نشر بتاريخ: 02/03/2016 ( آخر تحديث: 02/03/2016 الساعة: 15:31 )
الكاتب: جميل السلحوت
يقول ابن خلدون "1332 - 1406م" في المقدّمة: "باب في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينيّة من نبوّة أو ولاية أو أثر عظيم من الدّين على الجملة، والسّبب في ذلك أنّهم لخلق التّوحّش الذي فيهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض؛ للغلظة والأنفة وبعد الهمّة والمنافسة في الرّئاسة، فقلّما تجتمع أهواؤهم، فإذا كان الدّين بالنّبوّة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم." فهل اختلف عرب القرن الحادي والعشرين عن عرب القرن الرّابع عشر الميلاديّ، وابن خلدون كتب "المقدّمة عام 1377م؟ وهل لو عاش ابن خلدون في هذا العصر كان سيكتب غير ما كتب؟ وفي تقديري لو أنّ ابن خلدون يبعث حيّا لكتب بطريقة أكثر حدّة عن وحشيّة عقليّة الصّحراء، وزيادة الفرقة والتّشتت، لأنّها ازدادت وحشيّة لتتناسب مع تطوّر العصر، خصوصا في أسلحة القتل والدّمار.
ونظرة سريعة على ما يجري في عالمنا العربيّ المجزّأ إلى 22 دولة، ويجري العمل على زيادة هذه التّجزأة، لاعادة تقسيمه إلى دويلات طائفيّة متناحرة قد تصل إلى ضعف عدد الدّول الموجودة حاليّا، بل إنّ هذا التقسيم بدأ فعلا، فالسّودان أصبح "سودانين" والعمل جار لظهور سودان ثالث في اقليم دارفور ورابع شرق السّودان، ويجري تدمير سوريا، العراق، ليبيا، اليمن وغيرها تمهيدا لتقسيمها. وعقليةّ الصّحراء الوحشيّة جعلت من العرب " أصعب الأمم انقيادا لبعضهم البعض" كما قال ابن خلدون، لكنّهم ينقادون لغيرهم بسهولة فائقة، ويصعب على الباحث أن يجد دولة عربيّة لا تنقاد لقوى ودول أجنبيّة، وقد تكون معادية لمصالح الأمّة، وما الحديث عن "استقلالية القرار" إلا للاستهلاك المحليّ، ولزيادة جرعة التّخدير للشّعوب.
وحتّى غالبيّة قوى وأحزاب المعارضة هي الأخرى متذيّلة لقوى أجنبيّة، ويجدر الحديث هنا عن وجود حوالي مئة فصيل معارض في سوريّا يتدثّرون بعباءة الدّين، يوحّدهم هدف تدمير سوريا وقتل شعبها والعمل على تقسيمها، ويفاخرون بدعم أمريكا وتركيّا وحلف "النّاتو" لهم عسكريّا، وبتمويل من مال البترول العربيّ، وهذه الفصائل قبلت بوقف اطلاق النّار الذي اتّفق عليه قبل يومين بين روسيا وأمريكا. وخضعوا للتّعليمات الأمريكيّة، بينما النّظام ومن يوالونه خضعوا للتعليمات الرّوسيّة.
فهل أمريكا وحلف النّاتو معنيّون بنصرة أهل السّنّة، وهل نسينا من دمّر العراق وقتل وشرّد شعبه عام 2003 وسلّم الحكم فيه للشّيعة لا حبّا بهم، وإنّما لاثارة الفتنة الطّائفيّة والعرقيّة فيه تمهيدا لتقسيمه؟ ومن المفيد التّذكير بأنّ العلاقات بين الدّول تقوم على المصالح، لكنّ العلاقات العربيّة مع الدّول الامبرياليّة تقوم على حفظ مصالح الطّرف الآخر، وتتجاهل مصالحها ومصالح شعوبها، حتّى أنّ رفع وتخفيض أسعار النّفط لا تتحكم به الدّول العربيّة المنتجة للنّفط، والمالكة لأكبر احتياطي نفطي في العالم.
فهل الولاء والتّبعيّة للأجنبيّ جزء من الثّقافة العربيّة، أو من تعاليم الدّين الحنيف الذي تدين به الغالبيّة العظمى من الشّعوب العربيّة؟ وكيف يمكن تفسير مواقف "شيوخ السّلاطين" الذين يعطون الفتاوي المجّانيّة للحكام، وكأنّهم خلفاء الله في الأرض؟ وكيف يمكن تفسير سياسة التّكفير والتّخوين؟ وهل هناك صراع دينيّ حقيقيّ بين الشّيعة والسّنّة؟ وإذا كان ذلك كذلك فهل كانت ايران الشّيعيّة على سبيل المثال تدين بالمذهب السّنّيّ زمن الشّاه، الذي كان حليفا لأمريكا واسرائيل وللأنظمة العربيّة؟ ولماذا أقرّت دولة الخلافة المذهب الشّيعي عبر تاريخها حتى انهيار الامبراطوريّة العثمانيّة في أعقاب الحرب الكونيّة الأولى؟ وسمحت للشّيعة بالحجّ إلى مكّة والمدينة إن كان الشّيعة روافض ومجوسا كما يشاع الآن؟ ولمصلحة من تصبّ هذه الخلافات؟ وإلى متى سيستمرّ هذا الاقتتال الذي يتلفّع بعباءة الدّين والدّين الصّحيح براء منه؟ وهل يوجد بين العربان عقلاء للتّمييز بين الاجتهاد في الرّأي وبين نار الفتنة؟ أم أنّ الاختلاف والتّكفير والتّخوين أصبح "عقيدة" عند العربان؟ ويحضرني هنا ما يروى أنّ زياد بن معاوية بعد مقتل الحسين، خاف من ثورة الصّحابة في مكة والمدينة ثأرا لدم "الحسن والحسين" سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار عليه زياد بن أبيه أن يبعث لهم من يسألهم سؤالا لا جواب له وهو:"هل الملائكة ذكور أم إناث"؟ ولم يجد المسلمون جوابا مقنعا لهذا السّؤال حتّى الأن.