الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

قطاع القهر اليومي

نشر بتاريخ: 13/03/2016 ( آخر تحديث: 13/03/2016 الساعة: 10:19 )

الكاتب: مصطفى ابراهيم

بدون موعد بعد جولة صباحية مشياً على الاقدام في رفح مع أمينة وراما وأحمد، كأن سائق سيارة الأجرة المرسيدس شعر بتعب الأطفال وتوقف من دون أن نشير له بالتوقف، ركبنا في السيارة بدون أن يسأل وجهتنا، كان مشغول بالحديث مع راكب يجلس في المقعد الخلفي ويحمل في يده ورقتين اتضح انهما مخالفات سير حررتها له شرطة المرور. ويروي له قصة أخر مخالفة له وقيمتها مئة شيكل وتوسله للشرطي بالرحمة وان هناك مخالفة سابقة بمئة شيكل لم يدفعها بعد بسبب شرخ في الزجاج الامامي نتيجة اصطدام كرة قدم بزجاج السيارة من قبل مجموعة من الاطفال كانت تلعب في الشارع الذي مر به. ورغم توسله للشرطي وانه لم يخرق قانون السير ولم يحمل ركاب فقط انزل راكب وفي منطقة حددها القانون، وان يتغاضى عن مخالفته لعدم قدرته على دفع المخالفة الا ان الشرطي اصر وقال له من يرحمك ربنا وليس انا، وحرر له مخالفة بمئة شيكل. 

استمر السائق بعرض وابراز مخالفات السير التي حررت ضده وهو يدعي على الشرطة وحماس، والراكب الاخر يتحسبن، ويقول إنهم لا يرحمون احد، وكأنهم مصدر الرحمة، وكل مدير شرطة جديد يستلم عمله يصدر تعليماته واوامره بتشديد مخالفات السير ضد السائقين. ولكن ربنا كبير كما يقول الراكب فالمدير الجديد أوقف عن العمل وتم فتح تحقيق معه بعد أن أمر أفراد من شرطته بالاعتداء بالضرب على أفراد من إحدى العائلات في رفح تشاجروا مع أحد المسؤولين في الحكومة وقد اصيب المواطنين بأذى كبير جراء الاعتداء عليهم بالضرب المبرح. فأحد أفراد العائلة المعتدى عليها له مكانة كبيرة في حكومة حماس فتقدم بشكوى ضد المدير وبناء عليه تم توقيف المدير عن العمل واجري معه تحقيق في الاعتداء. 

وصلنا المكان الذي نريد وطلبت من السائق إنزالنا واستكمال مشوار المشي والسائق والراكب الاخر لم يتوقفا عن الكلام ومستمران في رواية قصص معاملة شرطة السير للسائقين وظلمهم، وانهم لا ينطلقوا من تطبيق القانون، انما لجمع اكبر قدر ممكن من المخالفات والاموال من اللحم الحي للمواطنين كي تستطيع الحكومة الصرف على موظفيها وتسيير امورها وتتمكن من البقاء والصمود ومشاركة الناس قوتهم الشحيح. مسكين السائق لم يعرف ان قصته وقصة مدير الشرطة أعرفها وأعرف تفاصيلها وهي واحدة من مئات وربما الاف القصص التي اسمعها وربما أشارك في معالجتها يوميا واكتب عنها منذ سنوات، ولم اعود للبيت يومياً الا وقد تشبع عقلي ووجداني بقصص القهر والظلم الواقع على الناس في فلسطين عموما وقطاع غزة بالتحديد. 

هي قصص القهر اليومي في قطاع القهر اليومي وصعوبة وقسوة وشظف العيش في قطاع غزة الفقير البائس ويعاني قلة الحيلة والرزق والفقر والبطالة تضرب اطنابها في صفوف الشباب ومحاولات الانتحار المستمرة للهروب من الواقع المر، ولا امل لهم، والمهن المتوفرة للشباب والناس هي مهنة السواقة او العمل على بسطة لبيع الذرة او السجاير او القهوة والشاي، او العمل في البناء وغيرها من المهن التي تدر شواكل محدودة. أخطر من ذلك فالحال مستمر ونستدعي أزمات اخطر من القائمة، وكأننا دولة عظمى ونحن نستجدي وننتظر الوعود بمساعدات خارجية، ولا أفق في تقديم الحلول وفكفكفة جزء من بؤس الحال ومستمرون في التفكير داخل الصندوق المتخم بالشقاء والانقسام والحلول الفردية، ولا يعتذر أحد عن هذا الحال الذي وصلنا له من الموت المجاني والفقر والبطالة والقهر والظلم الداخلي والخارجي.