نشر بتاريخ: 13/03/2016 ( آخر تحديث: 13/03/2016 الساعة: 10:15 )
الكاتب: جميل السلحوت
قرار الجامعة العربية مع تحفظ لبنان والعراق وغياب سوريا باعتبار حزب الله اللبناني "منظمة ارهابية" كما صرح بذلك احمد بن حلي نائب الامين العام للجامعة العربية يوم الجمعة 11-3-2016، وما سبقه من قرار مجلس التعاون الخليجي بهذا الخصوص، لا يأتي رضوخا لضغوطات دول مجلس التّعاون الخليجي، بمقدار ما يأتي استجابة للضّغوطات الأمريكيّة والاسرائيليّة، لما يسمّى بابداء حسن النّوايا العربيّة تجاه اسرائيل؛ لاقناعها بقبول مبادرة "السلام العربيّة" التي طرحها الملك السعوديّ الرّاحل عبدالله بن عبد العزيز على مؤتمر القمّة العربية في بيروت عام 2006، أثناء حرب اسرائيل على لبنان، وكان يومئذ وليّا للعهد.
وكانت غالبيّة الدّول العربيّة قد رضخت لضغوطات أخرى، وأجرت اتصالات دبلوماسيّة وتبادلات تجارية مع اسرائيل، من تحت الطّاولة، ومن باب "ابداء حسن النّوايا أيضا"! حتّى أنّ بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل قال أكثر من مرّة "لقد مللنا علاقاتنا مع الدّول العربيّة بالخفاء ونريد اخراجها للعلن".
ومعروف أنّ الحكومة الاسرائيلية قبلت بندا واحدا من "المبادرة العربيّة" وهو اقامة علاقات دبلوماسية وتجارية وتبادل السفراء بينها وبين الدّول العربيّة والاسلاميّة" وقبول اسرائيل بهذا البند لا يعني قبولها للانسحاب من الأراضي العربيّة المحتلة في حرب حزيران 1967، بل هي ترسّخ هذا الاحتلال عمليّا من خلال خلال الاستيطان المكثّف، والقضاء على حلّ الدّولتين الذي يؤيّده المجتمع الدّوليّ.
وتواصل "ابداء حسن النّوايا العربي" درجة التّحالف والتنسيق العسكريّ مع اسرائيل" لمواجهة "الخطر الايرانيّ". وهذا يعني أنّ اسرائيل جارة صديقة، وأنّ الخطر القادم على المنطقة العربيّة من ايران وليس من اسرائيل "الجارة حليفة الصّديقة أمريكا التي تأتمر بأمرها غالبيّة الأنظمة العربيّة. " وشيطنة حزب الله اللبناني عربيّا تأتي كاشتراطات لتصفية كلّ الأحزاب والتّنظيمات والحركات التي تتبنى المقاومة لتحرير الأراضي العربيّة المحتلّة، وفي هذا السّياق تتناسق سياسة "حسن النّوايا العربيّة" مع العمل على تنفيذ المشروع الأمريكي لاعادة تقسيم المنطقة الذي أعلنته كونداليزا رايس في بيروت عام 2006 أثناء حرب اسرائيل على لبنان، ولتنفيذ هذا المشروع تأتي فتنة الحرب الأهليّة التي تستهدف تدمير سوريا وقتل وتشريد شعبها واستنزاف جيشها، وتمّ تجنيد الاسلام السّياسي من داعش وأخواتها، لتنفيذ هذه المهمّة في العراق وسوريا واليمن وليبيا وسيناء وغيرها، بدعم من حلف النّاتو وبمال البترول العربيّ. فهل ما يجري في هذه الدّول ارهاب أم ماذا يمكن أن نسمّيه؟
وهل ستستجيب اسرائيل "لحسن النّوايا العربيّة"؟ وهل ستضغط أمريكا على اسرائيل لتنسحب من الأراضي العربيّة المحتلة عام 1967، ليتمكّن الشعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة؟ ومن يراقب السّياسة الاسرائيليّة سيجد أنّها شديدة الوضوح في التّصعيد والقمع ومصادرة الأراضي، والاستيطان واستباحة الدّماء الفلسطينيّة. وهي لم تعد تعتبر الأراضي العربيّة محتلة، بل تعتبرها جزءا أصيلا ممّا تسمّيه "أرض اسرائيل التّاريخيّة" وأكثر ما يمكن أن تتنازل عنه اسرائيل حسب سياسة جكومتها هو ادارة مدنيّة فلسطينيّة على السّكان، وليس على الأرض، وهي تريد تمويل احتلالها بأموال الدّول المانحة ومن ضمنها الدّول العربيّة الثّريّة.
ونتنياهو الذي يصدق مع ناخبيه، ومع حلفائه من أحزاب اليمين المتطرف، يعي جيّدا مدى الهوان والخنوع الذي تعيشه الدّول العربيّة، ويستغلّ ذلك جيّدا، وقد سبق وأن كتب في كتابه الذي صدر بداية تسعينات القرن الماضي تحت عنوان “Aplase between nathions” وترجم الى العربيّة تحت عنوان "مكان بين الأمم" عن "التكيّف العربيّ" وملخصّه أنّ العرب يرفضون أيّ شيء يطرح عليهم، ثمّ لا يلبثون أن يتكيّفوا معه، فمثلا كانوا لا يعترفون باسرائيل قبل حرب حزيران 1967، وكانوا يطالبون بتدميرها، وبعد هذه الحرب، صاروا يطالبون بالانسحاب من الأراض التي احتلت في حرب حزيران، واذا ما احتللنا مرتفعات السلط في الأردن سينسون الأراضي المحتلة في حرب حزيران، وسيطالبون بالانسحاب من مرتفعات السلط.
ويبدو أنّ نظريّة نتنياهو في "التّكيف" صحيحة مع النّظام العربيّ الرّسميّ، وليت هذا النّظام العربيّ اشترط على اسرائيل ومن خلفها أمريكا، مقابل هذا "السّخاء العربيّ في حسن النّوايا" كأن تبدي نيّة حسنة واحدة ولو من باب حفظ ماء الوجه، وهي اعترافها بأنّها دولة تحتلّ الأراضي العربية بما فيها أراضي الدّولة الفلسطينيّة.