الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حكومة التوافق الوطني القادمة والكفاءات؟

نشر بتاريخ: 31/03/2016 ( آخر تحديث: 31/03/2016 الساعة: 10:37 )

الكاتب: عقل أبو قرع

حسب الاخبار الواردة من العاصمة القطرية الدوحة هذه الايام، يبدو وان صحت هذه الانباء ان هناك اتفاق على تشكيل حكومة جديدة للوفاق الوطني، وهذا امرا ايجابيا، ومرحبا بة، ولكن وفي ظل الامل والتفاؤل بأن يكون تشكيل هذه الحكومة، وأن تم بالفعل وبالشكل الذي يتم الحديث عنة، بأن يكون التطبيق العملي لهذا الاتفاق هو المعيار، وبأن تمارس الحكومة الجديدة مهامها على كافة المناطق الفلسطينية، اي في الضفة وغزة، وكذلك ان تعمل هذه الحكومة وبالاخص في المواضيع التي تمس الحياة اليومية للناس بشكل مهني علمي، في الزراعة والصناعة والسياحة والاقتصاد والمياة والبيئة والصحة والتعليم وما الى ذلك؟

ولكي تقوم بذلك، من المفترض ان تشمل الكفاءات المهنية المتخصصة والتي على دراية بما يتم على الارض، هذه الكفاءات، حتى لو كانت مستقلة، اي لا تنتمي رسميا او بشكل اخر الى اي فصيل او جهة، الا انها من لب المجتمع الواسع، وربما تعاطفت مع هذا الفصيل او مع ذاك، وربما كانت مستقلة تماما، ولكنها جزء من النسيج الوطني الكبير، اي هي جزء من الوفاق أو التوافق أو من الشمول الوطني العام.

والحكومة الجديدة من المفترض ان تستفيد من خبرة الحكومة الحالية، سواء على الصعيد الايجابي او من خلال التحديات والعثرات التي واجهتها خلال فترة عملها، وان تعمل على اخذ الاولويات بعين الاعتبار، بالاخص في ظل وضع اقتصادي جامد أو متجمد، وفي ظل معدلات بطالة مرتفعة وترتفع بأستمرار، وفي ظل غلاء الاسعار وازدياد نسبة الفقر، وفي ظل حالة من القلق ومن عدم الوضوح التي تعصف بالوضع الفلسطيني العام؟

حيث وفي ظل هذا الواقع الحالي، فأن ما يهم المواطن والناس، هو القدرة على توفير الخدمات الاساسية للمواطن، من صحة ومن تعليم ومن امان ومن استقرار وسلامة، وفي اوضاعنا الخاصة، العمل على تثبيت وجودة في الارض المتنازع عليها بشدة، والعمل على تحقيق الحياة الكريمة والاحترام له، من خلال تشجيع الظروف المتوفرة، وتوفير الامكانيات وتسخير المصادر الحالية، لايجاد فرص عمل وتشغيل وانتاج وتصدير، والعمل على تحقيق نوعا من الامن الغذائي ومن الامن الدوائي، سواء من خلال دعم القطاعات الانتاجية، مثل الزراعة والصناعة وبأنواعها، وكذلك العمل على حماية المقومات الطبيعية، التي بدونها لا يمكن العيش بشكل سليم والتقدم، اي حماية البيئة التي فيها يحيا، حمياتها من التلوث ومن التداعي، سواء اكان ذلك الهواء، او المياة، اوالارض والتربة، اوالمنتجات الغذائية والتنوع الحيوي وغير ذلك.

وبغض النظر عن تفاصيل او ملاحق الاتفاق او التفاهم الذي من الممكن ان تتوصل الية الاطراف الفلسطيينة في الدوحة هذه الايام او خلال الايام القادمة، هذا اذا تم ذلك، وبغض النظر عن الترتيبات الجديدة التي من الممكن أن تنتج عن ذلك، وسواء ادى ذلك الى تغيير او تعديل جذري او شكلي في في طبيعة الحكومة، الا أن ما يهم المواطن الفلسطيني العادي، هو مدى ما سوف يؤدي ذلك الى تغيير في حياته اليومية، وبالشكل الايجابي، وبالاخص في حقائب او مجالات مهمة، تتداخل في حياتة المعيشية اليومية.

وبالتالي فأن اي تغيير او تعديل في الاشخاص، وبالاخص في حقائب مهنية حياتية، من المفترض ان يتم من خلال ضخ الكفاءات المتخصصة، ومن المتوقع ان يتبعة تغيير في سلم الاولويات، وفي برامج عمل او في سياسات وفي خطط ، بحيث تؤثر، وبشكل ايجابي، على غالبية المواطنين، وبشكل تضع المواطن او الناس كأولوية، بعيدا عن التجاذبات وعن المناوشات وعن تبادل الاتهامات او عن جني الفوائد المترتبة عن اي اتفاق او أي تفاهم؟.

فهناك مثلا الصناعات الفلسطينية، ومنها الصناعات الغذائية كمثال على القطاع الانتاجي، والتي تشكل حوالي 25% من الانتاج الصناعي الفلسطيني، وتنتج حوالي 200 نوعا مختلفا من المنتجات الغذائية، وتقوم بالتصدير الى الخارج بقيمة تصل الى مئات ملايين الدولارات، وبالتالي تساهم في الناتج القومي الاجمالي وفي التشغيل وفي الحد من البطالة، وهي بحاجة الى زيادة التسويق الى الخارج، ولكي تتطور وتتوسع، فانها بحاجة الى الدعم وتوفير البنية التحتية والايدي العاملة المدربة والادارة الجيدة، وكذلك بحاجة الى الاثبات لمن يستورد المنتج الغذائي، انة منتج امن وسليم، وهذا يحتاج الى المزيد من الارشاد حول استخدام المواد الكيميائية،والى الاستثمار في مختبرات لفحص بقايا هذه المواد الكيميائية، سواء في المنتج الزراعي الطازج او في المنتج الغذائي المصنع؟

وهناك القطاع الصحي، ورغم التقدم والتطور وفي اتجاهات عديدة، ورغم الاستثمار وتسليط الاضواء وتحقيق الانجازات في عدة قطاعات، الا ان هذا القطاع ما زال يحتاج الى ترسيخ ثقة المواطن والناس فية، وفي الرعايات الصحية المختلفة التي يوفرها، سواء اكانت الرعاية الصحية الاولية والفحوصات والمختبرات والتعامل، او في المستشفيات، وهناك الحاجة الى بناء قاعدة صحية قوية، من حيث الكفاءات البشرية المدربة والمتخصصة والتي تبقى تعمل ولا تغادر، اي الى توفير الحوافز بعيدة المدى، والى تقوية البنية التحتية من اجهزة وابنية وادوية وصحة عامة تعتمد على الوقاية وعلى التطعيم وعلى مقاومة انتشار الامراض المزمنة، اي غير السارية او الامراض السارية، وليكن الهدف هو ترسيخ احترام وثقة واقبال المواطن للقطاع الصحي.

وهناك الاولوية للتعامل ومن منظار شامل مع الاوضاع البيئية الفلسطينية، في ظل تصاعد الاهتمام العالمي بالبيئة وبالتغيرات المناخية وبالاقتصاد البيئي وبالطاقة النظيفة، وفي ظل تواصل تداعيات الكارثة البيئية التي احدثها العدوان الاخير على قطاع غزة، في تلك البقعة الجغرافية الضيقة، والممتلئة بالبشر، وفي ظل الحاجة الى التعامل مع توفر وجودة وتلوث المياة وبالاخص المياة الجوفية، وتلوث التربة، او تلوث مياة البحر، او الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياة العادمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك للتعامل مع ضعف او مع غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لايلاء البيئة في غزة والضفة الاهتمام الكافي، وهناك كذلك الحاجة للتعامل مع التدهور البيئي المتواصل الذي ينتج عن الاستيطان وتبعاتة في الضفة؟

ومع الانتهاء من اضراب المعلمين الذي استمر حوالي شهر، وبقاء الاوضاع هشة نوعا ما، فالمطلوب الاستفادة واخذ العبر والدروس من الاضراب، وايلاء المعلمين الاولوية في ظل الحديث عن اي تغيير او تطوير او تحديث في العملية التعليمية والتربوية في بلادنا، حيث هناك الحاجة الى احداث التغيير النوعي، سواء من حيث امتحان الثانوية العامة، اي التوجيهي، او من خلال وضع خطط بعيدة المدى للتعامل مع الاعداد الهائلة من الخريجين، التي يتم زجها سنويا الى سوق العمل وبقاؤها بدون عمل، حيث ما زال النمط التقليدي، او المسار الذي اعتدنا علية، سواء من حيث التخصصات وتكرارها او من حيث المعايير او من حيث توفير المصادر والامكانيات للبحث العلمي، او من حيث ربط التعليم العالي مع احتياجات المجتمع، او على الاقل مع تطلعات القطاع الخاص في بلادنا، ما زال هذا النمط هو السائد، وما زالت النظرة الى التعليم العالي على انة فقط لقضاء اربع سنوات او اقل او اكثر، ومن ثم الحصول على شهادة، ومن ثم على لقب، وبالتالي على وظيفة اذا امكن؟

وبالتالي فهناك الحاجة الى النظر الى التعليم المهني بشكل استراتيجي عندنا، والذي هو ربما اهم من التعليم الجامعي في بلادنا، والذي تستثمر فية الدول المتقدمة الجزء الاكبر من الميزانية ومن الخطط الاستراتيجية، والذي يقبل علية الكثير في هذه الدول، حيث ورغم الاهتمام المتزايد في التعليم المهني عندنا، الا ان القليل قد تم عل الصعيد العملي، من اجل تشجيع الاقبال على هذا التعليم او خلق الفرص والامكانيات من اجل توجة الطلبة نحوة، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي، سواء من حيث الكم اوالنوع مع احتياجات المجتمع.

وللسير في هذا الاتجاة، فأن ذلك يتطلب سياسات وقوانين وانظمة من اجل زيادة الاقبال على هذا التعليم، وهذة القوانين من المفترض ان تحدد الاسس ومن ثم الحوافز من اجل التوجة الى هذا التعليم، وهذا يتطلب ايجاد تخصصات متقدمة ومحترمة وتساهم في تقدم المجتمع كما ساهمت في تقدم مجتمعات اخرى وليس فقط تخصصات اعتاد الناس عليها خلال عشرات السنوات الماضية، وهذا يتطلب كذلك توفير الامكانيات من مختبرات ومشاغل وكوادر بشرية، وهذا يتطلب زيادة الوعي عند الناس لتغيير نظرتهم الى التعليم المهني والتفني وكأنة درجة ثانية بعد التعليم الجامعي، وهذا يتطلب الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص الذي لا يتقدم كما يتم في المجتمعات الاخرى بدون الاعتماد على مخرجات هذا التعليم، والذي بدونة لا يمكن التعامل وبشكل جدي مع قضية البطالة في بلادنا.

وهناك الاولوية، وفي اطار الامكانيات، لمعالجة قضايا مثل البطالة، وهناك الحاجة الى التطبيق العملي والمتابعة لسياسة الحد الادنى للاجور للعمال، وقضايا يومية اخرى تتعلق بسلامة الطعام والدواء وحماية المستهلك وشحة المياة والازدحام على الطرق، وتراكم النفايات وما الى ذلك من امور يلمسها او يشاهدها الانسان الفلسطيني ويأمل ان يتم تغييرها او التعامل معها، وهذا ما يأمله او يتوقعه الناس، من خلال تفعيل عمل حكومة الوفاق الوطني على الارض بشكلها القادم ومن خلال كفاءات وخبرات مهنية.

ومع انتظار التطبيق العملي لما يتم الحديث عنة هذة الايام في قطر، فأن هذا التطبيق او التغيير للوضع الحالي، من المفترض ان يؤدي الى تحقيق نوعا من التناغم او من الأنسجام، او من فلسفة عمل الفريق الواحد في الحكومة القادمة، من حيث التركيز على النتائج والانجازات على الارض، ومن حيث زيادة او تفعيل التواصل مع الناس وتفهم قضاياهم ومشاكلهم، وبـأن تكون قنوات التواصل مع المواطن ومع الاعلام واضحة وصريحة، وتعكس الحقائق بدون مبالغة او بدون وعود كبيرة، وبأن تستند خطة العمل على تحقيق اهداف واقعية ومرتبطة بفترة زمنية محددة، وبأن يتم قياس ما يتم تحقيقة على الارض، من خلال مؤشرات تركز على النتائج وليس على الاقوال والبيانات ، وبأن يتم تبني الاسس العلمية لعملية المتابعة والتقييم والمساءلة والتعلم، من اجل قياس تحقيق اهداف الحكومة القادمة في كافة الاراضي الفلسطينية!