نشر بتاريخ: 24/03/2016 ( آخر تحديث: 24/03/2016 الساعة: 13:44 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
يقول الحكماء ان الافطار صحة، والغداء جوع، والعشاء مسرّة .. وان تناول الافطار مهما كانت الكمية صغيرة فانها تحمل العافية، اما الغداء فهو جوع تتناوله غالبا دون تردد ودون انتقائية لان ساعات العمل تنهك جسدك وتجعله بحاجة للتزود بالطاقة، اما العشاء فهو مسرة وانت تتناوله مع من تحب ومن تختار.
ومن السياسة والامن نجد انفسنا نتحدث عن وجبات الطعام لانها تعبير مباشر عن السلوك الاستهلاكي والاقتصادي للمجتمع.
ومن يشاهد الموظفين والمعلمين في العواصم العربية يعودون مهرولين الى المنازل لتناول وجبة الغداء يعرف حينها انها السبب في انقطاع ساعات العمل، فقد اصبح الاقتصاد العام والوظيفي في بلاد العرب يعتمد على وجبة الغداء في المنزل، وبعد الساعة الواحدة ظهرا يبدأ الموظف بالتلوي والتفكير في الوجبة، لان اماكن العمل والمدارس والجامعات والوزارات لم تؤسس نفسها ولم تعمل على ترتيب ساعات عملها بحيث تتوفر بداخلها وجبة الغداء، فينقطع العمل وتتثاءب المؤسسات الحكومية بعد صلاة الظهر بحثا عن الوجبة المنتظرة.
ولو تخيّلنا ان الوجبة المذكورة متوفرة كساندويش او سلطة او وجبة ساخنة في كافتيريا العمل لعرفنا كم سيوفر الموظف مواصلات وانهاك وحافلات عامة وسيارات اجرة، والغريب ان العالم العربي بعد الساعة الواحدة ظهرا يتحوّل اوتوماتيكيا من طاقة توظيف وعمل الى حالة جوع، وتهرع سيدة المنزل الى المطبخ لاطعام الافواه الجائعة فتفقد صباحها في الاعداد وظهيرتها في الجلي والترتيب. والاغرب ان العاملين والموظفين يتحوّلون بعد تناول وجبة الغداء الى طاقة مهدورة، الى قيلولة لا تنتهي بساعة او ساعتين وتمتد الى ساعات الليل الاولى. ما يجعل الوظيفة بطالة مقنّعة.
القطاع الخاص بشكل خاص تخلّص نوعا ما من هذه العادة، والزم موظفيه وموظفاته بالعمل 8 ساعات او بمعدل 43 ساعة اسبوعيا، فزاد الانتاج وزاد الراتب وجرى تأسيس نظام عمل الاسرة على وجود وجبتين منزليتين هما الافطار والعشاء. ولكن الغالبية لا تجد وظيفة ولا تجد وجبة غداء اساسا.
وفي النشرة الاخيرة للمراقب الاقتصادي والاجتماعي الذي يصدره معهد ماس برام الله بالتعاون مع جهاز الاحصاء المركزي وسلطة النقد الفلسطينية فان الناتج المحلي الاجمالي في الاراضي الفلسطينية (ولا أعلم لماذا يكتبون الاراضي الفلسطينية وكانها أراضي عزبة او اقطاعية) بلغ 1,9 مليار دولار ويمثل هذا الرقم انخفاضا بنسبة 1,9%. كما انخفض عدد العاملين بنسبة 2,5% ليصل الى 947 الف عامل منهم 59% من الضفة و28% من غزة و12% يعملون في مستعمرات اسرائيل.
وتراجع اجمالي الايرادات ولبمنح نحو 4 مليار شيكل فيما ارتفع اجمالي موجودات المصارف 12.5 مليار دولار. اما صافي أرباح البنوك فقد ارتفع بمقدار 4,2 مليون دولار. واللافت للانتباه انه وحول الاسعار والقوة الشرائية فقد ارتفعت اسعار التعليم بنسبة 1,2% والخدمات الطبية بنسبة .071% والمواد الغذائية والمشروبات المرطبة بنسبة .67% والسكن 2,06% كما هبط سعر صرف الدولار. اما رصيد الدين الخارجي على فلسطين فقد بلغ نحو مليار ونصف دولار.
وفي القراءة التي تفيدنا في معرفة انه لا يوجد هناك خطة اقتصادية ولا رؤية اقتصادية في فلسطين وانما سوق تتلاطمه الامواج ويغرس فيه المنظرون الاقتصاديات سيوف النقد بلا رحمة. فقد انخفض معدل الخصوبة في فلسطين وهو امر لم يحل دون زيادة السكان .
الجدار العنصري عزل 40 الف دونم مزروعة بالزيتون وهو امر كارثي على الفلاح والقرية الفلسطينية.
نقطة سوداء اخرى في ثوب الاقتصاد الفلسطيني ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل من حملة الدبلوم المتوسط فأعلى الى 35,7% ، اما نسبة العاطلين من بين جميع التخصصات فقد ارتفعت لتصل الى 49,6% وثلث النسبة من العلوم الاجتماعية اذ بلغت 42,9% كما كانت نسبة العاطلين عن العمل من خريجي الصحافة والاعلام مرتفعة.
متوسط اجر العامل في فلسطين بلغ 92 شيكلا يوميا وفي قطاع غزة بلغ 63 شيكلا يوميا.
في فلسطين كل شئ ينخفض الا البطالة والاسعار، وتثبت الايام ان هناك تيارين يتنازعان الاقتصاد الفلسطيني، تيار غالب وغني يصب في مصلحة استمرار اتفاقية اوسلو واتفاقية باريس وهو تيار استهلاكي انتهازي لم ينجح في تأسيس اقتصاد دولة ولا في ضمان العدالة الاجتماعية في التوزيع ، ورغم تمسكه وتشدّقه بالشعارات الوطنية لم ينجح في تأسيس جبهة اقتصادية وطنية بقدر ما يتمثل البهلوانية والارتجالية والادعاء انه ليس كمبرادورا وسيطا لاقتصاد الاحتلال، وتيار ثاني انما هو اشد قسوة على المواطن لانه سلبي عدمي يرفع شعارات كبيرة ولا يملك من ناصية الاقتصاد سوى الدعوة وشوكة النكاية ضد تيار اوسلو.
كمجتمع تحت الاحتلال نحن بحاجة لرؤية اقتصادية تشارك فيها المنظمات الاهلية واللجان الشعبية للمخيمات والمجالس البلدية للفلاحين والبلديات في المدن واتحادات العمال والنقابات ولجان المراة ومجالس الطلبة، وليس خطة يعمل على صياغتها التجار و "الكمبرادور الوطني". ومن دون ذلك ستتفشى النزعة الاستهلاكية وتحويلات العلاج في الخارج والذي بدأه المسؤولون واولاد المسؤولين. وسيبقى الفلسطيني امّا عاطلا عن العمل او متفرغا في الاجهزة الامنية او حائرا يحمل ايفون 6 ويحترف الفيس بوك والتواصل الاجتماعي ويسهر بالليل وينام بالنهار، ودائما تتحمل الحكومات المسؤولية وليس الجماهير . فالناس على دين ملوكهم.