نشر بتاريخ: 16/03/2016 ( آخر تحديث: 16/03/2016 الساعة: 10:54 )
الكاتب: د. مجدي جميل شقورة
تأتي الدعوة المصرية للقاء شخصيات وازنة من حركة حماس في القاهرة، وما رشح عن الزيارة من أنباء تتحدث عن احتمال انتقال قيادة حركة حماس في رحلة ستحط فيها الرحال في عواصم شتى، من بينها الدوحة والرياض وأنقرة وطهران وبيروت، ومن ثم العودة إلى القاهرة، لتؤكد أن هذه الزيارة ليست زيارة "علاقات عامة"، وليس الهدف منها كما قد يترآى للبعض أنها جاءت لمناقشة بعض الملفات الأمنية والسياسية، أو التداول بشأن فكرة المصالحة الفلسطينية، أو البحث في خيارات تتعلق بظروف قطاع غزة وحصاره، أو الحديث عن مسألة الهدنة مع إسرائيل والملفات المحيطة بها، أو حتى عودة حماس إلى الحاضنة القومية عبر بوابة مصر التي أبدت خشيتها من تنامي المد والنفوذ التركي في غزة، صحيح أنها موضوعات قابلة للنقاش في جلسات القاهرة، لكن هذا ليس المحرك الأساسي الذي دفع الدولة المصرية إلى دعوة حركة حماس للحضور إلى القاهرة، وتحديداً الشخصيات المؤثرة في صناعة القرار في غزة، وهو أمر يدعونا إلى فحص الأمر من جوانب أخرى تتعدى حدود القطاع وحدود مصر العربية.
السيناريو الذي يمكن أن يظهر في أفق العلاقة بين حماس وجمهورية مصر العربية، يمتد إلى مربعات اقليمية أخرى، ويمكن رسمه على النحو الآتي:
أولاً: السعودية والحرب على داعش والصراع مع إيران، حيث يبدو أن العربية السعودية بحاجة ماسة إلى بناء أكبر تحالف "سنّي" يسمح لها بقيادة المعركة ضد مسلحي "داعش والقاعدة" من جهة، ويتيح لها أن تواصل معركتها في مواجهة الحوثيين في اليمن من جهة ثانية، واستمرار قيادتها للمشهد السنّي في مواجهة تنامي النفوذ الإيراني والمد السياسي الإيراني الذي زاد وهجه في أعقاب الاتفاق النووي الموقع بين إيران والغرب، والذي أتاح لإيران أن تستعيد ثقلها المالي ومركزها التجاري في المنطقة، في المقابل تراجع الثقل المالي في السعودية ودول الخليج نتيجة تراجع عائدات النفط بنسبة تزيد عن 75% وهو أمر يلقي بظلال من الشك على إمكانية استمرار نعت هذه الدول بالعواصم العربية "الثرية"، وهي أمور تدعو إلى تعزيز جبهة الحلفاء مسبّقاً، وبالتالي استمالة أطراف عربية أخرى للحاضنة وخصوصاً تلك التي تلقت باستمرار معونات ومساعدات إيرانية، وهنا تأتي حركة حماس الفلسطينية باعتبارها واجهة مشروع مقاومة للاحتلال من جهة، وصاحبة حضور لافت في المشهد السياسي الذي تصدرته خلال فترة حصار غزة، وقربها من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسواها، وكذلك حكمها لقطاع غزة الذي ما يزال يمثل خاصرة رخوة لمصر، وحالة حضور في المسار التفاعلي في الإعلام وعلى مستوى تحشيد الرأي العام وتغيير اتجاهاته.
ثانياً: الإمارات ومسار مواجهة تداعيات الربيع العربي: لا يخفى على أحد الدور الذي لعبته وتلعبه الإمارات العربية المتحدة في التغيير السياسي الحاصل في عدد من البلدان التي شهدت ثورات أفضت إلى تغيير أنظمة الحكم فيها، حدث هذا في تونس وفي مصر ويحدث حالياً في ليبيا، وبالتأكيد هي حاضرة في المشهد السوري والعراقي واليمني واللبناني، وهي أكثر قرباً من المشهد الفلسطيني، لاعتبارين أساسيين: أولهما أنها تصادق وتتحالف مع الخصم اللدود للرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمقصود هنا القيادي محمد دحلان، وثانيهما أنها تناوئ مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة، لكنها تبقى واحدة من أكثر بلدان المنطقة دعماً للشعب الفلسطيني، بعد أن استبدلت الدعم المالي المباشر لخزينة السلطة بدعم المجتمع المدني الفلسطيني والجهات الإغاثية والمساندة المباشرة للمشروعات الخيرية في قطاع غزة والضفة الغربية ومخيمات اللاجئين في لبنان والأردن وسوريا.
ثالثاً: الولايات المتحدة وإسرائيل وهندسة المنطقة سياسياً: والمقصود هنا أن الإنفتاح الأمريكي على إيران وإنكفاء السياسة الأمريكية عن التعاطي مع العربية السعودية على أنها الصديق الأقرب للبيت الأبيض، بل واتهام السعودية "نظاماً سياسياً وفكراً دينياً" بأنها خلف الكثير من الحركات التي تتهمها الولايات المتحدة بالتطرف والإرهاب، وتضييق الخناق على السعودية عبر التردد في تأييد حربها على الحوثيين، ومن ثم فحص خيارات حل الأزمة السورية بوجود الرئيس الأسد، كلها مؤشرات على أن "شهر العسل" السياسي بين الولايات المتحدة والسعودية في طريقه إلى الانتهاء، إن لم يكن قد انتهى بالفعل، وأن "شهر عسل" سياسي قادم بين الأمريكان وإيران، الخصم اللدود للسعودية ودول الخليج العربي، كلها مؤشرات لا تمنع دخول المنطقة في صراع محاور، على غرار سياسة المحاور الأميركية في خمسينات القرن العشرين، وهنا يزداد التحشيد على أسس دينية وطائفية ومذهبية، ويزداد حصول مفاجآت لا تخطر بالعادة على بال أحد، حيث تبدو إسرائيل غير راضية كثيراً عن التطور في العلاقات الأميركية الإيرانية، وبالتالي تبدو أقرب إلى "التحالف السنّي"، وتجد نفسها مدفوعة إلى البحث في خيارات لا تقترب كثيراً من الحالة الإيرانية الناشئة بقوة في ربوع المنطقة، وهي بالتأكيد معنية بانضمام حماس إلى تحالف سنّي بقيادة السعودية ومصر، وهو أمر يضمن هدوءاً مضموناً على جبهة غزة، وتعزيز الانقسام الفلسطيني لجهة تمرير انفراجات في الحالة الغزية من بوابة تركيا التي تذهب بعيداً في علاقة تطبيع طويلة المدى مع إسرائيل، عنوانها البارز تحسين أوضاع غزة، إلى جانب تسويات ترعاها السعودية لجهة تطبيع العلاقات التركية المصرية، ضمن قمة من شأنها أن تفضي إلى ترتيبات تتعلق بمستقبل ومصير جماعة الإخوان المسلمين في مصر، دون عودتهم إلى المشهد السياسي في المدى القصير وحتى المتوسط، هذا إلى جانب الدور السعودي الذي لم يعد خافياً في المسعى إلى تطبيع العلاقة بين روسيا وتركيا، وتسوية الخلاف القئم بينهما، ضمن ترتيبات اقليمية تدور فيها دول المنطقة في فلك روسيا، في مواجهة محور يتشكل ربما كانت فيه إيران أحد لاعبي الولايات المتحدة الكبار في المرحلة القادمة ضمن أجندتها في المنطقة، والغريب أن إسرائيل ستكون اللاعب الوحيد المسموح له أن يستفيد من علاقة بالطرف الأول وفي نفس الوقت لا يخسر حلفائه في الطرف الثاني.
على ما يبدو أن دعوة حماس إذن إلى القاهرة قد تمت ليس برغبة مصرية أحادية، وإنما برغبة اقليمية متعددة الأطراف، وربما كان أحد الأطراف الاقليمية هو الذي رتّب وخطط لهذه الزيارة، ضمن ثقل وتأثير القاهرة والرياض وأبو ظبي، وبما يعزز المحور "الغزي" في السياسة الفلسطينية على حساب محور "رام الله" الذي يتعامل مع قطاع غزة كعبء مالي ووظيفي أكثر منه حاضنة لمشروع وطني ورئة أخرى يتنفس منها الوطن الفلسطيني.
حماس إذن أمام مفترق طرق، ربما كان الأخطر في مسيرتها كلها، وهي مدعوة هذه المرة لتحديد خياراتها وتقرير مصيرها بإرادتها، ولن يسمح لها الاقليم هذه المرة أن تناور، ولن تتمكن من "التذاكي" سياسياً، لحساب مصالحها وتوازناتها، وحتى تكتيك الزيارة المعتزمة لدول المنطقة، لن يفي بالغرض، حيث ستجيب في نهاية المطاف على سؤال الحقيقة المتعلق بأي محور تتمسك وبأي آلية تذهب وضمن أي معطيات تتقدم نحو وجهتها المحتومة، وقد تجد نفسها في نهاية المطاف عضواً في محور مرتهن بإرادة تل أبيب السياسية، أو مدعوة لمواجهة محتومة مع مختلف قوى الاقليم وبابتعاد كلي عن المد القومي والحاضنة العربية لمشروعها الكفاحي والسياسي، فما الذي اختارته حماس، سؤال ستجيب عنه الأيام القليلة القادمة.