الكاتب: عطا الله شاهين
ذات مساء ماطر جلستُ في مقهى جديد جذبني ديكوره الأهبل، ورحتُ أنتظر هناك صديقي الذي عاد من الغربة مجنونا، وتناولت الجريدة التي كانت بحوزتي وبدأت أتصفحها كعادتي، فسمعتُ صوتا يأتي من رجل عجوز كان يجلسُ بالقربِ منّي ويدّخن الأرجيلة بشراهة، وقال لي :أتركْ كل هذا الكلام، فكلُّ المكتوب في الصحف مليئ بالكذبِ، وبدا من خلالِ كلامه بأنه محبطٌ من أوضاعنا، فرددتُ عليه أنا يا حاج فقط أنظرُ إلى الإعلانات، فابتسمَ بابتسامةٍ عريضة غيرت خطوط تجاعيده وقال : فعلا الإعلانات والدّعايات أهم شيء في الجريدة.. انظرْ إلى فصفحة الأموات فترى بأنها صفحة صادقة، كان يتحدث معي وأنا أترقب وصول صديقي، وبعد دقائق شعرتُ بأنَّ المكان ممل.. فصديقي تأخر وأرغمني أنْ أنتظره هنا .. وبعد فترة رحتُ أتحدّث في الموبايل مع صديقي الذي لا يحترم الموعد كعادته، مع أنه عاش في بلادٍ تحترمُ المواعيد، فيبدو أن صديقي ظلّ كما هو، ولم يتغير.. فجلستُ في ذاك المقهى بمللٍ.. فلا مذياع يصدح، ولا تلفاز يعمل فعلمتُ فيما بأنّ الطّبقَ ( الدّش) طيّرته الرّياح القوية، ولهذا المقهى بلا تلفاز، وبدا الصمت سيد المكان وشاهدتُ بعض المرتادين يجلسون بصمت ويدخنون سجائرهم بكل نهم، وأكثر ما استفزني ذلك النادل السمج الذي كان يذرع المكان ويوزع سماجته على الجميع، ولكنه كان مملا حتى في ابتساماته التي كانت تزعج صاحب المقهى الذي وقف في زاوية مقهاه..