الكاتب: شيماء كمال أبو قمر
شتاء في الواحد والعشرون من فبراير عام 1769 تحديدا وفي مخيم درعا هو اليوم الاول لبدء السنة الدراسية الجديدة للطلاب ! ففي صباح اليوم تجدهم ينهضون من مخادعهم يستعدون للذهاب الي المدارس المجاورة لهم .كان اخي الصغير في ريعانه , يبلغ من العمر اثني عشر عاما يوقظني علي خرير قطرات الماء التي طالما يرطب وجهه بها قبل ذهابه اليها ، حيث الصوت المعذب(تك -تاك-تك-تاك ) .
تحديدا وفي هذا الصدد , تلك طريقة ذريعة يتبعونها الجنود الاسرائيليون لتعذيب الاسري الفلسطينيين عند وضعهم في زنزانة مظلمة كالحة بالسواد ،تشتت من اذهانهم ،تضيق علي قلبهم من الداخل كرصاصة جريرة تطلق علي أمه أمام عينينه ! في الواقع لم يكن في ذلك الوقت أي نوع من المباني الضخمة التي بداخلها أدوات حديثة ك المقاعد والالواح الخشبية للدراسة ! كما في مدينة جنيف حيث المدارس الضخمة هناك ! يدرسون العلوم في احدي ضواحي المخيم في تلك الخيمة البيضاء المجردة من البلاط والدهان الابيض المعتاد ,تحديدا عند ناقورة المياه , يجمعون بعضهم فيذهب كل واحد منهم للاخر .
وعندما يكتملون يتوجهون الي معلمهم لكي يحضر الي ذلك البستان المتواضع !! في مسيرهم اليه تشعر نحوهم وكأن هناك ثورة ستقام مستعدون دوما لمواجهة العقبات ! في احدي الطرقات المطلة الي احد التلال التي يكسوها الخضار واخري تكون عارية منها ؛ رأيت رجلا يبلغ الخمسين من عمره .في عيناه الزرقاوين اللامعتين تجد النشاط يتراقص في قلبه وعقله ،يروي حكاية انتقال الأهالي من الريف الي المخيم ، لحفيدته موفورة الجمال ذات الشعر الاسود الطويل المكسي بقبعة وردية الشكل حمراء اللون الملائمة لبشرتها البيضاء وعيناه الخضراوبن في حجريهما البراءة والامل يقول النساء الكبار منهم والصغار !!
الاطفال والرجال تجدينهم يحملون ذلك الكيس المخرم ذو اللون الابيض يلفونه كملف الطفل الرضيع في جوف أمه وثمة اخرى تجدينهم يحملون أكياس من القش لوضع طعامهم المتواضع علي أكتافهم الفاقة !! ا يقتطعون المسافات الطائلة ! فلم يكن الامر سانحا لهم للاستمرار فأخذوا قسطا من الراحة في منتصف مسيرتهم واخري يستمرون ! ظهيرة ! يأخذون بتناول طعام الغذاء كان عبارة عن طبق من المقلوبة الشهية فهو من أشهر المأكولات الشامية مع طبقا من اللبن ! كنت أرى ملامح البؤس والحزن عليهم وفي نفس الوقت اري معالم التحدي تطفي علي ذاك الحال ! كان اكثر ما يميزهم لبسهم للسراويل الواسعة البيضاء المائلة للاصفرار والحطة والعقال الدائري مفتوح الوسط ذو اللون الاسود ! انتهي بهم المطاف الي تلك الغرف التي كانت تمثل بيوتا تحاذي بعضها البعض .
تجدي الجمال يعلن عطره للزائر اليه ليس كجمال جزيرة المهربين في خليج لأثر كومب بمعالمه الطبيعية الخلابة ,الجذابة بمتاجرها الضخمة ,ريثما كانت اسواق المخيم عبارة عن حانات كل حانة لها الحرفة الخاصة كالحفار علي المعادن والملابس .حيث الاهالي يَقدمون اليه ليصنع علي اغراضهم ما يحل لهم من تطريز ,نقش ,نحت علي التحف الاثرية ,عمل الزخارف الطبيعية ...الخ وصائغ الذهب ذائع الصيت يعد لهم ما يجول في خاطرهم ك عُقد من الذهب المصقول يلتحف علي العنق , وسِوار تزين محور اليد , بيع البحارة للاسماك الطازجة !
حتما لم يكن تكلفة عمل هذه الاغراض كسعر السيكان أي ما يقدر ب (9-12) فرنك كما في مدينة البندقية بل اقل ! حتي في اسعارهم , ملابسهم , دينمايكيتهم ,حبهم لبعضهم , وفاء تعاشرُهم بسطاء ! لكن حقا أهم ما يميزهم بساطة العيش ، لهجتهم الفلسطينية , فرحة الأهالي بلقاء بعضهم واجتماعهم علي تلك الاريكة المخرمة (الحصيرة ) امام موقد اشعال النار لتوقدهم بالدفئ ,يحتسون كأسا من القهوة , مستنشقين الهواء الطلق , يتداولون فيما بينهم روايات اجدادهم , هجراتهم و تحديات يتعرضون لها . قلة وجود المال ، ثياب قديمة مهترءة ،ازهار تبرز كالبيارق في الربيع ! وعند انسدال الليل يصبح المخيم كالنجوم في السماء ،البيوت تشعشع منها الاضواء تشعرك وكأن هناك حفلا يقام !! حقا انوارها توحي بالامل الذي لا يخلو منها ، حل الان الاحتفال بمراسم عيد الفطر ، حيث تجد الاهالي صباحا ومنذ فجر باكر يعدون انفسهم لارتداء ملابس العيد هي ليست كروعة ملابس عصرنا اليوم .
لا سيما ذات القيمة الجياشة بالنسبة لهم ! العباءة البيضاء التي يتوسطها حزاما احمر يغطيها المعطف الاسود , القبعة الحمراء التي يحاذيها من الاعلي (شعيرات مترابطة ببعضها متدلية لأسفل ) ! في المخيم نكهة تهاليل العيد لها طرزها الخاصة .يجتمعوا الاهالي منطلقون الي الساحات الواسعة التي يدور بفلكها اشجار البلوط الخضراء وازهار فواحة العطر .! يتبادلون فيها القبلات والتحيات بوجه مبتسم ! يتتوقون لرؤية بعضهم بلهفة جياشة .!فحين يلتقي العجوز بفتىً صغير ينشرح صدره ،يعتمره بالسعادة تجاه .بعدها يتوجهون الي الصلاة ،ونَور الشمس الذي يضفي من أشعتها علي ساحتهم الجمة بالمصلين ! وبعد هنيهات من قضاءها يتوجهون الي منازلهم , يتناولون حساء من الشاي مع قطعة دائرية مغطاة بالسكر من الكعك الطازح ، بضحكات تملأ ذلك البيت تعبيرا لفرحتهم بمجئ العيد ! ؛ "زيارات الاقارب ، الهدايا ، الالعاب القديمة المنتشرة بين اطفال الحي ك لعبة الحجلة ونط الحبل , العيدية ، الشوكولاتة ,الاراجيح الضئيلة ، عمل الطبق الشهي من السمقية صباحا ، تناول طبق الفسيخ تارة أخرى، موسيقي الاوبرا بحذافيرها ، بائع البلالين في الساحة المجاورة " ، حقا هذه هي طقوس العيد في المخيم الذي ليس كجمال ( نزل واترلو الشهير بفطوره , بمعالمه , بخدماته التي يقدمها للنبلاء لكن الحقيقة هنا أن : (الجميع بسلام ..لا أحد مقيد
شيماء كمال أبو قمر
كاتبة فلسطينية – 15 عام