الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أزمة اضراب المعلمين بين العناد والخسارة الوطنية؟

نشر بتاريخ: 01/03/2016 ( آخر تحديث: 01/03/2016 الساعة: 15:45 )

الكاتب: عقل أبو قرع

من الواضح ان احدا لم يكن يتوقع ان يمتد اضراب المعلمين الى هذا الحد، الى حوالي اكثر من اسبوعين، وبدون وجود بوادر ايجابية لانهاء هذا الاضراب، او لمنح المعلمين حقوقهم، التي لا يجادل احد على عدالتها ونزاهنها ووجوبها، وبدون وجود مؤشرات، على الاقل في المدى القريب لانهاء الاضراب، وبالتالي عودة مئات الالاف من الطلبة الى مقاعد الدراسة، ومن الواضح كذلك ان هناك نوعا من العناد، لا يرقى الى تفهم المصلحة العامة او الوطنية، سواء من حيث بقاء الطلاب مشتتين هنا او هناك او في البيت، او من ناحية الاثار المترتبة على العملية التعليمية والتربوية، او من ناحية مستقبل العلاقة بين اطراف هذه العملية، اي بين المعلمين والطلبة واولوياء الامور والجهات الرسمية وغيرهما، او من ناحية وجود المبادرة للتغلب على او لتجاوز بعض الامور الصغيرة والضيقة وربما الشخصية، من اجل المصلحة العامة او الوطنية؟

ومن الواضح ان العناد يتراكم، وان التشبث بالمواقف يزداد ويتصاعد، في ظل تصريحات لا توحي بالتفاؤل، وفي ظل تشرذم مجتمعي رهيب، وفي ظل عدم وجود جهات فاعلة وعازمة ومحايدة ان جاز التعبير، وربما قادرة على حلحلة الامور، بأتجاة تحقيق الحد الادنى من الحقوق المشروعة والعادلة للمعلمين، وفي نفس الوقت الحفاظ على نوع من ماء الوجة او الاتزان للاطراف الاخرى، سواء للوزارة او للجهات الرسمية التي من المفترض ان تتعالى على ذلك، او للاتحاد الذي من المفترض ان يضع دائما حقوق المعلمين ومطالبهم وتوجههم وزخمهم في الاولوية، او من ناحية الجهات الاخرى التي تتستر خلف هذه الازمة وبغض النظر عن هدفها او نوعها او غايتها؟

وعدم وجود توجة فاعل وايجابي وينال ثقة او احترام الاطراف، وقادر على الخروج بنتائج ايجابية لازمة اضراب المعلمين الحالية، لهو مؤشر خطير على مستوى التشرذم الاجتماعي او المجتمعي الذي وصلنا الية، وبالاخص ان واجهتنا ازمات متوقعة اخطر واعمق وربما في المستقبل القريب، وهذا نقيض تماما ما كان سائدا على سبيل المثال خلال الانتفاضة الاولى، من ناحية التوحد الاجتماعي او المجتمعي، اومن ناحية كيفية تضافر الناس وبدون اي طمع او بدون مقابل، من اجل التعامل مع ازمات المجتمع والناس وبشكل ايجابي وسريع، وهذا ما يعرف او عرف في ذلك الوقت ب قوة " رأس المال الاجتماعي" ، تلك القوة التي اصبحنا نفتقر اليها هذه الايام وربما خلال الايام القادمة؟

وبغض النظر عن الطرف الذي يقع علية اللوم، او الطرف العنيد، فأن الهوة التي وصلنا اليها في هذه الازمة، وبالاخص ان هذه الازمة تعتبر ازمة داخلية ونقابية ومطلبية، اي بين اطراف الشعب او البيت الواحد، لهو مؤشر على التدهور الاجتماعي العميق، وعلى طفوان المصالح الشخصية او التكتلية او الحزبية، وعلى غياب النظرة بعيدة المدى لكيفية التعامل مع قضايا المجتمع والناس، وعلى تجاهل تضامن شعبي وعفوي عارم وبغض النظر عن هدفة، مع مطالب المعلمين، وكذلك فأن هذه الازمة ابرزت وبوضوح مدى خطورة غياب ادوات التواصل الفعال مع الناس، سواء من قبل الحكومة او من قبل المعلمين او الاعلام او الاتحادات النقابية، لانة وان سألت الكثير من الناس لماذا ازمة الاضراب ما زالت مستمرة، فأنك سوف تحصل على اجابات مختلفة ومتضاربة وحائرة، وهذا يوحى بعمق ازمة الثقة او عدم التصديق بهذه الجهة او تلك؟

ومع انتظار حلحة ازمة اضراب المعلمين، وبأسرع ما يكون، فأننا تعلمنا من التاريخ ومن الاحداث ان العديد من الازمات الصغيرة قد شكلت الارضية او الاساس من اجل ايجاد حلول جذرية لازمات او لاوضاع متراكمة، او بمعنى اخر لايجاد علاجات جراحية وليست موضعية لاوضاع تراكمت وتتراكم مع الزمن خلال السنين بدون العمل لايجاد حلول مستدامة لها، ومن الامثلة على ذلك ازمة اضراب المعلمين الحالية، والتي تعكس اوضاع غير طبيعية، تتمثل في اوضاع عدالة او موضوعية توزيع بنود الميزانية العامة والاولويات والنظرة بعيدة المدى الى التنمية والتقدم وما الى ذلك؟

وتحقيق مطالب المعلمين، سواء من ناحية غلاء المعيشة، او من ناحية تحقيق العلاوات الاخرى، او من ناحية الراتب الاساسي، او تعليم ابناء المعلمين، او فيما يتعلق بالترقيات والدرجات واستخدام معايير الكفاءة والتقييم والنزاهة في ذلك، حيث ان تحقيق هذه المطالب لهو من المفترض ان يكون تحصيل حاصل ولا يستدعي المماطلة والعناد والتلكؤ وسرد الحجج والاسباب، وفي نفس الوقت، لم يكن ذلك يستدعي الاضراب والمناكفات والتشاحنات وخسارة مئات الالاف من الحصص، والاهم الخسارة المعنوية للعملية التعليمية ولاطرافها، في اعين الطلاب والاعلام والمجتمع؟

وفي ظل واقع اليم وصعب وغير متوقع وصلنا الية، وفي ظل خسارة وطنية على كافة الاصعدة، وفي ظل افرازات بعيدة المدى اظهرتها ازمة اضراب المعلمين الحالية، وفي ظل مواقف غير مفهومة او متوقعة لاطراف هنا او هناك، فالمطلوب التحرك السريع لدراسة الاسباب التي الت بنا الى هذا التشرذم المجتمعي والاجتماعي، والتي اوصلتنا الى مرحلة من العناد الضيق الذي وفي احيان لا يمكن فهمة، والمطللوب كذلك البدء بنقاش مجتمعي شامل، وربما بمبادرة من وزارة التربية والتعليم والمعلمين بعد انتهاء الاضراب، من اجل فهم كيفية التخلص او التقليل من الاوضاع الحالية، وفي كيفية العودة الى التماسك واستخدام قوة " رأس المال الاجتماعي" والتي نحن بالاحوج اليها الان اكثر من اي وقت مضى؟