يعد التعليم من اهم الحقوق الاساسية التي يجب ان يحصل عليها الفرد, فالتعليم ينمي قدراته و تساعده على تكوين خصال شخصيته الاساسية, الى جانب تفعيل مهارات التواصل مع الجماعات عبر تكوين الصداقات و الانشطة اللامهنجية في التعليم. و بهذا تعد الاساليب التعليمية موضوع مهم يجب ان يتم التركيز عليها في الخطط التنموية و التطويرية للدولة من خلال التركيز على مبادئ حقوق الطفل و الاتفاقيات الدولة لما لها من اثر مهم في العملية التعليمية.
الا انه و بالرغم من ان المؤسسة التعليمية تعد من اهم المؤسسات التي تصقل شخصية الفرد, الا انه في كثير من الاحيان تعاني من منهجيات تعليمية سواء من المناهج التعليمية او من اساليب المعلم / المعلمة, التي تعمل على تدمير شخصياتهم و كسر طموحاتهم الفردية مثل اتباع سياسة السخرية او اتباع سياسة المقارنة بين التلاميذ او سياسة العنف و الضرب ضد الطلاب مما ينعكس ذلك سلبا على ابداعاتهم الشخصية. و هنا نسال انفسنا: لماذا لا توجد مراقبة مجتمعية حول ما يجري في المدارس من عنف جسدي و نفسي ضد الطلاب و الاعتداء على حقوقهم و انسانيتهم داخل المدارس من قبل المعلمين ؟ باعتباره موضوع اجتماعي مهم تعاني منه اغلبية المدارس التعليمية سواء في فلسطين او المنطقة العربية بشكل عام, الامر الذي ينعكس بشكل سلبي على هذه الفئة الناشئة. فنحن بحاجة لمعرفة الاسباب الاجتماعية التي تدفع المؤسسات التعليمية لاتباع مثل هذه الاساليب ضد الطلاب خلال عملية التعليم, و السعي لمكافحتها و التقليل منها, خصوصا في ظل تأثير الأفكار الهيمنة الاجتماعية من عادات و تقاليد, للعمل على نشر مبادئ حقوق الانسان من جهة و حقوق الطفل بشكل اخص لما لها من تأثير ايجابي في عملية التربية و التعليم للطلاب من خلال تشكيل اجيال منتجة متعلمة واعية بحقوقها.
تعد المدرسة اول بيئة اجتماعية يعيش وسطها الفرد ضمن التفاعل المجتمعي خارج حدود الاسرة, فخلال هذه البيئة يتعرف الفرد على افراد جدد فتبدا حياة تكوين العلاقات والادوار و الاصدقاء, الى جانب تكوين المعرفة و العلوم الفكرية للاتجاهات الابداعية و المهاراتية. الا ان المدرسة و كاي مؤسسة اخرى تعتريها مشكلات كبيرة او صغيرة, تنعكس باثارها و نتائجها على موظفيها و طلابها, من حيث عمليات التدريس و المناهج التعليمية و اساليب التعليم التي في اغلب الاحيان و خصوصا في المدارس العربية التي تفتقر لمبادئ حقوق الانسان و الطفل مثل اسلوب التلقين, الضرب,التهديد و التخويف الى جانب الاليات التعليمية التقليدية القائمة على الضغظ النفسي و الحفظ.الامر الذي يؤدي الى انعكاسات سلبية على شخصيات التلاميذ مستقبلا من حيث تكوين شخصيات عدوانية او ضعيفة مضطهدة هزيلة الامكانيات و القدرات, الافتقار للمشاركة الفاعلة. خصوصا اذا تعرض الطفل لهذه الاساليب العنفية السلبية في المرحلة الاساسية باعتبارها مرحلة مهمة في تكوين شخصية الطفل و صفاته المهمة.
و من هنا يمكن تعريف العنف المدرسي بانه سلوكيات و تصرفات تؤدي الى نتائج مضرة سواء من ناحية نفسية داخلية او جسدية للطالب من قبل المعلم مثل الاهانة او عدم الاهتمام, او الاستغلال او التحرش, او تعريض الطالب للضرب و الاذى مما ينعكس سلبيا على الطالب من ناحية عاطفية و جسدية و سلوكية. و من هنا نرى بعض اشكال العنف مثل العنف الجسدي الذي يهدف لاحداث اضرار جسدية و ايذاءه من خلال الضرب و استخدام القوة مثل ادوات حادة او عصي كوسائل للعقاب مما يودي الى اثار مؤلمة والشعور بالخوف و المعاناة النفسية و في بعض الاحيان تشوهات جسدية و مخاطر صحية شديدة. اما العنف النفسي يؤدي لاحداث اثار عاطفية سلبية مثل الاهانة و الاهمال و التهديد و التخويف, الى جانب استخدام مصطلحات و مفاهيم تهدف للتقليل من مكانة التلميذ و قدراته من قبل المعلم, و تحقير الطالب او نبذه و التقليل من قيمته مثل الشتم.
اضطهاد المعلم و سوء معاملته مع الطالب هو السبب الاول و الرئيسي في هروب الطالب من المدرسة و تركها, كما انه من الاسباب المؤثرة على سلوكياتهم المستقبلية و اتجاههم نحو الجريمة. فالمعاملة السيئة و استخدام العنف تولد الكره لدى التلميذ ضد المعلمين و المدرسة بشكل عام. فبعض المجرمين كانو يكرهون الدراسة و المدرسة و كان المعلمون يضطهدونهم في السابق حسب دراسة حسين رشوان عام1995.
من اشكال تاثير العنف كاسلوب يتم استخدامه في التعليم ضد الطلاب على سلوكياتهم عدم الاكتراث لتحمل المسؤولية, عدم الالتزام بالقوانين و المشاغبة. من جانب اخر الانحراف في السلوك, تراجع الاخلاق و المبادئ و استخدام مفاهيم و الفاظ بذيئة, حسب ما اشارت به الكثير من الدراسات النفسية التربوية و الاجتماعية. اما من ناحية المستوى التعليمي نرى تراجع مستوى التحصيل العلمي الى جانب زيادة نسبة التسرب و الهروب من المدرسة, و ارتفاع حالات التاخر و الغياب الدراسي. بالاضافة لانعدام المشاركة الصفية او اللامنهجية للطالب و اتجاهه نحو الانعزالية والاكتئاب النفسي و هنا يدخل في حالة الاخلال بالعلاقات الاجتماعية في حياة الطالب و فقدان الثقة بقدراته الخاصة و بالتالي تراجع في مستوى الابداع الذاتي.
للعائلة دور كبير في التشجيع على ظهور اساليب العنف في العملية التدريسية , من خلال التشجيع الذي يحصل عليه المعلم من قبل الاباء في استخدام وسائل عنيفة و قمعية ضد الطالب, على اعتبار كونها وسائل تربوية ناجعة, خصوصا في العقاب. و من هنا يتم اتخاذ الاباء نموذج تقليدي في التسلط و القمع, مما ينعكس سلبا على الطلاب و اتجاهاتهم الفكرية و السلوكية و تحولها الى سلوكيات غير سوية و انحرافات اجتماعية. فالواقع الاجتماعي الذي تعيشه معظم الدول العربية و منها فلسطين, قائم على السلطوية الابوية والتي من اهم سماتها القمع و منع الحريات داخل الاسرة و تقديس الطاعة, الى جانب استخدام العنف و اصدار الاوامر و الكبت المجتمعي. فسيطرة الهرمية السلطوية على العلاقات كان لها تاثير كبير داخل المؤسسة التعليمية و تاثرها بثقافة المجتمع, و التي تقوم على سيطرة ( الكبير على الصغير, القوي على الضعيف, المدير على الموظف, الرجل على المراة ...الخ). فتولدت المؤسسات التعليمية ضمن بيئة مجتمعية تتقبل العنف كوسيلة من وسائل التربية و التعليم ضمن فرض الاوامر و هيمنة المعلم و العقاب. بالاضافة للمناهج التقليدية التي تقوم في جوهرها على التلقين و الحفظ مما يفقد الطلاب لابداعاتهم و قدراتهم من التفكير و الانتاج العلمي و عدم مراعاة اختلاف الفروقات الفردية في السياسة التعليمية.
أكثر من خمس الطلاب ما بين اعمار 12 الى 17سنة, قد تعرضوا للعنف داخل المدرسة, حيث وصلت النسب الى 21.6% في الضفة الغربية, و 22.7% في قطاع غزة. كما اوضحت الاحصائيات إلى أن العنف النفسي كان أكثر أشكال العنف ممارسة ضد الطلاب من قبل زملائهم الطلبة أو المعلمين 25.0% و27.6% على التوالي؛ بالمقابل بلغت نسبة الذين تعرضوا لعنف جسدي من قبل المعلمين 21.4%، مقابل 14.2% من قبل زملائهم الطلبة.
نستنتج بان المجتمع القائم على السلطوية متقبل للعنف و الاظضهاد, اجتماعيا حسب الثقافة العربية من عادات و تقاليد و القيم المتوارثة قديما عبر الاجيال, و هنا نرى بان العدوان و العنف لهما جذور ثقافية ضمن بيئة خصبة قادرة على النمو و التكاثر, لانعدام وجود اليات امنية و اجتماعية قادرة على مواجهتها, فظاهرة العنف تغلغلت داخل المؤسسات التعليمية من خلال الموروث التربوي الثقافي. مما اوجد علاقة قوية بين العنف العائلي و العنف المدرسي.
تحظى اتفاقية حقوق الطفل باهتمام كبير بالاضافة مع الاتفاقيات الاخرى, خصوصا بعد اتساع موجة القبول بها و التوقيع الدولي عليها, فبعد موافقة الجمعية العامة للامم المتحدة عليها عام 1989م و حتى عام 1994م وصل عدد الدول الموقعة عليها حوالي 157 دولة, وسعي هذه الدول لتعديل قوانينها و تشريعاتها بما يتناسب مع مبادئ الاتفاقية, الى جانب القيام باجراءات و برامج على ارض الواقع, عن طريق الشراكة و التعاون مع المدارس و منظمات المجتمع المدني. باعتبارها وسيلة للتغير و بناء رؤية جديدة نحو مستقبل مزهر للمجتمع. بالاضافة لدور هذه المنظمات المحلية و الدولية في مراقبة مدى تطبيق هذه المبادئ داخل الدولة, و التشارك في المعلومات و النقاش حول حقوق الطفل و تحقيقها على ارض الواقع. فهذه الاتفاقيات تركت بصمة ايجابية على وضع الاطفال. خصوصا لما يواجهه الطفل حول العالم من ماساة حقيقية و ظلم و تعذيب و عنف و معاملات لا انسانية من كافة المؤسسات الاجتماعية التي ينتمي اليها و يعيش ضمنها خصوصا في دول العالم الثالث و العالم النامي.
تضمنت اتفاقية حقوق الطفل مجموعة من متنوعة من الحقوق المدنية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية التي يجب ان يحصل عليها الطفل دون تمييز او عنف او تفرفة, الى جانب العلاقة المترابطة بين الحقوق و عدم تجزاتها. حيث تتكون الاتفاقية من 54 مادة و ديباجة و التي تدعو الى حماية حقوق الانسان و الطفل و الاعتراف بانسانية الطفل و كرامته, الى جانب الحماية القانونية للطفل.
بحيث تؤكد المادة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بان التعليم حق موجه نحو التطوير الكامل للشخصية الانسانية و معزز للكرامة و احترام حقوق الانسان و حرياته الاساسية و ضمان مشاركته الفعالية في المجتمع و العملية التفاعلية. فالتعليم يعد من اهم الحقوق التي يجب ان يحصل عليها الطفل, لان التعليم جزء مهم في الحياة الانسانية لما له اثر كبير في تنمية الفكر و العقل الانساني.
الا ان المدرسة العربية في المقابل تعمل على هدم الشخصية الاجتماعية و الفردية للطالب عن طريق التلقين و البصم, حيث تبين الاخصائية النفسية كريستين نصار بان المؤسسة التعليمية في الدول العربية لا يكون همها و هاجسها الوحيد الا حشو راس الطفل بالمعلومات عن طريق الاختبارات و الفروض المدرسية, و بالتالي حرمانه من حقه في التفكير و النقاش المتبادل. فهذا الاسلوب التعليمي يعد من اهم الاسباب في فشل العلاقة بين التلميذ و المعلم, فالمعلم يفقد قدرته على الحصول على ثقة الطالب, و توليد علاقة قائمة على العداوة و الخوف بينهما, تنعكس في سلوكيات العنف و الضرب خصوصا في حال عدم تلبية الطالب لمطالب المعلم و الواجبات المدرسية. العلاقة القائمة بين المعلم و الطالب هي علاقة قائمة على اساس الفاعل و المفعول به, فالمعلم هو صاحب ادارة العقول و على الطلبة الطاعة و التنفيذ دون حوار او نقاش, فالمدرسة تحولت الى مكان الخضوع و الامتثال و فرض على الطلاب الخوف و الكبت, كما هو الحال بالنسبة لسلطة الاسرة, فالسلطة هنا هي سلطة كلاسيكية, فالتلميذ يرى صورة السلطة الاسرية بالمدرسة, فالام ليس لها دور سوى خدمة الاطفال و الزوج فهي ضعيفة امام قوة وسلطة الاب الذي يعد صاحب قرار, فالتلميذ هو الجزء الاضعف المقترن بالام, امام سلطة المعلم المقترن بالاب. فتعليم هو نتاج هذا المناخ التربوي سلطوي دكتاتوري التقليدي السائد.
فالعنف كاسلوب تعامل و سلوك يعد احد سمات العلاقة الاجتماعية العربية بكافة انماطها التفاعلية القائمة بين الافراد و الجماعات و المؤسسات و منها المؤسسات التعليمية, الامر الذي يشكل خطورة على الطالب بسبب انتاجه لعلاقات صراعية قائمة على مراكز قوة للمعلم و ضعف للطالب, علاقات غير متكافئة, مما ينعكس على قيم و اخلاقيات الطالب و اهتزازا في شخصيته, الامر الذي يؤثر في تكوين اشكال تشويهية على طبيعة العلاقات بين الاجيال المختلفة.
حيث تفتقر المدارس للاساليب التعليمية الحديثة, ففي دراسة علمية للمجلس البلدي في الخليل حول العنف في مدارس المدينة تبين ان 46% من الاطفال يتعرضون للعنف داخل المدرسة, 20% عنف لفظي, و 14%عنف جسدي, و 12%عنف جسدي و لفظي. بحيث اوضحت النتائج لعدم وجود تشريعات تنص على حماية الاطفال, الى جانب معاناة الاطفال من مشاكل نفسية من ابرز اسبابها التمييز بين الطلاب داخل المدرسة و اساليب التدريس السيئة القائمة على العنف و التلقين و الاجبار, اضافة لصعوبة المناهج و عدم مراعاة المعلمين للقدرات و الفروقات الفردية بين الطلاب.
و في النهاية اود الاشارة الى مكانة المؤسسات التعليمية في حياة الفرد, فالمدرسة هي التي تساهم بناء شخصية الفرد و قدرته من خلال تزويده بالمعلومات و المعارف. و التي من ضمن هذه المعلومات يجب ان تكون حقوقه و حرياته,من خلال استناد المناهج على الاتفاقيات الدولية و اتفاقيات حقوق الطفل. الى جانب الاهتمام بتطوير الاساليب التعليمية و طرق التدريس التي يتبعها المعلم, لما لها تاثير في كيفية و مدى قدرة الطالب على استيعاب الافكار و الحقوق, و قدرته في اتخاذ القرار للدفاع عن حقوقه بافضل الاساليب. و من هنا يكمن اهمية دور الحكومة في المسائلة و مراقبة الاساليب التدريسية داخل المدارس لتوفير بيئة تدريسية سليمة للطالب عند دراسته و زيادة قدرته على الاستيعاب و الوعي. فلنجعل من مدارسنا مراة تضيئنا نحو العالم من خلال الاستناد لمبادئ حقوق الطفل باعتبار اطفالنا هم جيلنا الصاعد نحو عملية البناء و التحرير, فلنجعلهم مدركين لحقوقهم قادرين على الدفاع عنها, و لا يتم ذلك الا من خلال تطوير عملية التعليم.