نشر بتاريخ: 07/04/2016 ( آخر تحديث: 07/04/2016 الساعة: 12:41 )
الكاتب: عبد الله كميل
ان مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية يعتبر مبدءأ عاما في أي دولة ديمقراطية كدولة فلسطين الناشئة، ويشمل هذا المبدأ مزايا تتمثل في صيانة الحرية ومنع الاستبداد والمساهمة في تحقيق الدولة القانونية وجني فوائد تقسيم وظائف الدولة، حيث أن الفصل بين السلطات يعتبر من الضمانات التي تضمن تحقيق الالتزام بقواعد الدستور، والمساواة بين الأفراد واحترام حقوقهم وحرياتهم، ويضمن كذلك عدم اعتداء أي سلطة على السلطة الأخرى مما يؤدي إلى خلق حاله من الفوضى والتداخل بالصلاحيات والسلوك والإجراءات التي تؤدي إلى المساس بالمواطن وفي الحالة الفلسطينية بالتحديد يمكن أن تكون المحكمة الدستورية فيها صمام الأمان لمنع الوصول إلى حالة من الفوضى والصراع بين السلطات نتاج تغول احداها على اختصاصات سلطة اخرى، وبين السلطات والأفراد.
إن تجسيد مبدأ سمو الدستور وحمايته عبر الآليات المتبعة للرقابة على دستورية القوانين يؤدي إلى تحقيق مبدأ المشروعية، حيث إن ذلك يعتبر ركيزة من ركائز الدولة القانونية ومظهر من مظاهرها الديمقراطية الحديثة.
والرقابة على دستورية القوانين لا تنتج اثرها ما لم يكن هناك إيمان وتطبيق لمبدأ المشروعية ووجود قضاءٍ مستقل لاتمارس عليه الضغوط السياسية والحزبية من أي جهة كانت، لكي يتسنى لدولة القانون أن يسود فيها القانون ولا تتحقق سيادة القانون ما لم تكن هناك رقابة مستقلة وحقيقية وفعالة على دستورية القوانين.
إن صدور القانون رقم 3 لسنة 2006 الخاص بالمحكمة الدستورية اعتبر تطورا لافتا، إلا أن المبررات التي ساقها البعض لعدم تطبيق هذا القانون هي مبررات غير سليمة، فلا الاحتلال عائقاً ولا عدم وجود كفاءات كما يدعي البعض الاخر يعتبر عائقاً، حيث أن الكفاءات موجودة .
وكما هو معروف فان المحكمة الدستورية لا سلطان عليها سوى الدستور، وهي هيئة قضائية مستقلة وتعتبر الحارس الأمين للدستور، والضمانة الأساسية لحمايته من الاعتداء، وهي السبيل الأساسي لضمان انسجام النصوص القانونية التي تسنها السلطة التشريعية، وكذلك اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية مع الدستور، ويعتبر القضاء الدستوري الحامي الأساسي للحقوق وحريات الافراد، والناظم للعلاقة بين السلطات الثلاث، وهي احدى أهم الأدوات الفعالة للعملية الديمقراطية، وهي التي تكرس مبدأ هرمية التشريعات، وتحافظ على مبدأ علو وسمو الدستور، لذا فإن فلسطين وبناء على ما سلف بأمس الحاجة للمحكمة الدستورية .
كما ان أحكام المحكمة الدستورية تحوز على الحجية المطلقة في مواجهة الكافة حكاّما ومحكومين، بحيث لا يقبل تأويلها أو التعقيب عليها، أو المجادلة فيها، فالحكم الصادر بعدم دستورية نص تشريعي يعتبر حقيقة ثابتة يحتج بها في مواجهة كافة الناس كقاعدة عامة ومجردة ملزمة لهم تفرض عليهم واجب عدم التعامل مع ذلك النص حيث يعتبر بحكم النص المنعدم الأثر، ويعتبر الامتناع عن تنفيذ الأحكام بشكل عام والدستورية بشكل خاص سواء من قبل السلطات العامة، أم كان من قبل الأشخاص الطبيعية والمعنوية جريمة معاقب
إن الاسراع بتشكيل المحكمة الدستورية ضرورة تقتضيها الحالة الفلسطينية حيث تزداد أهمية تشكيلها في ظل الخلافات الدستورية الفلسطينية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية، كونها تملك كلمة الفصل في أي من النزاعات التي تتعلق بالدستور (القانون الأساسي)، وكذلك فإن تشكيلها للقيام بمهامها المسندة اليها بموجب القانون الأساسي والقانون الخاص بها حيث أن هناك كثير من الخلافات الدستورية التي حصلت وما زالت بين السلطات الثلاث، أو داخل السلطات نفسها ولم يوجد لها حلا قانونيا مقنعا لكافة الأطراف المعنية، مثل الجدل حول الولاية القانونية لرئيس السلطة الوطنية والمجلس التشريعي، حكومة الطوارئ، الانتخابات المبكرة.
اما عن المحكمة والوضع الداخلي الفلسطيني فإن حالة الانقسام الداخلي قد ألقت بظلالها السلبية على مجمل الواقع الفلسطيني، ولعل وجود قضاء دستوري مستقل يعتبر البلسم الشافي لهذه الحالة التي يعيشها الفلسطينيون حيث أن وجود المحكمة دستورية من شأنه أن يجعل منها المرجعية لكل الفرقاء مما يؤدي إلى حالة الاستقرار الداخلي ويساهم بتجسيد دولة القانون لذا نرى أن التلكؤ في تشكيل المحكمة وفصلها عن القضاء العادي كان من شأنه أن يبقي الاوضاع على ما هي عليه. ومن أجل التوصل لإنهاء حالة الانقسام كان لابد من حسم أمر تشكيل المحكمة بأقصى سرعة عبر الرئيس الفلسطيني وفق الصلاحيات المخولة له بما يضمن استقلاليتها وحياديتها.
إن قرار تشكيل المحكمة الدستورية سيخلق حالة من الاستقرار على الصعيدين القانوني والسياسي وكذلك الوطني وسيدفع بخلق حالة من الثقة بالنظام السياسي الفلسطيني من قبل المجتمعَيْن الفلسطيني والدولي، حيث ان كيان الدولة القانونية،وهي دولة الحاكمين والمحكومين المتقيدين جميعا بالقانون، لا يكتمل بدون جهة مستقلة تفصل بالمنازعات الدستورية، بل ان كيان الدولة القانونية الحديثة لا يستوي بدون وجود محكمة دستورية تمارس مهامها كهيئة قضائية مستقلة
لقد أخطأ المشرع الفلسطيني بمنحه المحكمة العليا مهام المحكمة الدستورية لحين تشكيلها، حيث أنه لا يوجد في فلسطين قانون ينظم المحكمة العليا الفلسطينية واجراءات التقاضي أمامها، وبيان الأثر المترتب على الحكم في الدعوى الدستورية على خلاف ما كان معمولاً به في مصر لغاية 1979م .
اضافة الى ما سلف فان استمرار قيام المحكمة العليا بدور المحكمة الدستورية يعتبر إشكالية يجب تجاوزها حيث تقوم بذلك منذ 29/5/2002م وهو تاريخ صدور القانون الأساسي حيث نصت المادة 95 منه على تولي المحكمة العليا وبشكل مؤقت كل المهام المسندة للمحاكم الادارية والمحكمة الدستورية والتي تم تأكيدها في القانون الأساسي المعدل عام 2003 في المادة 104 ، وفي رأينا فإن معنى مؤقتاً يعني على الأكثر شهرا أو بضعة شهور للانتهاء من تشكيل المحكمة الدستورية، لا أن يستمر العمل بذلك حتى اللحظة حيث مرت اربعة عشر عاماً دون تشكيل المحكمة الدستورية، فالمحكمة العليا لا تتوفر لها الضمانات الضرورية لاستقلال القضاء الدستوري.
وعليه فان تشكيل المحكمة الدستورية وعدا عن ما تم ذكره فانه سينهي حالة الارباك والجدل حول تولي المحكمة العليا مهام المحكمة الدستوريه العليا حيث وكما هو معروف فإن المحكمة العليا ووفق الماده 104 من القانون الأساسي المعدل، وكذلك الماده 23 من قانون تشكيل المحاكم النظامية تنعقد بثلاث صفات، حيث تنعقد بصفتها محكمة نقض، وتنعقد بصفتها محكمة ادارية (العدل العليا)، وتنعقد أيضا بصفتها محكمة دستورية، وهذا بحد ذاته يعتبر مساسا لا لبس فيه باستقلالية القضاء الدستوري المفترض أن يكون مستقلا عن النظام القضائي، حيث أن المحكمة الدستورية تعتبر جهة قضائية حيادية كما اسلفنا وتهدف إلى حماية مبدأ المشروعية من اي انتهاك من السلطات الثلاث ، أضف إلى ذلك أن المحكمة العليا أحيانا يمكن ان تكون الخصم والحكَم في آن واحد خاصة اذا كان موضوع الطعن متعلق بمجلس القضاءالاعلى الذي تعتبر محكمة النقض ومحكمة العدل العليا مكونين اساسيين للمحكمة العليا ما يؤكد ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية.
اما من يدعي بأن الاحتلال يعتبر مبررا لعدم تشكيل المحكمة فانني اقول أن وجود الاحتلال لا يحول دون تشكيل المحكمة الدستورية في فلسطين، فالاحتلال واضطراب الوضع الداخلي في أي دولة لا يعني منع تشكيل المحكمة الدستورية أو الغاء وجودها، ولو سلمنا بذلك لدخلنا بتناقض حيث أنه تمت احالة مهام المحكمة الدستورية إلى المحكمة العليا الفلسطينية، فما الفرق أمام الاحتلال بين محكمة أحيلت لها نفس المهام وبين المحكمة الأساسية وهي المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية، حيث أن ممارسة مهام المحكمة الدستورية وتحت أي مسمى كان، يضحد ادعاء بعض القانونيين أن الاحتلال يشكل عائقاً أمام المحكمة الدستورية هو غير منطقي ولا يمت للواقع بصلة.
وبعد حصول فلسطين على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة وانضمامها للعديد من الاتفاقيات والمعاهدات والمنظمات الدولية بات من الضروري بمكان تفعيل القانون الخاص بالمحكمة الدستورية وتشكيل المحكمة لكي يتم العمل على ترسيخ الدولة على ارض الواقع لأنه من أهم مقومات وأركان الدولة الحديثة ذات الأنظمة الديمقراطية تشكيل المحكمة الدستورية، حيث أن الانضمام إلى هكذا معاهدات واتفاقيات يتطلب ويرتب العديد من التبعات القانونية سواء على الصعيد الوطني أو الدولي من تعديل تشريعات لكي تتواءم مع هذه الاتفاقيات أو إصدار تشريعات جديدة.
وبناء على ما تم ذكره فان ممارسة الرئيس لصلاحياته بتشكيل المحكمة الدستورية يعتبر خطوة دستورية هامة لتجسيد الدولة القانونية وان جاءت متأخرة .