نشر بتاريخ: 01/04/2016 ( آخر تحديث: 01/04/2016 الساعة: 10:49 )
الكاتب: م. محمد يوسف حسنة
شمالاً حيث حاجز ايريز مريض يذهب للعلاج في الداخل المحتل فيُعتقل أو يتم مساومته من قبل الاحتلال على أن يصبح عميلاً، وجنوباً حيث معبر رفح نافذة غزة على العالم الخارجي يُحرم طالب الدراسة وأصحاب الإقامة والساعي عن فرصة للنجاة من المرض، ويقف إغلاقه حائلاً أمام أحلام الشباب في البحث عن فرص عمل ولربما اكتشاف ماهية العالم.
وشرقاً يجتهد مزارع في أرضه ليُحيلها خضرة بعد أن عصفت بها حروب متتالية وغرست آليات الاحتلال مخالبها في باطن الأرض فدمرت وأحرقت وخربت، وبينما هو ينثر البذور ويسقي الأرض تداهمه رصاصات الموت المنطلقة من المواقع العسكرية الإسرائيلية الشرقية.
وغرباً حيث الماء الزرقاء وبحر فيه رزق الله الواسع يعتلي صياد قاربه يُبحر طالباً الرزق، وما أن يصل منطقة بها خيرات مما فاض به البحر، ويبدأ بانتشال الشباك، تُطارده آليات الاحتلال البحرية بإطلاق النار تارة ومصادرة المعدات تارة أخرى وقطر القارب واعتقال الصياد تارة أخرى.
وبين الحدود ما يقارب من 2 مليون مواطن فلسطيني يُطحنون بين عدوان ظالم يتكرر مابين الفينة والأخرى، وحصار ظالم ممتد لأكثر من عشر سنوات ويقترب من إتمام عامه الحادي عشر، وغياب أفق سياسي وانقسام فلسطيني يُعاظم المشاكل الاجتماعية ويقتل في المهد أي أحلام تحاول تجاوز هذا الواقع.
خمس مشاهد تختصر الحكاية ولكنها لا تعبر عن الألم، وتعجز الكلمات عن إيصال صورة الوضع القائم في قطاع غزة نتيجة حصار لا تلوح في الأفق نهايته، بل قد يُشدد ويُضيق على مواطنيه أكثر، فالمطلوب خضوعهم والنيل من كرامتهم، وقبل هذا وذاك ترك سلاحهم وأن يأمن العدو جانبهم.
حصار أكل الأخضر واليابس ونهش أجساد معظم المواطنين، ودمر اقتصاد قطاع غزة، وفاقم البطالة فيه والتي وصلت إلى 41%، فيما بلغت البطالة في أوساط الشباب 60%، ويُعاني أكثر من 57% من مواطني قطاع غزة من انعدام الأمن الغذائي، وارتفعت نسبة الفقر في القطاع لتصل 60%.
فيما هنالك ترهل واضح في كافة الخدمات الأساسية المقدمة من وزارات قطاع غزة التي لا تملك النفقات التشغيلية لإدارة وتقديم الخدمات، فيما يتقاضي أكثر من 40 ألف موظف 40% من قيمة الراتب.
ولك أن تتخيل الآثار الاجتماعية للفقر والبطالة ودمار الاقتصاد وانهيار منظومة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء، وكأنه يُراد إرسال قطاع غزة بمن فيه للعصور الوسطى، ليقبل بأي شىء تحت أي ظرف فُيصبح الثابت متغير والمرفوض مقبول، على أن يُسوق التنازل انجاز للتخفيف عن المواطنين.
في عدوام صيف 2014 اسُتشهد أكثر من 2150 شهيد، فيما جُرح مايقارب 12 ألف جريح، وتم تدمير 20 ألف وحدة سكنية تدميراً كاملاً فيما تم الحاق دمار جزئي بـ 60 ألف وحدة أخرى، وتُرك أكثر من 110 ألاف نازح دون مأوى، وطال الدمار كل القطاعات في قطاع غزة، وسط صمت مريب عدا الإعراب عن القلق وطلب ضبط النفس ومساواة الضحية بالجلاد، والمساعدات الإنسانية التي كانت غزيرة وقت شلال الدم ما لبثت أن جفت حين وضع العدوان أوزاره.
ونحن نقترب من العام الحادي عشر للحصار على قطاع غزة، يصمت عنه بل يُشارك فيه العالم بما فيه المجتمع الأوروبي والأمريكي الذي يدعي أنه منفتح ديمقراطي يُدافع عن القيم الإنسانية، ويسعى لتطبيق العدالة العالمية، لينعم العالم بالأمن والسلام.
الأمر الذي يجعلك تراقب مذهولاً ووسط صدمة كيف لهذا المجتمع الدولي مدّعي القيم أن يشارك في حصار 2 مليون إنسان، ثم يطالبهم بالإيمان بقيم التسامح والسلام، وضرورة الجوار مع العدو الغاصب قاتل الشباب والأطفال.
إن الحصار والعدوان وعدم إنهاء الاحتلال يدفع الشعب الفلسطيني عامة والشباب خاصة يفقد الثقة بالمجتمع الدولي وقيادته، وفقد الثقة معناه تدمير الحلم وانتهاء الأمل، والبحث عن فرصة للانتقام، للتعبير عن الغضب طالما أن الصورة والكلمة لم تحقق المراد ولم تلفت الانتباه.
إن يأس الشباب عامل خطير يجب أن يتفطن له العالم قبل أن يدفع ثمنه ثم يتحدث لماذا فعل ذلك الشباب ويُشكل لجان لدراسة الحالة، ومن ثم ينفق أمواله في محاربتهم والحد من خطرهم بعد أن كان هو سبب نشأة الخطر وتحول الشباب من مواطن حالم يُشع أمل لمواطن مدمر يبحث عن الانتقام، فقد وصل الحال ببعضهم لعرض كليته للبيع لأجل أن يعيش أو يُعالج أمه أو زوجته المريضة.
رفع الحصار وحرية الحركة لمواطني قطاع غزة واجب ومسؤولية دُولية، وحق يجب أن يُدفع لغزة دون قيد أو شرط، وقد مل الشعب الفلسطيني المناشدات والحديث بلغة الاستجداء، وحاله اليوم #بكفي_حصار قبل الانفجار الذي وإن ترتب عليه تضحية فقد يدفع العالم أجمع ثمناً باهظاً لا يُطيقه.
فالمعادلة واضحة شعب نال حقوقه وحقق الرخاء والتنمية يستطيع أن يُشار بايجابية في مكونات المجتمع الدولي، وشعب سُلب حقه وأرضه وتمت محاصرته لن يجد سوى الانغلاق والتطرف والغضب والانتقام وسيلة لرد الاعتبار.
ولنكن صادقين مع أنفسنا فإن الصورة قاتمة جداً ولربما يمتد الحصار سنوات وسنوات، فالعالم مشغول بصراعات مجنونة وغزة ليست على قائمة الأولويات، مالم يحدث حدثاً خارقاً يُعيد لغزة أهميتها وسط زحمة الأحداث، ولغة المصالح وسيادة منطق القوة لا قوة المنطق.
وعليه فالسؤال الآخر الموجه للمؤسسة السياسية الفلسطينية وأحزابها وقيادة غزة خاصة ماذا أعددتم لهذا السيناريو، وإلى متى سيبقى الانقسام الفلسطيني خنجر في الجسد الفلسطيني يُعزز جروح الحصار والعدوان الغائرة.