الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

احمد سعيد.....الصحاف .....الجبير

نشر بتاريخ: 10/03/2016 ( آخر تحديث: 10/03/2016 الساعة: 09:57 )

الكاتب: راسم عبيدات

أذكر أثناء اندلاع حرب حزيران 1967،والتي هزمنا فيها كعرب شر هزيمة،رغم محاولتنا التقليل من شأن تلك الهزيمة على أساس انها نكسة،بأن المعلق السياسي في اذاعة صوت العرب المصرية المرحوم احمد سعيد كان يتلو البيانات النارية عن انتصارات عربية ورقية، حيث اسقاط الطائرات الإسرائيلية بالجملة وتدمير مئات الدبابات والعربات المدرعة والإبادات بحق فرق اسرائيلية كاملة،وعبارات الديماغوجيا الثورية " تجوع...تجوع يا سمك" و" سنلقي بهم في البحر" ..الخ،ولكون بلدتنا جبل المكبر كانت احد الخطوط الأمامية للجبهة،وكان لدينا راديو بحجم التلفزيون 36 بوصة اليوم نستمع فيه لأخبار القتال على الجبهات العربية،واذا بصوت المرحوم احمد سعيد يصدح " كبر يا مكبر كبر....حررنا جبل المكبر"...لتتعالى هتافات الموجدين الله واكبر الله واكبر " عاش الزعيم الخالد جمال عبد الناصر،وما هي الا ساعة من الزمن،واذا بعدد من الدبابات يتمركزن على مقربة من بيتنا،وأصر والدي الذي يعشق القائد الرئيس الراحل عبد الناصر حد العبادة،على ان أقوم بإرسال الشاي للدبابات العراقية التي كان يعتقد انها تتمركز بالقرب منا،ولما وصلت كانت المفاجاة كانت دبابات لدولة الإحتلال ،حيث عدت بابريق الشي وكاساته،وانا مرعوب،قلت لوالدي والموجودين إنها دبابات اسرائيلية،ولكن والدي لم يقتنع وأصر على أنني جننت،فالمرحوم احمد سعيد يتلو بيانات النصر والتحرير،ولم يقتنع الا بقدوم عدد من الجنود الأردنيين يطلبون ملابس مدنية لكي ينسحبوا وتحدثوا عن الخيانة.

هذه الهزيمة القاسية افقدت الجميع الثقة ليس بالنظام الرسمي العربي،بل أصبحت النظرية السائدة عند العرب شعوباً وقيادات عن الجيش الإسرائيلي بأنها" الجيش الذي لا يقهر"،ولم تعد البلاغات والبيانات العسكرية الصادرة عن قيادة الجيوش العربية محط ثقتها واحترامها،ولتصبح محطات "مونت كارلو" و"لندن" اكثر مصداقية وموضوعية منها،ولتكن معركة الكرامة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني جنباً الى جنب،محطة فاصلة استعادت فيها الشعوب العربية الثقة شيئاً فشيئاً بجيوشها وقياداتها،وكانت تلك المعركة اول نصر يتذوقه العرب.

حرب أكتوبر التحريكية اعادت الثقة بالجندي العربي،وأضحت البيانات العسكرية العربية،اكثر دقة وموضوعية،ولكن ما تحقق من إنجاز ونصر عسكري،لم يجر استثماره سياسياً،فكانت الخسارة مدوية،وبدد النظام الرسمي العربي بفعل البترودولار هذا المنجز والنصر،عبر اتفاقية "كامب ديفيد" التي أخرجت مصر بثقلها العسكري والبشري والسياسي من المعركة ضد العدو الصهيوني.

جاءت الحرب الأطلسية الغربية الاستعمارية على العراق،تحت حجج وذرائع خادعه ومضلله بامتلاكه السلاح النووي،وممارسة القمع بحق الشعب العراقي،من اجل إحتلاله وتدميره وتقسيمه ونهب خيراته وثوراته وتفكيك جيشه ومؤسسته العسكرية.

في الوقت الذي كانت فيه القوات الغازية على أبواب بغداد،كان وزير الاعلام العراقي في تلك الفترة محمد سعيد الصحاف،يتحدث عن "ام المعارك"،وان بغداد ستكون مقبرة ل"العلوج" الأمريكان،وبأن العدو سينتحر على أبواب وأسوار بغداد،ولنشاهد بان كل هذه"الهوبرات" الإعلامية والخطابات النارية،ليس لها أي أثر في أرض الواقع،ففي الوقت الذي كان يدلي فيه بتصريحاته هذه كانت القوات الأطلسية الغازية تغتصب بغداد عاصمة الرشيد بمشاركة عربية فاتحة الطريق للمزيد من الإغتصابات بحق عواصم عربية أخرى،بعد السكوت على اغتصاب مسرى الرسول محمد "صلعم" القدس.

رحل الصحاف،وكان وقع اغتصاب عاصمة الرشيد كبيراً وصادماً على الشعوب العربية،والتي باتت تدرك بان هذا النظام الرسمي العربي المنهار،ليس أهلاً للقيادة والدفاع عن الكرامة والأمن القومي العربي،ودخلت الشعوب العربية في حالة من اليأس والقنوط،ولتستعيد الثقة من جديد بعد نجاح حزب الله اللبناني بقيادة سماحة السيد حسن نصرالله في إلحاق الهزيمة بما يسمى بالجيش الذي لا يقهر في الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006 .

وأصبح الجمهور الإسرائيلي لأول مرة يثق بزعيم عربي أكثر من ثقته بقيادته،لأنهم يدركون بانه يقول الحقيقة،وان قال فعل.

اليوم بعد الانتصارات المتسارعة التي يحققها الجيش السوري وحلفاءه،صرنا بشكل شبه يومي نسمع احد صبيان النظام السعودي،المدعو عادل الجبير،يردد كالببغاء على الرئيس السوري بشار ان يرحل،الرئيس السوري يقتل شعبه،الرئيس السوري ديكتاتوري،على اعتبار ان نظامه السعودي قاطع الأيدي والرؤوس ديمقراطي...؟؟ السعودية ستتدخل برياً في سوريا،السعودية لن تقبل تمثيلاً للمعارضة السورية غير المعارضة المنبثقة عن مؤتمر الرياض،وكل يوم يتحفنا بتصريح عن سوريا وعن الرئيس بشار الأسد ورحيله،وكل هذه التصريحات لكون دولته حكومة تابعة واداه من أدوات أمريكيا في المنطقة تحركها كيفما تشاء،وتحدد لها شكل علاقاتها وتحركاتها ومواقفها،وحتى كيفية صرف أموال الدعم السعودي لمن تذهب ولمن لا تذهب...فسرعان ما يجري التراجع عنها،حيث سقطت معزوفة التدخل البري في سوريا،بسبب رفض أمريكيا لذلك،وكذلك سقطت أسطوانة الفترة الإنتقالية او الهيئة الإنتقالية،فهناك قرار أممي 2254 ينص على التشارك في حكومة يقودها الرئيس الأسد،وعدم المشاركة في جنيف اذا جرى تمثيل اطياف أخرى من المعارضة السورية في هذا المؤتمر ،وهذا الشرط جرى لحسه والتخلي عنه.

الجبير يريد ان يعطي لنفسه حجماً أكبر منه بكثير،فهو ليس اكثر من اداه تابعة،غير مالكة لقرارها ولا لإرادتها السياسية،فرغم المشاغبات والحرد الصبياني،سرعان ما يعود هذ الولد عن اعماله الصبيانية ومشاغباته،فهو يدرك انه اذا ما تمادى في ذلك،لن ينال أي جائزة تقديرية من أمريكا،بل ستتم معاقبته.

من احمد سعيد الى الصحاف فالجبير،ظواهر اعتادت على الكذب وتصوير الهزائم المريرة الى انتصارات ورقية،خالقة حالة واسعه من الإحباط في صفوف الجماهير العربية،ولكن في حالتي احمد سعيد والصحاف،هم ربما أرادوا رفع معنويات الشعوب العربية،وهم ليسوا بالخونة والمتآمرين،في حين هذا الصبي الجبير،فعدا انه كذاب ومخادع من الطراز الأول،فهو يبتذل نفسه حد الإبتذال،ومتآمر على الأمة العربية ومشروعها القومي خدمة لأجندات واهداف استعمارية غربية وامريكية وصهيونية.