نشر بتاريخ: 03/04/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2016 الساعة: 11:54 )
الكاتب: د. فايز أبوستة
تعتبر قرية العوجا من القرى الفلسطينية المنكوبة, لما حل بها من جفافٍ منذ نحو عقدين من الزمن, وخاصة أن سلطات الاحتلال قامت بحفر ثلاثة أبار جوفية في محيط عين العوجا المصدر الرئيسي والوحيد للمياه, الأمر الذي أدى الى الجفاف الذي تعاني منه آلاف الدنمات من الأراضي الزراعية, وقد تكبد المزارعون خسائر تقدر بملايين الشواقل, وتحويل شريحة واسعة منهم الى عمال في المستعمرات الاسرائيلية في الأغوار.
لقد أدت هذه الأوضاع الصعبة أيضاً الى اخراج مساحات واسعة من الأراضي الى خارج نطاق الزراعة, وتحويل مساحات كبرى منها الى مدخرات عقارية مقزمة ومفتتة تغزوها المساكن المؤقتة لبعض أسر الطبقة الوسطى من الضفة الغربية التي تقصد العوجا للاستجمام في فصل الشتاء.
ونظراً لمعضلة المياه التي تعاني منها العوجا وبناء على الجهود المبذولة من قبل رئيس بلدية العوجا السيد فخري النجوم, قامت الحكومة اليابانية ممثلة بجايكا بانشاء بئر جوفي منذ العام 2012 ( خصيصاً لبلدة العوجا ) التي يقطنها نحو 7000 نسمة والذين يتزودون بمياه الشرب المشتراة من شركة ميكوروت الاسرائيلية,ونتيجة للأوضاع الاقتصادية السيئة للسكان تراكمت ديون عدادات المياه على الأهالي وعلى البلدية, حيث بلغت ديون بلدية العوجا أكثر من 12 مليون شيكل . مع العلم أن نسبة الفاقد في شبكة العوجا هي من أعلى نسب الفاقد على مستوى الضفة الغربية, حيث بلغت أزيد من 200%, والتي يعزوها رئيس بلدية العوجا الى قدم الشبكة والتتنفيسات والتعديات والسرقات,وخاصة التعديات والسرقات التي يمارسها أحد المستوطنين في العوجا, وبما أن طول الشبكة الواصلة للعوجا نحو ثماني كيلومترات فانها تكون عادة مضغوطة بالهواء نتيجة للانقطاع المتكرر للمياه وخاصة في فصل الصيف الحار, مما يجعل العدادات تسجل كميات سحب وهمية أكبر من حجم الاستهلاك الحقيقي للمياه.
وبسبب شح المياه صيفاً تضطر معظم الأسر الى شراء مياه الصهاريج, سواء للاستخدام المنزلي أو للثروة الحيوانية البالغ تعدادها نحو 35 ألف رأس من الماعز والأغنام, حيث تبلغ كلفة كل صهرج نحو خمسون شيقلاً, تثقل أعباء تلك الأسر التي أصبحت تفتقر لمصدر رزقها الرئيسي المتأتي من الزراعة.
وبناء على طلب جايكا من أجل استكمال العمل في مشروع البئر, قامت بلدية العوجا باستملاك البئر بشكل رسمي من أصحاب قطعة الأرض التي يقع عليها البئر, وكانت بلدية العوجا تقوم بالمراسلات بشأن البئر بصفتها مالك لقطعة الأرض المقام عليها البئر مع كافة الجهات المعنية ( جايكا والحكم المحلي أو سلطة المياه الفلسطينية ) سواء قبل البدء بالمشروع أو بعد عملية الحفر, وقد تم أيضاً الاعلان في الصحف عن العطاء لعملية تنفيذ المشروع أيضاً بناءً على ملكية بلدية العوجا للبئر ولقطعة الأرض.
منذ أن انتهى العمل في حفر البئر عام 2013 أخذت سلطة المياه تطالب باستملاك البئر وادارته,وتوزيع مياهه على مناطق خارج نطاق العوجا, متجاهلة حقيقة أن البئر جاء كمساعدة يابانية لبلدة فلسطينية منكوبة بمعنى الكلمة, ومتناسية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان.
هذا الأمر الذي يعكس تطلع سلطة المياه الى استملاك قطعة الأرض والبئر المقام عليها, يرفضه الأهالي جملة وتفصيلا, ممثلين ببلديتهم العوجا, ساعين الى جعل البئر تحت تصرف وادارة بلديتهم أسوة بالعديد من البلديات والمجالس القروية في الضفة الغربية, وذلك انسجاماً مع قوانين سلطة المياه ووزارة الحكم المحلي, الأمر الذي لا يتنافى البتة مع ادارة البلدية لهذا المصدر المائي الحيوي للبلدة. ومع العلم أنه تدار خدمات المياه في الكثير من المناطق من قبل الهيئات المحلية مثل بلدية نابلس، قلقيلية، سلفيت، طولكرم وتدار الخدمة في كثير من الاحيان من المجالس القروية ومجالس الخدمات المشتركة ولجان المشاريع, اذ بينت المادة 15 من قانون الهيئات المحلية رقم 1 لعام 1997 مسؤوليات وصلاحيات متنوعة، مثل فتح الشوارع وتراخيص الأبنية، تأمين الكهرباء، إدارة موضوع الصرف الصحي والنفايات، وتنظيم الأسواق العامة.
أما بخصوص خدمات المياه فهي كالتالي (وزارة الحكم المحلي،1997):
1. من صلاحيات الهيئات المحلية إدارة خدمات المياه والصرف الصحي في حدود المخطط الهيكلي للهيئة المحلية. فهي مسئولة عن تزويد السكان بالمياه لمختلف الأستخدامات إدارة توزيع المياه، وتحديد الأسعار. فيما تكون سلطة المياه مسئولة عن إدارة مصادر المياه والصرف الصحي.
2. من صلاحيات الهيئة المحلية إدارة خدمات المجاري داخل حدود الهيئة المحلية. فيما تكون سلطة المياه مسؤولة مسؤولية كاملة عن إدارة الصرف الصحي.
3. تكون الهيئات المحلية مسؤولة عن تحديد أسعار المياه التي تزود للسكان داخل حدود الهيئات المحلية لمختلف أوجه الاستخدام، فيما تكون سلطة المياه مسؤولة عن تحديد أسعار المياه في إطار مهامها المتعلقة بوضع نظام تعرفة للمياه.
وكذلك أوضح قانون المياه المعدل رقم 3 لعام 2002 الصلاحيات للبلديات والهيئات المحلية فيما يتعلق في إدارة خدمات المياه، فهي مسؤولة عن تزويد السكان بالمياه لمختلف الاستخدامات، إدارة وتوزيع المياه، وتحديد الأسعار، فيما تكون سلطة المياه مسؤولة عن إدارة مصادر المياه والصرف الصحي (سلطة المياه، 2002)
علاوةً على ذلك وفي بعض المناطق تزود المياه من خلال مصالح مياه ومثال على ذلك مصلحة مياه ومجاري بيت لحم ومناطق الإمتياز لهذه المصلحة هي بيت لحم، بيت جالا، بيت ساحور وكذلك الأمر مصلحة مياه محافظة القدس والتي تزود المياه في مناطق امتيازها وتشمل معظم محافظة رام الله وجزء من محافظة القدس, اذ أن المصلحة تقوم بمهامها بناء على قانون تنظيم شؤون مياه الشرب لمحافظة القدس رقم (9) لسنة 1966 . نص القانون وضمن الإمكانيات المائية والفنية والمالية لمصلحة مياه محافظة القدس تزويد سكان منطقة خدماتها باحتياجاتهم من المياه لأغراض الشرب وأية أغراض أخرى بالإضافة إلى تقديم خدمات الصرف الصحي لهؤلاء السكان وعلى النحو الآتي(مصلحة المياه ،1990) :
1. تزويد المياه بأسعار معقولة وبجودة تتوافق مع المواصفات والمعايير الوطنية للاستعمال المنزلي والصناعي وغيرها من الغايات.
2. جمع ومعالجة والتخلص من مياه الصرف الصحي حسب المواصفات والمعايير الوطنية.
3. الحفاظ على مصادر المياه الحالية وعدم استنزافها وتطوير مصادر مياه جديدة.
4. إنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة البنية التحتية والمرافق الأخرى الخاصة بتزويد وتقديم الخدمات.
5. تطوير الخدمات في الهيئات بشكل يضمن العدالة في توزيع الخدمات مع مراعاة الاحتياجات والجدوى الاقتصادية وسلامة البيئة.
رغم رفض البلدية التخلي عن استملاك البئر وادارته لصالح مواطني البلدة ومشاريعها الصناعية والتجارية المتنامية, صادق مجلس الوزراء الفلسطيني (على استملاك سلطة المياه لقطعة الأرض في العوجا من أجل انشاء بئر ), مع العلم أن البئر منشأ منذ عام 2012.
ان هذا الامر لا يعني سوى اعطاء ما لا يزيد عن ثلث الماء للبلده, أي توفير مياه الشرب فقط للسكان وهذا لا يحل مشكله الحاجه للمياه لتطوير المشاريع الانتاجية في العوجا, علما بان العوجا هي بلد زراعي بامتياز على مدى تاريخها الطويل وفقدان هذا القطاع يعني فقدان الارض وتفتيتها وابعاد الفلسطيني عن مهنته وارضه وتكريس تبعيته الاقتصاديه، الامر الذي يصب في سياسات واهداف المشروع الصهيوني بتفريغ الارض وتصحرها في وقت تعيش الاغوار اسوأ ظروفها, نتيجة السياسات الاسرائيليه الممنهجه لاحكام السيطره عليه ومنع أي فرصه لوجود فلسطيني قوي في المنطقه يخدم مشروع الدوله الفلسطينيه المستقبليه.
في ضوء ما تقدم, نأمل من مجلس الوزراء الموقر اعادة النظر في قراره تمليك قطعة الأرض المقام عليها البئر لسلطة المياه الفلسطينية, والتعامل مع بلدية العوجا كجهة شريكة في صنع القرار خدمة لأبناء البلدة الذين يعانون الكثير من جراء شح المياه, وقد يكمن الحل لهذه الاشكالية بين سلطة المياه وأهالي بلدة العوجا في ارساء مباديء الحوكمة الراشدة وانشاء مصلحة مياه العوجا تكون مسؤولة عن ادارة وتوزيع مياه البئر للصالح العام, أو من خلال منح تلك المسؤولية لبلدية العوجا.