت على الأسير رؤيته لأولاده ومحبيه. كما وصادرت "حق الزيارة" كحق مشروع وحولته إلى مجرد (لفتات إنسانية) تقدمها وقتما وكيفما تشاء، ولمن تشاء، وتمنعها حين ترى ذلك مناسبا لها. بل وفي مناسبات كثيرة استخدمته وتستخدمه كورقة للعقاب والانتقام، أو للضغط والمساومة والابتزاز.
إن رفض المحكمة العليا الإسرائيلية النظر في الالتماس المقدم من قبل عائلة القيق للسماح لها بزيارة ابنها الذي يرقد على سرير مستشفى العفولة، انما يشكل جريمة جديدة تضاف لسلسة الجرائم الممنهجة التي اقترفتها وتقترفها سلطات الاحتلال وأجهزتها المختلفة بما فيها القضاء في التعاطي مع قضية المعتقل "محمد القيق" واضرابه عن الطعام منذ ثلاثة شهور. وأن طلب المحكمة بالتوجه بالطلب الى المحكمة المركزية في القدس أنما يهدف الى التسويف والمماطلة واطالة فترة الإضراب ومفاقمة معاناة المعتقل واسرته. على الرغم أن قرارها السابق في الرابع من فبراير الجاري كان يقضي بتعليق الإضراب والسماح لعائلة بزيارته.
ان سلطات الاحتلال، وعبر اجراءاتها التعسفية تلك، تراهن على عامل الوقت والزمن، وتسعى إلى اطالة فترة إضراب "القيق" واضعافه وافراغه من محتواه ومضمونه وتأثيره، دون اكتراث لتدهور أوضاعه الصحية. كما وتحاول استغلال حاجة المعتقل والعائلة الى الزيارة للضغط عليهم وابتزازهم في محاولة منها الى اجبارهم على القبول بحلول تقضي بإنهاء إضرابه عن الطعام دون تحقيق شيء جوهري ودون ثمن حقيقي.
أرى أن الأمر خطيرا للغاية وأن القضاء الإسرائيلي يصر على أن يبقى أداة للظلم والقهر. كما وأرى أن هناك خطرا حقيقيا على مستقبل المقاومة وروح المواجهة داخل السجون التي يجسدها الأسرى عبر الاضرابات عن الطعام. لهذا قلنا مرارا ونجدد القول في هذا المقام بأنه ولطالما أن المعركة بدأت ولازالت مستمرة، فلامجال للحديث عن شيء آخر سوى دعمها ومساندتها، والوقوف بجانب محركها وقائدها "محمد القيق" الذي يمثل قضية.
اسرائيل ترى أن الفرصة مواتية للانقضاض على "القيق" وانهاء اضرابه دون ثمن وابقاء الاعتقال الإداري. وترى كذلك أن الفرصة مواتية ومن خلال القيق لمعاقبة الأسرى الذين يفكرون بالمواجهة ويهددون بسلاح الإضراب. لهذا أرى أن الخطورة لا تتمثل بمصادرة حق القيق وعائلة بالتزاور، أو على صحته ومستقبل اضرابه الفردي، فحسب، وانما هناك خطورة حقيقية على القضية بمجمل عناصرها وفي مقدمتها ثقافة الإضرابات التي تجسد روح المواجهة والمقاومة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لهذا فان الواجب الوطني والإسلامي، الأخلاقي والإنساني، الحقوقي والقانوني، يستدعي من الجميع العمل على حماية حقوق الإنسان ونصرة الأسير الفلسطيني، وصون وتعزيز ثقافة المقاومة السلمية المشروعة في السجون والتي كفلتها كافة المواثيق الدولية.
كما والمطلوب وبشكل عاجل وقبل فوات الآوان البحث عن أدوات مشروعة، ضاغطة ومؤثرة (خارج السجون وداخلها)، وعلى كافة الصعد والمستويات، للتصدي للسياسة الإسرائيلية الظالمة، واجبار القضاء الإسرائيلي على تغيير مواقفه واتخاذ قرارات مغايرة تصب في صالح قضية "القيق" وحقوق الأسرى العادلة. وما دون ذلك فلا تتوقعوا من القضاء سوى الظلم والقهر والعنصرية.
إن الحق الذي لا يستند إلى قوة تحميه فهو باطل في شرع السياسة والقانون