الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

سيكولوجية الهزيمه وسيكولوجية التحرر

نشر بتاريخ: 05/04/2016 ( آخر تحديث: 05/04/2016 الساعة: 15:27 )

الكاتب: د.محمد بريغيث

قد يعتبر ما هو مكتوب في هذا المقال من أفكار مزيج ما بين الاستدلال الفلسفي النفسي العلمي والاستنتاج من خبرات الواقع، وذلك بسبب ما هو متراكم ومتجدد علميا وفلسفيا في المجال من جهة، وما هو حقائق وتجارب واقعية نتلمسها كسلوك اجتماعي أو سياسي من جهة أخرى .
فسيكولوجية الهزيمه تعني ببساطه وبدون تعقيد شعور داخلي ينبع من الشخص يتمحور حول النظرة للأخر واقحام مجمل مكونات التفكير نحو ما هو موجود لدى الأخر "تقليد" بغض النظر ان كان ذلك مناسبا أو لائقا وغالبا ما يظهر هذا الشعور لدى الشخصيات الهشة والضعيفة والتي سرعان ما تنهار أمام الأزمات أو الصدمات الحياتية، وتكون شخصيات قليله او شبه معدومه عنصر الثقة بالنفس كقوة وطاقه تسهم عادة في تشكيل ما يسمى ب "الجَلَد النفسي".

فمستوى الاراده الفكرية هنا يكون دون المستوى لدرجه أن اراده اصحاب تلك الشخصيات تعتبر شبه مسلوبه ، لذلك من الصعب أن نلاحظ أنهم ملتزمون ب"مبدأ" محدد سواء اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك .....على اعتبار أن "المبدأ" هو مصطلح يعبر عن القناعه الفكرية التامه بمجموعه من القيم التي من المفروض هي توجه مجمل السلوك الانساني. وباالتالي هؤلاء الأشخاص هم أكثر فئات الناس عرضة لتغيير وتلوين المبادىء والمواقف، فهم الأكثر عرضة لجذب واستقطاب مشاعر الهزيمه النفسية ومعايشتها. اضافه الى ذلك ان ما يلاحظ من التجارب الواقعية العملية ان الأشخاص الذين ينهزمون نفسيا تاتي هزائمهم أما طاغوت أو طواغيت ، بمعنى أمام القوي على أعتبار أن ثمه تفكير مشوه يحدث في داخل المنظومه الفكرية"الدماغ" لهؤلاء الأشخاص ان القوي هو الذي يملك النفوذ والسلطه ومفاتيح النجاه ، وهذا بدورة يؤسس الى حاله من الاستسلام والقرار بعدم المجابهة أو على الاقل الحياد والمحافظه على قيمه الذات، لاسيما ان عملية المقارنه تصبح سيدة الموقف وهذا اهم مؤشر من مؤشرات الهزيمه النفسية وبالتالي الاستسلام وهو أحد أنماط الشخصيات الغير متجانسه أو الغير متصالحه مع مقوماتها وقناعاتها. ومن سمات هذة الشخصيات أنها قلقة وموتورة ومترقبه باستمرار الى حد معين ولا تستطيع ان تعيش الأمان والراحه النفسية الداخلية وانسحابية لا تواجه، لذلك نلاحظ باستمرار ايضا أن تلك الشخصيات تتخبط في سلوكها وفي قراراتها وتتصرف تصرفات مغايرة لقيم ومبادىء عامه لدى المجتمع أو قد تصل الى مستوى أنها تصرفات محرمه وممنوعه اجتماعيا "خطوط حمراء"، بلا شك ان هذا الشعور يتبلور بشكل تراكمي ولاسباب اما اجتماعية تربوية أو تعليمية سلوكية أو مصالح ما....لكن بغض النظر عن السبب الا ان النتيجه واحدة وهي هزيمه نفسية واستسلام وبالتالي اجبار الذات على عيش هذا الدور.

أما فيما يخص سيكولوجية التحرر، سوف أتطرق لها من خلال تحديد مفهوم "الشخص الحر" بسبب افتقار أو ان جاز التعبير انعدام الأبحاث والمراجع التي تناقش موضوع سيكولوجية التحرر، لكن تعتبر العناصر البنيوية المكونه للمفاهيم النظرية والعملية للشخص الحر هي تعبير ينسجم بالمنطق العلمي مع فلسفة سيكولوجية التحرر على اعتبار أن سيكولوجية التحرر بحد ذاتها هي اهتمام نفسي بسمات وصفات "الشخص الحر"، فمن بين أنماط الشخصيات العامة التي نتعامل معها في حياتنا، قلّما نصادف شخصية تتّصف بأنها "حرّة"، ذلك أن الحريّة بمعناها الفلسفي يصعب تحقّقها عند الجميع. إذ يكفي أن نعلم أنّ آراءنا (التي نظن أنها ذاتية) وأحكامنا القيمية ورؤيتنا للعالم من حولنا إنما هي محكومة بعوامل خارجة عن إرادتنا. وهي عوامل يعود بعضها إلى عامل نفسي، وبعضها يرجع إلى عامل عقلي، وبعضها مرتبط بتجارب سابقة، وبعضها الآخر متعلّق بموقف راهن أو ظروف آنية. يضاف إلى ذلك التصاقنا بالخلفية الثقافية التي نجد أنفسنا أسرى لها دون قصد؛ وهي خلفيّة تصوغ نظامنا العقلي والنفسي بشكل غير مباشر. وتظهر هذه الخلفية الثقافية من خلال العادات الموروثة، والقيم الأخلاقية، وطرائق التنشئة الاجتماعية، وأساليب حل المشكلات، وأشكال الإحساس بالجمال.

ومن هنا نستطيع ان نستنتج أنه لا يوجد شخص حرّ بالمعنى الفلسفي، ولكن الدراسات الثقافية تنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، وهي أن المعطيات السابقة التي تربط المرء بمجموعة من القيود أغفلت أن تلك القيود ذات طبيعة بشريّة ولازمة لوجود المرء في الحياة. ولو صحّ أن تلك القيود تحرم المرء من الحرية، فإن انعدام صفات أخرى (غير بشرية) تحرمه كذلك من الحرية، كعدم قدرته على التحليق في الفضاء أو عدم قدرته على التواجد في مكانين في اللحظة نفسها..إلخ. وعليه، فإن قياس حرية الشخص يمكن أخذها من سلوكه الذي يملك فيه القدرة على أن يعبّر عن ذاته باستقلالية في ظل قدراته البشرية.

لذلك يمكن النظر الى الشخص الحر على اساس نفسي وعقلي ، وبامكاننا فهمه على أنه الشخص الذي يرفض القيود المفروضه علية من الخارج، ويرفض أن يتحكم اي شخص اخر في تصرفاته على اعتبار أنه على قناعه عقلية تامه بأن كل تصرفاته تحكمها مجموعه من القيم والضوابط والمعايير التي بدورها شكلت له "مبدأ" في الحياة وهو يدركها جيدا بعكس المهزوم نفسيا فهو لا يدرك ذاته لانه شتتها بتمييع قناعاته التي لم تنضج لتكوين مبدا صلب، وبالتالي هي معززة ومحصنه من الناحية النفسية لدى الشخص الحر وجدانيا..أي بمعنى انه راض كل الرضا عن ذاته لأنه هو " وهنا بضمير هو اعني أن عملية ابراز الذات لدى هذا الشخص عالية وقوية وهو ما يعبر عن ثقته وتصالحه مع نفسه" لذلك معرفيا وعاطفيا هو لا يعتقد انه بحاجه الى من يفرض علية قيودا ما لأنه واثق من قيمه وتصرفاته ومدركا لها ادراكا كاملا.

أضف الى ذلك ومن جهة أخرى أن هذة الشخصيات لا ترفض الدخول في سجالات منطقية مبنية على احترام "العقل البشري" مع الأخر/ين لانهم أي اصحاب هذة الشخصيات الحرة اولا هي متزنه وقوية ومتواضعه ومنفتحه ومحصنه ثقافيا ووطنيا وعلميا وقيميا، وثانيا تعتبر نفسها دائما "ندا قويا" أمام الأخر ويناقش اصحاب هذة الشخصيات باستخدام البراهين والمنطق العلمي وليس مستضعفا أمام القوي كما الحال بالنسبة للشخصية المهزومه.

أن هذا النمط من الشخصيات "الشخص الحر" يتمتع بصحه نفسية معتدله ومتوافقه ومتجانسة ويعتمد في النقاش على مبدأ الاقناح بالحجج والبراهين لذلك يواجه ولا ينسحب من جولات النقاش المبني على احترام المنطق والعقل البشري كما ذكر سابقا.
كما أن هذا النمط من الشخصيات "الشخص الحر" يتمتع بشخصية نزيهة ومترفعه عن المغريات والمناصب والمواقع ولا يخضع للابتزاز لأنه يملك طاقه نفسية قوية تتمثل في اراده راسخه وقناعات تمنعه أولا من الوقوع في فخ المغريات المشبوهة وثانيا تمنعه من التصرف في دائرة الخطوط الحمراء والمحظورات، وهذا النمط هو معاكس تماما لنمط الشخصية المهزومه نفسيا.