نشر بتاريخ: 20/03/2016 ( آخر تحديث: 20/03/2016 الساعة: 12:17 )
الكاتب: رامي مهداوي
المعلمة حنان الحروب، هذه المعلمة الفلسطينية التي تمردت على الصورة النمطية للتعليم واستطاعت أن تظهر الوجه المشرق للمعلم، وقف لها العالم احتراما وتبجيلا على هذا الدور المميز والمعطاء من أجل تربية أبنائنا خارج الأنماط والتقاليد التربوية السائدة.
ففي الوقت الذي نحتفل به بهذه المعلمة المبدعة، نجد أن هناك _وهم كثر فرد أو/و مؤسسة _من أراد أن يتبنى نجاحها وكأنه السبب وراء حصولها على أفضل معلمة في العالم!! ومن خلال مشاهداتي ومتابعتي على الصعيد المجتمعي أو الإعلام الحديث، فإن هناك أصوات كثيرة تردد بأن المجتمع الفلسطيني يفيض بالرياديين والمبدعين في مختلف المجالات المكونة للحياة الفلسطينية، وأن أمثال حنان موجود في كل بيت، وشارع، ومؤسسة، ووزارة، ومدرسة، ومصنع، ونادي، ومستشفى، وجامعة...الخ، فلماذا لا نعلم بهم؟ ولماذا يقتصر تعاملنا مع الرأس المال البشري بالتعامل الموسمي الذي يبدأ وينتهي فقط بالاحتفال والتصوير والتهنئة؟.
كي أجيب على هذا التساؤل يجب أولا ان نبحث عن مكامن الخلل في المنظومة المؤساتية، وعن تأسيس الفعل من خلال المؤسسة، وعن مدى سرعة التغيير الذي نريده في الاستثمار بالرأس المال البشري؟
نحن بحاجة قصوى للتغيير، ولكي يكون التغيير فعّالا يجب فهم الواقع ومكوناته المعقدة المتصارعة، وفهم جدلية تطوره، واستكمال ما تم إنجازه بشكل يؤسس لفعل ملموس على أرض الواقع وليس فقاعات إعلامية مليئة بالأوهام، فالهدف من التغيير هو تحطيم الواقع المهترئ الى واقع يسعى للارتقاء بنا كأفراد، والاستفادة من الدروس، فأنا أؤمن بأن حتمية التراكم ستقود المجتمع الى قفزات نوعية يسعى بها إلى النبص بالحياة رغم الجراح، فالتغيير قانون أساسي من قوانين الطبيعة التي ترفض السكون.
بداية، على جميع المؤسسات المختلفة المكونة للمجتمع الفلسطيني عدم مصادرة عقول الناس وحرياتهم، ودون تحويلهم الى كائنات حية تائهة فاقدة البصيرة من خلال الشعارات والخطابات الواهية البعيدة عن العقل والمنطق القريبة الى الغرائز التي لا تسمن ولا تغني من جوع، يجب أن لا يكون مقدار دعم الإبداع والكفاءات بمقدار الولاء، وعدم توزيع المناصب والمهام بمقدار الاستزلام، بل يقع على عاتق المؤسسات دعم روح الإبداع والتمرد، وخلاف ذلك سيكون الناتج نظاما مبنيا على مؤسسات تقتل الابداع والتطوير وتقدس الفرد وتمجده، وفي هذه الحالة سيصبح المبدع زنديقا وكافرا ومشبوها بوطنيته وإنتمائه؛ مما يجعله أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الهجرة دون رجعة فلا كرامة لنبي في وطنه، أو أن يبقى مراوحا مكانه دون انتاج ضمن القاعدة المعروفة من لا يتقدم يتقادم، ومن لا يتجدد ..يتبدد.
من جهة أخرى، علينا تعزيز الإبداع من البدايات منذ نشأة الطفل/ ة بين أفراد الأسرة دون تقييد، من خلال تحطيم المفاهيم التي اكتسبناها من خلال ثقافة العيب والحلال والحرام والممنوع وإعطاء مساحة من الحرية التي تؤدي الى اكتشاف الذات وميولها، وتكسير مفهوم العائلة الأبوية القائمة على التلقين والامتثال والطاعة ضمن مفهوم عالم الاجتماع السوري حليم بركات.
ثم ننتقل الى المدرسة من حيث الأدوات والمنهاج وسلوك الأساتذة والإدارة والطالب؛ بعض المعلمين يتعاملون كأنهم ضباط في جهاز الأمن، ويتمثل دورهم في حشو عقل الطالب في المعلومة فقط لا غير، ومنع الحوار والجدل والاختلاف.
وتباعا يتكرر المشهد في الجامعة، في جمود المادة التعليمية والأدوات التفكيرية؛ فمازلت أشاهد طلابا يحملون ذات الكتب التي درستها وكأنها نص مقدس جامد منذ 15 سنة!! فهل العلم ثابت لا يقبل التطور!!
أما في سوق العمل فأغلب أصدقائي في مختلف قطاعات العمل متفقين على الجمل التالية:" بتشتغل تُحارب.. بتحاول تبدع يتم محاسبتك... أفضل شي ما أعمل شي"... بالتالي فإن معيار التطور في العمل في النظام السائد هو نظام الاستزلام وليس المهنية والكفاءة.
بداية الإبداع تكمن في النضال ضد العوائق التي تقف بين المرء وبين ما يجب أن يقوم به لتحقيق ذاته، فالقدر ليس عائقا. لقد علمني أبي الفلاح أن لا ثمر دون زراعة، ولا زراعة دون حراثة، ولا حراثة قبل إزالة جميع الحجارة وتنظيف الأرض، وهذا يتطلب تضافر الجهود والعمل بشكل جماعي كي نحصل على منتوج الأرض الذي نريد، علينا جميعا أن نعمل بجهد وتعب حتى نأكل الثمر، وحذار أن نتصور أن الإبداع عمل فردي فقط؟!.
خلف حنان الحروب كان الزوج والأبناء الداعمين لها أولا أكثر من أي مؤسسة كانت.الإبداع في بلادنا وفي الوطن العربي بحاجة الى فأس لتكسير الأصنام المعششة في عقولنا وفي سلوكنا، فالإبداع فعل منظم ضد مسميات التقاليد والعادات والأنظمة الانتهازية التي تريدنا عبيدا نردد خلفها كطائر الببغاء.